لأول مرة أكتب عن طلبة قسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة لعدة أسباب.. الأول لتواجد مواهب حقيقية تحتاج إلي احتضان ورعاية كاملة اقتصادية وإبداعية حتي تتمكن من التألق والتوهج وهنا نستطيع أن نحافظ علي هذه المواهب لتكون امتداداً حقيقياً لمسيرة الإبداع الجرافيكي في مصر الذي يتسم بالثبات والتراجع لأسباب أخري سنتحدث عنها في مقالات لاحقة، وكيفية الحفاظ علي هذه المواهب تتلخص في إمدادهم بمراسم مجهزة بأدوات الطباعة الفنية كالمكابس وغيرها، وأن يتم توفير الخامات والمكان.. وهذا علي غرار التفرغ الذي تقدمه وزارة الثقافة لبعض الفنانين ولكن هنا يضاف المكان والتجهيزات، يتخرج كل عام عشرات المواهب من المئات التي تلتحق بكليات الفنون وبمجرد نجاحهم وحصولهم علي شهادة البكالوريوس تتبخر هذه المواهب وتتوه في زحمة الحياة وعدم القدرة علي التواصل باستثناء نسبة لا تزيد علي الواحد في الألف والقادرة علي تغطية نفقات واحتياجات الفنان، يأتي السبب الثاني ولا يقل أهمية عن السبب الأول وهو الاكتشاف والإنقاذ والدعم النفسي هذه الكلمات لها معان عميقة في سياق تجربتي في التدريس بعد عودتي من العمل بوزارة الثقافة علي مدي عقدين من الزمان منذ عام 8891 وحتي عام 8002، عندما عدت إلي الكلية شعرت بعد هذه المدة بالغربة الشديدة بسبب تباين طبيعة العمل خلال عشرين عاماً في مجال الإدارة الفنية والثقافية وبين تدريس الفنون للطلاب.. فكان من نصيبي طلبة الفرقة الرابعة وأخص مادة الطباعة الفنية وكان عدد الطلاب مائة واثنين.. ولا أدري كيف أتعامل مع هذا العدد الكبير وفي البداية صُدمت وتوترت حتي استطعت استدعاء حبي لعملية التدريس وبدأت في التعايش مع طبيعة القسم المختلفة وكان جهداً كبيراً لاحتواء الموقف وخلق منهجية تتناسب وتتوافق مع هذا العدد في ظل إمكانات متدنية وأماكن لا تليق بمؤسسة أكاديمية عليا وتجهيزات لا تؤدي المهام الفنية المرجوة، ولكن بإرادة الطلاب في ظل النهج الجديد والحماس وإعادة الثقة للذات تحركت الهمم والإصرار علي تحقيق إبداع جديد.. وتعاظمت تجارب الطلاب من المستوي الأدني إلي حالة من التفاعل والبحث والتجريب أدي ذلك كله إلي ظهور واكتشاف مواهب كانت مكنونة.. وفجأة تفجرت بجلاء.. وكم هو جميل أن تشاهد انبثاق نبت جديد وترعاه ويكبر أمام عينيك وينتج ثمراً جميلاً ورائعاً تتألق فيه الأحلام والأفكار والقضايا التي عبر عنها الطلاب بحرية وشجاعة منقطعة النظير منها »الشارع المصري الفنون الشعبية العنوسة أعماق البحار الإنسان المعاصر قضايا تاريخية وإنسانية«.. وموضوعات كثيرة أخري، وكان الاختيار حراً لكل طالب واتسم العرض بالحوار الجاد لكل الموضوعات والتي كشفت عن مواهب فكرية تحمل كماً من المشاعر والأحاسيس عند الطلاب وارتباطهم بهذه القضايا الإنسانية والاجتماعية بالمجتمع، والمتأمل في هذه التجارب الرائعة يقف أمامها بكل الإعزاز والفخار منها أعمال الطالب محمد عيد أعماله تتسم بالتجريب المتغير، الطالبة سارة عبدالله التميز تعبيرياً وتقنياً، الطالبة داليا محمد عبدالسلام تجربة التحول الذاتي للإنسان المعاصر نحو التقدم التكنولوجي، الطالبة دينا عبدالسميع تناولت قضية العنوسة وتراجع الزواج. والطريف تم خطبتها أثناء معايشتها لموضوع أعمالها فانعكس ذلك علي أعمالها الفنية، وأعمال الطالبة مروة المتألقة في بنائها التشكيلي وسيطرتها علي التقنيات بإحساس الفنان، أما الطالبة سمر فتناولت بعض الطقوس الشعبية في تكوينات مختلفة وتتسم بالحركة، ومن المتميزين محمد الغنام والمتألق أيضاً في المناظر الطبيعية، وأيضاً محمد عيد الذي يتأمل الطبيعة ويقدم نبض الطبيعة وجمالها، وكذلك محمد عيد أحمد، وسعاد صلاح وأسماء كثيرة تحمل تجارب إبداعية متميزة أثارت انتباه ودهشة الكثيرين من الأساتذة الزملاء والفنانين بالكلية.