شيد عيسي عليه السلام دستور المحبة الدائمة القائمة علي فلسفة التسامح وقال: »لقد قيل لكم من قبل ان السن بالسن والأنف بالأنف وأنا أقول لكم: لا تقاوموا الشر بالشر بل من ضرب خدك الأيمن فحول إليه الخد الأيسر ومن أخذ رداءك فاعطه أزارك«. وقال تعالي »والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين« وقال محمد صلي الله عليه وسلم لعقبة بن عامر: الا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والاخرة؟ تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك. والانسان المتسامح يعيش في سعادة مستمرة نتيجة التوافق النفسي الذي يسري داخل وجدانه ويظهر ذلك بوضوح علي ملامح وجهة التي تشع منها الابتسامة التي تقطف اشواك الحقد والكراهية ومن عادة المتسامح اذا قدر غفر واذا رأي زلة ستر، ولا ينطق الا بالخير، ولا يعرف سرعة الغضب والانتقام. الشعب المصري يؤمن بأهمية التسامح ويعتبره الوسيلة المفضلة لديه للقضاء علي الاحقاد والمشاكل بين ابناء الوطن الواحد، فهو ينسي هفوات الصغار وكوارث الاصدقاء وأحقاد الاعداء ويتعامل بلغة الكبار مع الجيران وتسمع عقب كل مشكلة أو مشاجرة او أزمة من يقول لك »المسامح كريم، وربنا يسامحك، والعفو عند المقدرة«. وكان المواطن المصري - الغني والفقير والكبير والصغير - يملك مساحة كبيرة من التسامح تمكنه من ضبط أقواله وأفعاله في جهة عمله الحكومية أو الخاصة وفي الشارع ومنطقة سكنه وفي بيته خلال تعامله مع كل فئات المجتمع ولم يكن من المقبول او المتصور ان تشاهد حالات العنف الاسري وجرائم القتل المروع وحالات التناحر والمعارك الكلامية غير اللائقة واللدد الشديد في الخصومة بين فئات المجتمع فكل مواطن كان يدرك ويعرف حدوده وحقوقه وواجباته. ولا أستطيع أن اسجل الاسباب الحقيقية للحالة العجيبة التي اجتاحت الشارع المصري الان والتي جعلتنا نقرأ ونشاهد قصص الصراع العنيف والمشاجرات غير المنطقية بين بعض الفئات وأصحاب المهن ويتم الاستعانة خلال حلقات الكارثة ببعض الالفاظ والمصطلحات القريبة من مفهوم الكرامة وقضية الساعة وازمة الامة والتي تحرك قطار الازمة للامام. وفي هذا المقام يتعين ان نتوقف كثيرا امام وسائل الاعلام والفضائيات علي وجه التحديد المنوط بها توعية المجتمع وتثقيفه وتوفير المناخ الصحي لغرس القيم النبيلة في ضمير الوطن والتي تخلت عن دورها في ترسيخ فضيلة التسامح وسارت عكس الاتجاه المشروع ووضعت في أجندة برامجها ثقافة الاثارة والفرقة والكراهية بين اطراف اي ازمة أو كارثة وتغلق التليفونات وتمتنع عن سماع وجهة النظر التي تحض علي التسامح والعفو وانهاء المنازعات بالطرق السلمية ولا تسعي للوصول الي الشخصيات المنضبطة التي تملك القدرة علي وزن الالفاظ والعبارات اثناء عرض وقائع الازمة ولا تعرف سياسة النفخ في البركان حرصا علي زيادة حصيلة الاعلانات وتحقيق الخبطات النارية التي تجذب الجمهور عن طريق الاستعانة باصحاب الصوت المرتفع الذين يشعلون الكوارث والازمات لحصد أصوات الفئات التابعة لهم والتي باتت تستعين بنجوم الشباك الذين يعزفون علي وتر الكرامة بوصفها الباب الأسهل لاختراق القلوب. لانعتقد ان ما يحدث الان في الشارع المصري يصب في مصلحة الوطن الذي يحتاج الي كل دقيقة نقنن فيها وضعه علي خريطة الاقتصاد العالمي في ظل الازمات التي تموج بها دول العالم والسلاح الوحيد القادر علي هزيمة المعارك الكلامية والازمات الكائنة علي لسان أصحاب الأبواق الكبيرة هو الايمان بثقافة التسامح بوصفها الترياق الحقيقي للأمراض السطحية، ولا نبالغ اذا قلنا ان التسامح أضحي في هذا التوقيت ضرورة لابد منها لتحقيق المصلحة العامة والقضاء علي القضايا التي لا تقدم عقارب الساعة الي الامام.