محصّلة ثقيلة من الخسائر البشرية الناجمة عن انتشار فيروس "إيبولا" في غرب أفريقيا، يتأهّب عام 2015 لطيّها معه. معركة شرسة قادتها البلدان الأفريقية الأكثر تضررا من الوباء خلال العام الجاري، في انتظار العبور إلى عام 2016، والذي من المنتظر أن يحمل معه بشائر الخلاص الوشيك، والانتصار الساحق على هذا المرض الفيروسي القاتل، بحسب مراقبين. "سيقع اجتثاث وباء إيبولا بحلول نهاية العام 2015".. هكذا توقّعت منظمة الصحة العالمية، على لسان نائب مديرها العام، بروس أليوارد، خلال مؤتمر صحفي عقد بجنيف في آب/ أغسطس الماضي. استشراف لم تفنّده حيثيات الواقع، بما أنّ هذا المرض الفيروسي، سجّل تراجعا في بلدان غرب أفريقيا الأكثر تضررا منه (غينيا كوناكري وليبيريا وسيراليون)، بلغ حدّ إعلان ليبيريا، في وقت سابق من العام الجاري، خالية من الفيروس، وغينيا على وشك الخلوّ منه، في انتظار انقضاء 42 يوما (إلى غاية 28 من شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري بالنسبة لغينيا و14 يناير/ كانون الثاني لليبيريا) دون تسجيل حالات إصابة جديدة في هذين البلدين، وفقا لمعايير منظمة الصحة العالمية، قبل الجزم بتحقيق انتصار ساحق على الوباء. تقدّم ملحوظ بالنسبة لحرب واجهت خلالها حكومات البلدان المعنية عدوا من نوع مختلف.. فيروس قاتل ومعدي، تصل نسبة الوفيات المحتملة بين المصابين به إلى 90%، جراء نزيف الدم المتواصل من جميع فتحات الجسم، خلال الفترة الأولى من العدوى بالفيروس. لكن، ورغم خطورة المواجهة، إلاّ أنّ توقّعات "الصحة العالمية" تحقّقت على ما يبدو، بما أنّ 2015 يمضي نحو نهايته حاملا معه مؤشرات نصر للقارة الأفريقية ضدّ "إيبولا"، وذلك بغض النظر عن بعض الحالات المنفصلة للإصابة بالفيروس، والمسجّلة في ليبيريا بشكل خاصّ. عام 2015 حمل في جرابه خسائر عديدة سجلتها البلدان المتضررة من الفيروس، غير أن ذلك لم يمنع تمكّنها، في النهاية، من الاتّجاه نحو القضاء عليه بشكل شبه نهائي. فالبداية كانت كارثية بعض الشيء، خصوصا مع تركة تعتبر ثقيلة من الخسائر البشرية لهذا الوباء الذي ظهر لأول مرة، في 1976، في كلّ من السودان والكونغو الديمقراطية، وأودى، منذ ظهوره في فبراير/ شباط 2014، بحياة 11 ألف و300 شخص في كل من غينيا كوناكري وسيراليون وليبيريا، بحسب "الصحة العالمية". الوباء ضرب في 9 بلدان، غير أنّ الأكثر تضررا تظلّ غينيا كوناكري (3 آلاف و804 حالة إصابة وألفان و536 وفاة)، وليبيريا (10 آلاف و675 حالة إصابة و4 آلاف و809 حالة وفاة)، وسيراليون (14 ألف و122 إصابة بالفيروس و3 آلاف و955 حالة وفاة)، بحسب إحصائيات يعود تاريخها إلى ال 9 من الشهر الجاري. خسائر بشرية فادحة تنضاف إلى لائحة من الخسائر الأخرى التي طالت، في 2014، اقتصادات تلك البلدان، بما في ذلك السياحة، علاوة على أنظمتها التربوية وحتى الدينية، حيث حرم مسلمو البلدان المتضررة من الوباء من أداء مناسك الحج في المملكة العربية السعودية، وذلك لموسمين متتاليين (2014 و2015)، خشية العدوى. كما تسبّب تمسّك السلطات المغربية بطلب تأجيل كأس الأمم الأفريقية لعام 2015 جراء انتشار "إيبولا"، والذي قضى، في 2014، على حياة 7 آلاف و779 أفريقي، إلى حرمانها من قبل الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، من احتضان هذه البطولة (من 17 يناير/ كانون الثاني الماضي إلى 8 فبراير/ شباط الماضيين)، لتجرى، في النهاية، في غينيا الاستوائية. فجملة الإجراءات الوقائية التي اتّخذتها البلدان المتضررة بغرض احتواء الفيروس، والتي من بينها إغلاق الحدود، كان لابدّ وأن تتسبّب في الركود الاقتصادي، حيث تراجعت نسبة النموّ في ليبيريا من 5.9 % في 2013، إلى 0.4 % في 2014. أمّا غينيا كوناكري، فقد سجّلت الانخفاض نفسه، وذلك عقب مرور معدّل نموّها من 4.5 % إلى 1.3 % بالنسبة للفترة الزمنية ذاتها، فيما تراجع المؤشر نفسه في سيراليون من 11.3 % إلى 6 %، بحسب بيانات البنك الدولي، والذي أشار إلى أنّ خسائر البلدان الثلاثة فيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي ناهزت ال 2.4 مليار دولار. تسلسل سريع للأحداث قفز فجأة للواجهة، وذلك منذ إبلاغ كوناكري، في 23 مارس/ آذار 2014، "الصحة العالمية" عن وجود "وباء سريع الانتشار"، غير أنّ المنظمة الأممية لم تعلن التعبئة الدولية إلا في آب/ أغسطس من العام نفسه، فيما لم تحصل البلاد على أولى المساعدات إلاّ منتصف أكتوبر/ تشرين الأول من السنة ذاتها، ثم كان عليها انتظار مطلع 2015، لتحقيق أولى انتصارات القارة ضدّ الفيروس القاتل. وطوال العام الجاري، أظهرت سلطات البلدان الأفريقية رغبة حقيقية في التصدي للوباء والاتّعاظ مما حدث في 2014، وذلك عبر الإلتزام بتوعية شعوبها سواء فيما يتعلّق بالتدخّل المباشر أو عزل الحالات المصابة في المراكز الطبية المخصصة لها، إضافة إلى متابعة المرضى، وخاصّة التنسيق على الصعيد الوطني. وفي استجابة بديهية للتعبئة الدولية لمواجهة الفيروس، إضافة إلى جملة التدابير التي أقرتها حكومات البلدان المعنية، وصفت "الصحة العالمية"، انطلاقا من 22 يناير/ كانون الثاني الماضي، التراجع الذي سجّله انتشار الوباء ب "الجذري"، ليسجّل العام الجاري 3 آلاف و521 حالة وفاة، أي مرتين أقل من حصيلة 2014. نتيجة كانت متوقّعة إلى حدّ ما نظرا للجهود المبذولة من قبل البلدان المتضررة من الوباء، والتي تمكّنت عبر إنشاء مراكز متخصّصة لمكافحة الوباء، وتشكيل تنسيقيات وطنية وإقليمية، من الحدّ من انتشار مرض عابر للحدود. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فقد مكّنت التعبئة الدولية، من جانبها، الدول الثلاث الأكثر تضررا من الفيروس، من الحصول على "القدرات الكافية لعزل وعلاج المرضى ودفن من يموت منهم جراء إصابته بالوباء".أمّا على الصعيد المالي، فقد مكّنت المبادرات الحكومية الأفريقية والدولية من تعبئة 7.872 مليار دولار، بحسب أحدث بيانات البنك الدولي الصادرة في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وذلك لتمويل جملة الأنشطة الهادفة إلى تعزيز الأنظمة الصحّية للقارة خلال السنوات القادمة. وتأكيدا لتراجع حالات الإصابة بفيروس "إيبولا"، قررت السلطات الغينية، في فبراير/ شباط الماضي، استئناف الدروس بالمدارس التي سبق وأن أغلقت لمدة 3 أشهر ونصف، خشية انتشار الوباء. والقرار نفسه اتخذته سيراليون، في أبريل/ نيسان الماضي، بعد عام كامل من تعليق الدروس بمختلف المؤسسات التعليمية في البلاد. جملة من القرارات التي تشي بانفراج الأوضاع الصحية، تأكّدت، أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي، بإعادة فتح السنغال لحدوده مع غينيا كوناكري، إثر 5 أشهر من إغلاقها تحسّبا من خطر انتشار "إيبولا" على أراضيها. ومع أنّ جملة المعطيات المتوفّرة منحت آمالا كبيرة بالتخلّص نهائيا من الوباء، إلا أنّ ظهور المرض من جديد، أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في ليبيريا، لدى شخص أصيب به في وقت سابق قبل أن يشفى ليصاب به مرّة أخرى، يدفع نحو مواصلة توخّي الحذر وعدم المجازفة بالحديث عن اجتثاث نهائي للفيروس، ضمن تدابير وقائية بحتة لا تنفي حقيقة أنّ آفاق العام 2016 تعتبر "جيّدة للغاية"، بحسب العاملين في المجال الصحّي. توقّعات مفعمة بالأمل تحمل معها ذات الشحنة الإيجابية بالنسبة لاقتصادات البلدان المتضررة من الوباء، حيث من المتوقّع أن تقفز نسبة النمو في غينيا كوناكري، مهد ظهور الفيروس، إلى 4 %، مع جنوح المرض نحو نهايته، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي. وتوقّيا لما يمكن أن يحمله المستقبل معه من معطيات غير متوقّعة، فإنه من المنتظر أن يدخل "المركز الإقليمي لمراقبة الأمراض" في أفريقيا، انطلاقا من مارس/ آذار 2016، حيّز النشاط، بحسب "منظمة الصحة لغرب أفريقيا"، بميزانية مقدّرة ب 5 مليون دولار بالنسبة للعام المقبل، فيما من المتوقّع إضافة ميزانية تكميلية بقيمة 2 مليون دولار، لتمويل عمليات التدخّل الطبي السريع عند تفشي الأوبئة، ومواصلة معركة تحمل مؤشرات نصر ساحق خلال الفترة القادمة، بحسب مراقبين.