محاولات «شيطنة» مرسى غير واقعية.. والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة عبث قلق الأقباط من صعود الإسلاميين، وتجربة الإخوان فى الحكم، والتحديات الاقتصادية التى تواجه النظام الحاكم فى مصر الآن، ودعاوى استدعاء الجيش للعودة إلى الحياة السياسية، وتوقعات «الانقلاب العسكرى» على حكم الرئيس، وعلاقة حماس بالإخوان ضمن الحرص الأمريكى على أمن إسرائيل، ودور المعارضة فى مصر.. كلها نقاط شائكة، تثير الكثير من علامات الاستفهام داخل مصر وخارجها، على مدى الأشهر التسعة الماضية، التى تولى خلالها الرئيس محمد مرسى الحكم، وهى أسئلة حاول مدير أبحاث الشرق الأوسط فى مركز بروكنجز، شادى حميد، أن يجيب عنها فى حواره مع «الشروق».
حميد، ذو الأصل المصرى، شغل العديد من المناصب الرفيعة، منها زمالة مركز التنمية والديمقراطية وسيادة القانون فى جامعة ستانفورد، ونائب رئيس مشروع ديمقراطية الشرق الأوسط، وعضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى البنك الدولى.
كيف تقرأ وضع الأقباط بعد صعود الإسلاميين إلى حكم مصر، خاصة بعد أحداث العنف التى شهدها محيط الكاتدرائية المرقسية فى العباسية مؤخرا؟ ليس هناك شك فى أن الأقباط خائفون، ونفس الأمر بالنسبة لكل التيارات الأخرى، سواء اليساريون أو الليبراليون، وخوفهم مبرر، لكن لا بد أن نفرق بين وصول الإسلاميين للحكم، وأسلمة المجتمع، لأنه حتى لو لم يصل الإخوان المسلمون إلى الحكم، فإن السلفيين يلعبون دورا متزايدا فى المجتمع بعد الثورة، فيما كانوا قبلها يركزون على التثقيف والعمل الدعوى، وهو ملعب ضيق، أما الآن فهم يلعبون دورا مباشرا فى المجتمع، بتمثيلهم داخل البرلمان، ومن خلال هذا التمثيل يحاولون التأثير بشكل أكبر، وترجمة الدور الاجتماعى والدعوى إلى دور سياسى أكبر فى المجتمع.
ما هى مشكلة الأقباط الحقيقية؟ المشكلة الحقيقية أن هناك عنصرية ضد الأقباط فى مصر، والمشكلة الحقيقية ليست فى الإخوان، لكن فى معظم حكام مصر، لأن أيا منهم لم يكن لديه خريطة طريق لطمأنتهم، وحتى لو قال مرسى كل ما يمكنه لطمأنتهم، سيظلون قلقين، لأن الواقع يقول إن شريحة كبيرة من المسلمين لا يحبون الأقباط، وترى أنها الأفضل، لأنها اختارت الدين الأصح، كما تميز فى التعامل مع الأقباط.
ونحن ندرك أن عدم التساوى ما بين المسلم وغير المسلم هو أمر ثقافى، يتعلق بالفهم الدينى الصحيح، ويصعب تغييره بعد سنة أو سنتين، إلا أن الأزهر مرشح لأن يلعب دورا مهما فى محاولة نقل الفهم الدينى الصحيح المتسامح، لأن الفهم العادى عند المصريين محافظ، فهم لا يتقبلون دورا أكبر للمرأة فى المجتمع، وهى مسألة ثقافية لدى عموم المصريين.
فى رأيك، من يتحمل مسئولية المشهد السياسى المرتبك فى مصر الآن؟ كل الأطراف، الإخوان، المؤسسة العسكرية، المعارضة، والإعلام، فلا أحد منهم معصوم من الأخطاء، لكن الإخوان يتحملون المسئولية بشكل أكبر لأنهم فى الحكم، ولو كنت أقيم فى مصر، بالتأكيد سأكون غاضبا منهم، لكننى كباحث اعتبر نفسى أمريكيا، وأرى الأشياء من زاوية غير شخصية، فالانتقال الديمقراطى تاريخيا، أمر شديد الصعوبة، ويستغرق فترات طويلة تصل إلى 5 سنوات.
بعد سقوط مبارك، كنا جميعا متفائلين بسبب الفكر الثورى وشعارات الميدان، لكن الحقيقة أن هناك مشكلات جذرية لم نرها إلا بعد الثورة، وهذا أمر طبيعى، ولا بد أن نكون واقعيين، وأن نصبر، فالأمور فى مصر لن تتحسن فى يوم وليلة، ومحمد مرسى مر عليه فى الحكم 9 أشهر، وهى فترة لا تحسب فى عمر الشعوب، وأعتقد أن محاولات شيطنته، ووصفه بأنه أسوأ رئيس فى العالم، ليس لها علاقة بالواقع، ففى العلم والفهم البحثى، الأشهر التى قضاها فى الحكم لا تمثل شيئا يذكر.
فى الفترة الأخيرة ظهرت دعوات إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، كيف تقرأ تلك الدعوات؟ الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، عبثية، وبعيدة عن الديمقراطية، لأن الشعب انتخب الرئيس محمد مرسى لمدة 4 سنين، وهذا هو اختيار الشعب، فالمشكلة ليست مع مرسى بالأساس، لكن مع الهيكل البيروقراطى للدولة، ونفس الشىء فى تونس، فهناك نخبة جديدة وصلت إلى الحكم، ومن تحتها فى هيكل الدولة لا يحبونها، وهناك حالة من العداء والكراهية بين البيروقراطية القديمة، والنخبة الجديدة، وفى مصر كانت مؤسسات الدولة فاسدة بشكل جذرى، وهو ما يحتاج إلى وقت طويل لإصلاحه، ولو كان هناك بديلا ليبراليا أو يساريا لمرسى فى الرئاسة، فأنه سيواجه نفس المشكلات فى الحكم.
وتأتى الشرعية من صناديق الاقتراع وحدها، وليس هناك فى السياسة شىء اسمه شرعية «الأداء»، فحتى لو كان أداء الرئيس ضعيفا وسيئا وفاشلا، فهذا ليس معناه أنه فقد شرعيته.
هل تسرع الإخوان فى الوصول إلى الحكم؟ يمتلك زعيم حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشى، كلمة مأثورة عن الإسلاميين، وهى «أنهم محبوبون فى المعارضة، ومكروهون فى الحكم»، وأنا سألت قيادات إخوانية «هل كان هناك تسرع فى الوصول إلى الحكم؟»، فجاء الرد منهم «هل كان هناك أحد آخر؟»، لم يكن هناك بديل للإخوان المسلمين، الذين كانوا خائفين على المسار الديمقراطى الوليد، من المجلس العسكرى والدولة العميقة، وهو ما ظهر بحل البرلمان فى يونيو 2012، وحتى الآن أنا غير قادر على تصور أن يتم حل أول برلمان ديمقراطى منتخب فى مصر بعد الثورة.
البعض يرى أن الضغوط الأمريكية والدعم المقدم من واشنطن لجماعة الإخوان المسلمين وراء وصولها إلى الحكم؟ بعيدا عن نظرية المؤامرة، فإن الأمريكيين وصناع القرار فى واشنطن قلقون وخائفون من حكم مرسى والإخوان، لأنهم لم يقدموا أداء جيدا فى الحكم، ومرسى ليس رئيسا ناجحا، ويمكن أن نرى نجاحات له بعد سنتين أو ثلاث، لكن حتى الآن هو رئيس غير ناجح، وليس لديه نظرة استراتيجية لدور مصر الكبير.
كيف تقرأ حديث المعارضة حول أن مكتب الإرشاد هو من يحكم مصر؟ بداية، محمد مرسى لم يكن الشخصية المناسبة للرئاسة، ويجب أن نكون صريحين، فهو يصلح أن يكون قياديا فى حزب الحرية والعدالة أو جماعة الإخوان المسلمين، لكنه لا يصلح أن يكون رئيسا لمصر، لأنه لا يمتلك فكرا استراتيجيا، بخلاف نائب المرشد خيرت الشاطر، الذى يكرهه الليبراليون فى مصر، فهو كان قادرا على الأداء بقوة.
وأرى أن الإخوان محبطون جدا، بسبب الفجوة بينهم والرئاسة، فعلى سبيل المثال، هم طلبوا إدارة لمشروع النهضة فى مقر الرئاسة، لكن مرسى رفض، وأيضا، لم أقابل أحدا فى مصر معجب بأداء رئيس الوزراء، هشام قنديل، أو أحدا يحبه، والإخوان لا يرغبون فى استمراره، لكن الرئيس شخصيا هو صاحب القرار فى استمراره.
كيف ترى الحديث الإخوانى المتكرر عن المؤامرات التى تحاك ضد حكم الرئيس؟ حتى الآن، ما زال الإخوان يمارسون السياسة كحزب معارض، رغم وصولهم للحكم، فتكوين الإخوان هو معارض بالأساس، فهم لم يتخلصوا من هذه المشكلة حتى الآن، وينتقلوا إلى تكوين الحاكم، لأنهم طول 80 عاما، يفكرون فى أن العالم كله يريد تدمير التنظيم، مبارك، والسادات، وعبد الناصر، وأمريكا، وإسرائيل، والمجلس العسكرى، وهو أمر متجذر لدى التيارات الإسلامية عموما، بفعل التجارب التاريخية، ففى الجزائر كانوا قريبين من الحكم، فحدث تدخل عسكرى، وهو ما جرى أيضا عند صعود حماس للحكم عام 2006، وفى مصر عام 2012، حيث وصلوا إلى البرلمان بانتخابات نزيه وحرة، قبل أن يتم حله، وحل الجمعية التأسيسية الأولى للدستور، ومحاولة حل الثانية، ثم صدور الإعلان الدستورى الذى جرد الرئيس من صلاحياته، بالإضافة إلى أداء الدولة العميقة، والنظام القديم، والجيش، وهو يغذى نظرية المحنة والمؤامرة عند الإخوان، خصوصا بعد أحداث الاتحادية.
هل يمكن للفكر الاقتصادى لجماعة الإخوان المسلمين تخطى التحديات التى تواجه البلاد؟ الفكر الاقتصادى للإخوان ليس يساريا، فهم يؤمنون بالسوق الحرة، وهو أيضا ليس ليبراليا، لأنهم يتحدثون عن العدالة الاجتماعية، لكن لو سألتهم ما معنى تحرير السوق مع تطبيق العدالة الاجتماعية، لن تجد لديهم ردا، لأنهم فى الأساس ليس لديهم فكر اقتصادى عميق.. لديهم أطباء ومهندسين ومحامين، لكن ليس لديهم اقتصاديين.. وباختصار، فى التحديات الاقتصادية سيفعل الإخوان أى شىء، فلا يفرق معهم أن يكون قرض صندوق النقد الدولى حرام أو حلال، طالما هم فى احتياج، فأنه حلال، طبقا لنظرية المصلحة.
ما هو مستقبل التيار الإسلامى لو فشل الإخوان فى الحكم؟ حتى لو فشل الإخوان فى الحكم، فأن السلطة لن تذهب إلى اليساريين أو الليبراليين، لأن المعارضة فى العالم العربى ضعيفة، ففى مصر لو فقد الإخوان جزءا من الدعم الشعبى، فإن هذا الدعم سيذهب إلى التيارات الإسلامية الأخرى، ولا بد أن ندرك أن شعوب الدول العربية شديدة المحافظة، وتريد دورا أكبر للشريعة الإسلامية.
هل تعتقد أن تنظيم الإخوان المسلمين يتمتع الآن بنفس التماسك الذى كان عليه قبل الثورة؟ توقع كثيرون حدوث انشقاقات داخل الجماعة، والانضمام إلى كيانات أخرى، والحقيقة أنا لا أرى مبررا لهذه التوقعات، خاصة بعد أن عادت نظرية المحنة عقب أحداث الاتحادية، فحتى لو كان الإخوان غاضبون من أداء مرسى، فإن غضبهم ليس مهما الآن، لأنهم متأكدون أن التنظيم فى محنة، وأن هذا الوقت ليس مناسبا لأى خلافات، لأن الخطر يهدد وجود الجماعة من الأساس، وبعد وقت ما، ربما نرى تغييرا وخيارات مختلفة داخل الإخوان، لكن الآن كلهم لديهم مشروع «دعم مرسى»، حتى ممن لا يحبونه، لأن فشل مشروعه فى الحكم، سيؤدى إلى مشكلات «وجودية» لهم، وهى أمور «لازمة» داخل التنظيم، والجميع يوافق على هذا، سواء الإصلاحيين أو المحافظين.