أمام لوحة إبداعية للخالق سبحانه وتعالى، بحر مطروح بمياهه الزرقاء الصافية التى تحتضنها الصخور الرابضة كحارس أمين عليها وعلى كورنيش هو الآخر لوحة إبداعية من فرط تنميقه وجماله، أمام كل هذا الإبداع الطبيعى والبشرى أقيم مركز لاكتشاف نواحى الإبداع والمبدعين والنوابغ من أبناء مطروح، وهو مركز سوزان مبارك الاستكشافى للعلوم، ذلك المركز الذى يحاول أن يحقق المعادلة الصعبة وهى تحويل التعليم إلى متعة والأحلام إلى حقيقة. هناك 22 مركزا من مراكز سوزان مبارك منتشرة فى ربوع الجمهورية، كل محافظة بها مركز، لكن لم أكن أتخيل أن مطروح بعدد سكانها الذى لم يتجاوز 380 ألف نسمة بها مثل هذا المركز.. لم تكن هذه فقط المفاجأة، بل الأكثر أن محافظة مطروح بها مركزان، حيث تم افتتاح مركز آخر فى مدينة سيوة. وعندما دخلت وشاهدت المركز من الداخل وجدته من أفضل المراكز الموجودة حتى إنى ظننت أنه مركز فى منطقة مصر الجديدة أو القاهرةالجديدة. أكدت دراسة علمية أجريت مؤخرا فى مركز معلومات مجلس الوزراء أن لدينا ثلاثة موهوبين أو مبدعين فى مختلف نواحى الإبداع من بين كل مائة مولود جديد، وأن هؤلاء المبدعين هم جزء من ثروة مصر البشرية والاقتصادية اللازمة لتقدمها، وأن اكتشافهم ورعايتهم هو جزء من الأمن القومى لمصر. من هنا نكتشف ضرورة وأهمية وجود مثل هذه المراكز كمعقل لاكتشاف ورعاية الموهوبين، وهى معلم حضارى يؤكد أن الإنسان هو صانع الحضارة ومبتكر التكنولوجيا التى تقوم على مبدأ التعلم عن طريق اللمس والمشاهدة والتجريب. ومركز سوزان مبارك الاستكشافى للعلوم بمرسى مطروح هو معلم حضارى جديد أضيف للمدينة الساحلية الجميلة، تكلف قرابة ال 7 ملايين جنيه ما بين الإنشاءات والتجهيزات، تم افتتاحه خلال الصيف الماضى، وهو مكون من مبنيين الأول للتعليم والتدريب والثانى عبارة عن فندق لإقامة الطلاب المغتربين فى إطار التبادل الطلابى ما بين المراكز الاستكشافية على مستوى الجمهورية، كما أكد لى مدير المركز محمود قاسم أن المركز يستقبل أعضاء المراكز الأخرى من مختلف محافظات الجمهورية لمدة تتراوح بين ثلاثة أيام إلى أسبوع، فى إقامة كاملة بفندق المركز، بهدف تبادل الخبرات والثقافات وتبادل الحوار والمعرفة ما بين طلاب مراكز الجمهورية. أما عن مركز مطروح نفسه فالمفترض أنه يستهدف 83 مترددا يوميا فقط، مما يعادل 26120 سنويا، إلا أن الأعداد الفعلية للمترددين منذ افتتاح المركز فى أغسطس الماضى وصلت ل 118 يوميا، فالإقبال من جانب الطلبة من مختلف المراحل والمدارس البالغ عددها 181 مدرسة كبير جدا. كفيف على الكمبيوتر! وفى جولة داخل حجرات ومعامل المركز المكون من ثلاثة أدوار كانت البداية مع معمل الكمبيوتر الذى يستقبل التلاميذ من مرحلة رياض الأطفال حتى مرحلة الجامعة، لكن أهم ما فيه هو الجزء الخاص بذوى الاحتياجات الخاصة من المكفوفين، حيث استطاع المركز أن يضع برمجة أو برنامجا خاصًا بالمكفوفين يمكنهم من القراءة والكتابة والتعامل مع الشبكة العنكبوتية أيضا دون الحاجة إلى مرافق وذلك عن طريق برنامج ناطق للحروف الهجائية سواء الإنجليزية أو العربية، فالكفيف يمكنه أن يكتب على لوحة المفاتيح بطريقة عادية، وبعدها يسمع نطق الحرف ثم الكلمة كاملة، وإذا ما كانت صواباً أم خطأ، وبالتالى يستطيع الكفيف أن يعتمد على ذاته فى كل شىء دون الحاجة إلى رفيق دائم للقراءة أو الكتابة وتوزع عليهم هذه البرامج فى المنازل ويستفيد من هذا البرنامج حتى الآن 8 مكفوفين فى مطروح. ومن معمل الكمبيوتر لمعمل العلوم، حيث التف نحو عشر طالبات من مدرسة السيدة عائشة الإعدادية للبنات حول إخصائى العلوم الذى كان يشرح لهن فكرة عمل الموتور وأعطاهن بعض الأجهزة الإلكترونية وطلب منهن عمل جهاز إنذار باستخدام الموتور الصغير مع المغناطيس، وبالفعل استطعن عمل ذلك الذى يصدر صوت الإنذار عند الاقتراب منه وسط فرحتهن بهذا الإنجاز. اقتربت منهن وسألت بعضهن عن المركز ومدى الاستفادة منه، فقالت علا مصطفى فى الصف الثانى الإعدادى: فى الحقيقة نحن لا نستطيع أن نأتى أيام الدراسة كثيرا فيما عدا يوم الخميس فقط وهو غير كافٍ بالنسبة لنا، لأننا مبهورات بالمركز وما يحتويه من أجهزة ومعدات نفتقدها فى مدارسنا ومعاملنا، فالتجارب العملية فى مادة العلوم عندنا نستطيع هنا أن نطبقها بسهولة فهى تحقق لنا إشباعا علميا، لكن نريد أن تزيد عدد مرات زيارتنا للمركز أثناء فترة الدراسة، إلا أن المدرسة كل مرة تختار وفدا آخر للزيارة. وتضيف سماح على زميلتها: لأول مرة أحضر فى معمل به كل هذه التجهيزات، وهذا الشرح العلمى السهل البسيط الذى زاد من حبنا للمواد العلمية ومادة العلوم الصعبة التى كنا نشكو منها فى المدارس. نجفة بالخشب والقواقع أما الطالب كارم أحمد عبدالفتاح بالصف الثانى الإعدادى فهو أحد النوابغ الذين اكتشفهم المركز، حيث يملك مواهب متعددة فى الفنون مثل الرسم والأعمال التشكيلية والأهم هو نبوغه العلمى، حيث استطاع خلال شهر ونصف الشهر فقط من عضويته بالمركز - كما يؤكد محمود قاسم مدير المركز - ومن خلال بعض الإمكانيات الإلكترونية البسيطة التى توافرت له أن يصنع مخترعات جديدة مثل جهاز «الأفوميتر»، وهو جهاز يباع فى الخارج ب 150 جنيها، وذلك لقياس قوة البطارية استطاع كارم أن يصنعه هو ذاته، لكن بتكلفة أقل لا تتعدى ال 15 جنيها. وأيضا قدم نموذجا لنجفة خشبية على شكل ثعبان الكوبرا موضوعة على سوست تتحرك يمينا ويسارا ولا يمكن أن تقع حتى مع حدوث الزلازل. حيث استنبط فكرة صناعة نجفة على سوست أو كبالن من العمارات اليابانية المصنوعة على سوست وكبالن لمواجهة الزلازل، وكذلك صنعها على شكل ثعبان الكوبرا مستخدما الخشب والقواقع لكى تشع إضاءتها فى كل مكان بمسامير مفصلية، ونظرا لوجود كارم فى مدرسته فى ذلك اليوم لم نستطع مقابلته، لكن رأينا أعماله وسمعنا إشادة إدارة المركز به وبنبوغه المتوقع. ويقع فى الدور الثانى من المركز حجرة تسمى جنة الطفل، حيث يلتقى الأطفال من سن الرابعة وتقول نشوى عبدالخالق مديرة القسم: إن هدفنا فى هذا القسم هو بناء شخصية الطفل بالنمو السليم والخبرات التى تترك بصمتها على شخصيته، وذلك من خلال سيطرة روح اللعب التى تسيطر على معظم أنشطته، هدفنا هنا هو تعليم الأطفال كيف ينتجون أفكارا جديدة إبداعية وممارسة الأنشطة العقلية كنشاط يومى وترجمة نشاطهم الإبداعى إلى واقع ملموس، فمثلا نعطى له قصة مصورة وقبل سرد القصة نطلب منه أن يتحاور ويتوقع معنا أحداث القصة ويضع لها عنوانا ويلونها ويضع لها نهاية، وهكذا ومن هنا نكتشف نواحى الإبداع المختلفة لدى الأطفال، فبعضهم قد يكون ذكاؤه لغويا والبعض الآخر فنيا أو علميا. فنون ومواهب وإلى جوار ذلك هناك حجرات الفنون والمسرح والموسيقى لاكتشاف المواهب الفنية فى كل مجال ويقول د. محمود قاسم إنه يرسل إلى جميع المدارس لإرسال الطلبة الموهوبين لديهم دون مجاملة حتى إن حدثت بعض المجاملات فالمركز يكتشف ويستخلص أصحاب المواهب ويمنحهم كارنيهات العضوية ويتصل بأولياء الأمور ليكونوا على اتصال مباشر ودائم مع المركز لرعاية أبنائهم، وبالفعل رأينا بنات وأولادا فى حالة هدوء تام يصنعن أجمل اللوحات الفنية سواء فى الرسومات أو بالأشكال الفنية مستخدمين فيها أدوات من البيئة المحيطة بهم، لكن اللافت للنظر أن معظم من رأيتهم فى كل الأقسام سواء العلمية أو الفنية هم من البنات. ويؤكد لى مدير المركز أن المركز يشارك مجتمعيا من خلال إقامة ندوات تهتم بما يحيطهم من مشاكل مثل ندوة نقطة مياه تساوى حياة عن أهمية ترشيد المياه، وغيرها من الندوات الجماهيرية التى يتاح فيها للجميع المشاركة. كذلك يتم عمل دورات تدريبية سواء لتعليم اللغة الإنجليزية أو الحاسب الآلى لجميع العاملين بجميع المؤسسات. وكذلك عمل تدريب لإخصائيى المكتبات.. والمركز اشترك فى معرض أقيم بأرض المعارض بمدينة نصر تحت شعار «وعد فأوفى» قدم إنتاجه مثل جهاز التكييف الصحراوى الذى أنتجه أبناء المركز وكذلك العديد من اللوحات الفنية من عمل الطلبة. أما خطة عمل المركز فقد حظيت بإعجاب وتقدير مركز إعداد القادة بالإسكندرية الذى منحه الدرجة النهائية فى كيفية تنفيذ الاستراتيجية الموضوعة له. أطفالنا يستحقون أما الفندق الملحق بالمركز والمخصص لاستقبال وفود طلاب المراكز الأخرى من مختلف محافظات الجمهورية فهو على مستوى وصورة تفرح بالفعل إذا استمر الحال على ما رأيناه من النظام والنظافة والرقى الذى يستحقه أطفالنا ومواهبنا بالتأكيد.. والفندق مكون من دور أرضى به صالة طعام تستوعب «120 فردا» وبه مغسلة وغرفة إنقاذ إذا ما حدث مكروه لأى فرد ثم الدور الأول به 12 غرفة إقامة كل غرفة تستوعب فردين وبه صالتا استقبال. والدور الثانى به 12 غرفة إقامة كل غرفة تحتوى على ثلاثة أسرة وتسريحة وثلاجة وتليفزيون ودولاب، أى إجمالى 24 غرفة نوم لاستيعاب 72 فردا. حالةحب رغم كل شىء كيف تضمن الاستمرار لهذا الصرح الرائع فى سيمفونية الأداء الرائع كشكل وكمضمون لتحقيق رسالته السامية فى خلق أجيال من المبدعين والموهوبين، وحتى لايصاب بعدوى التدهور التى يصاب بها كثير من النماذج الرائعة فى مجتمعنا.. هذا السؤال سألته للمدرسين والإخصائيين والمدربين ولمدير المركز نفسه. فكانت الاجابة تقريبا واحدة وهى أنهم رغم كل شىء يعيشون حالة حب وتضامن مع المركز إلى الحد الذى يرتضون فيه الإنفاق عليه من جيوبهم الخاصة رغم أنهم فى الأساس مدرسون منتدبون من وزارة التربية والتعليم ومرتباتهم معروفة، وحتى المكافأة أو الحافز الذى كان يصرف له ومقداره (200) جنيه شهرياً تم إيقافه منذ مجىء الدكتور أحمد زكى بدر وزيراً للتربية والتعليم. فيقول أ/ خيرالله مفتاح- رئيس نادى العلوم.. إنه أحيانا أمام رغبة وموهبة الأولاد فى التهام المعرفة والعلوم ونقص بعض المعدات الصغيرة مثل البطاريات وبعض المحاليل أو قطع المغناطيس اضطر لأن يشترى هذه الأشياء من جيبه الخاص. لأن هدفنا ألا يتوقف هذا المكان وألا يعجز عن تقديم كل خبراته وإمكانياته لأبنائنا. ولم يختلف هذا الكلام كثيرا عما قاله مدير المركز محمود قاسم.. الذى أكد أن كل مكافآته التى كان يتقاضاها من المركز قبل إيقافها مؤخراً ومقدارها (1000) جنيه كان ينفقها على شراء المستهلكات من أدوات نظافة ومصاريف غسيل أدوات ومفروشات الفندق الملحق بالمركز وكذلك أدواته لحجرة رياض الأطفال من أوراق وألوان. وعندما زار المحافظ اللواء أحمد حسين المركز.. كان أول قرار له هو تشكيل لجنة خاصة من المحافظة للإنفاق على المركز واحتياجاته كاملة حتى يحافظ على مستواه لكن والكلام لمدير المركز كل مانطالب به السيد المحافظ هو تفعيل تلك اللجنة أو البدء فى عملها. ويضيف المدير قائلا: ولو عادت لى مكافأتى مرة أخرى التى أشار الوزير أحمد زكى بدر بإعادتها من أجل زملائى الذين يعملون بجد وإخلاص فى المركز سأعاود إنفاقها على المركز لأننى والحمد لله عندى مرتبى وعملى الخاص فى بعض أعمال الديكور، وقبل أن أترك المركز كان لمديره طلب ملح جدًّا ويتمنى أن يتحقق، أما الطلب فهو أن يحصل على حق استغلال معسكر الشاطئ الخاص بالتربية الرياضية المواجه للمركز والتابع لوزارة التربية والتعليم الذى يقع على مساحة شاسعة على الشاطئ مباشرة ولا يتم استغلاله إلا فترات قصيرة فى الصيف وطوال العام مغلق تماما فهو يريد استغلاله فى إجراء أنشطة رياضية ومسابقات لرواد المركز خلال فترة الشتاء، وفى الصيف يمكنهم التعاون سويا.