الاستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان المزمع إجراؤه في التاسع من يناير عام 2011م المقصود به دستورياً حسبما نصت اتفاقية السلام الشامل، وحسبما ثبت في الدستور هو أن يؤكد وحدة السودان، أو أن يرفض مواطنو الجنوب هذه الصيغة القائمة ويختاروا الانفصال عن الشمال وتكوين دولة جديدة خاصة بهم. وهو بهذا المعني يقود إلي أحد خيارين أما وحدة أو انفصال، وبالتالي فإن سودان ما بعد الاستفتاء هو أما سودان واحد وفق أسس جديدة يتفق عليها بين الشمال والجنوب، أو بلدان مختلفان متجاوران تجمع بينهما علاقات محددة، وبشكل معين يحدده أيضاً أهل الجنوب والشمال معاً. وأن تقوم الآن مفاوضات بين شريكي نيفاشا المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لبحث وضع وشكل وقضايا وعلاقات ما بعد الاستفتاء فهذا أمر مطلوب ومحمود، ولكن مطلوب أيضاً أن يكون البحث متوازناً وموزوناً مع ما قررته اتفاقية السلام الشامل. وعليه فإن البحث يكون أولاً للحالة المطلوب ترجيها وهي حالة الوحدة، ثم يبحث بعد ذلك الاستثناء وهو خيار الانفصال إذا ما فشل أهل السودان في الاتفاق حول أسس الوحدة. والمتابع للأجندة التي وضعت بين يدي لجان التفاوض يلحظ أن أكثر ما يتمحور حول الأوضاع إذا ما انفصل الجنوب عن الشمال، مثل الديون والجنسية والموارد وغيرها مما ورد ويشير إلي أن التركيز انصب جله علي حالة الانفصال. والتحسب لحالة الانفصال إذا وقعت أمر مطلوب حتي لا يفاجأ به الناس إذا صار لا قدر الله ومطلوب كذلك من باب وضع أسوأ الاحتمالات لوضع طرق مجابهتها. ولكن أن توحي الأمور بأنه الخيار الراجح ففي ذلك ما يثبط الهمم، لاسيما وأن الخطوات الأخيرة، وبعض ما صار يقول به بعض منسوبي الشراكة أحيا الأمل في بعض النفوس. الطريقة الأصح أن يكون البحث الأول عن الصيغ المطلوبة في العلاقات، وفي توزيع الحكم، وأولويات الأشياء إذا ما أراد أهل السودان الوحدة. ولعل ما يقلق كثيرين من الأخوة في جنوب السودان أنهم لم يجدوا في عهود الحكم السابقة منذ الاستقلال وحتي توقيع إتفاقية السلام الشامل في التاسع من يناير عام 2005م بالعاصمة الكينية نيروبي، لم يجدوا ما يطمئنهم علي أنهم إذا ما استمروا في السودان مع الشمال ومع بقية أخوانهم سوف ينالون حقوق المواطنة الكاملة وتنهض منطقتهم. أما بعد اتفاقية السلام، وبعد وقوف الحرب، بل قبلها وجدوا في الإنقاذ حكومة جادة في استخراج ثروات الجنوب، والوصول مع أهله لسلام شامل ودائم كانت اتفاقية السلام هي تتويجه. ولكنهم وخلال سنوات الانتقال الخمس الماضية لم يجدوا التعاون الكامل مع الشركاء في الشمال للاقناع بخيار الوحدة. ولقد أثرت المكايدات والمناكفات خلال المرحلة الماضية سلباً علي الثقة المتبادلة بين أهل الجنوب والشمال، وهذا ما قاد لأن يري بعض من الجنوبيين وفي الحركة الشعبية، ووسط بعض قياداتها أن الانفصال أفضل من الوحدة. ولذلك يجب التركيز في حوار اللجنة أولاً علي الحال إذا ما اختار الجنوبيون الوحدة. ويكون الحوار واضحاً وصريحاً ماذا يريد الجنوبيون حتي يبقوا موحدين مع الشمال، لصالح الجنوب والشمال معاً. وبرغم أن الوحدة هي في صالح أهل السودان كلهم، وعليهم جميعاً أن يقدموا التنازلات من أجل تحقيقها، ولكن التنازل الأكبر مطلوب من الشمال ومن المؤتمر الوطني الشريك الأصيل في الحكم. فالجنوبيون هم الذين يشعرون بالغبن، وفي يدهم فرصة تحقيق استقلال يخرجهم مما يشعرون أنه ظلم وقع عليهم، ثم أنهم لو انفصلوا لاعتبروا ذلك نصراً لهم. أما بالنسبة للشمال فإن الانفصال يعتبر خسارة كبري في عهد تتجمع فيه الدول والشعوب. وهو خسارة لحكومة تستهدف قيادة امة تقود غيرها بقوتها ومنهجها وما حباها الله به من موارد وخيرات.