تبدأ اليوم في واشنطن أعمال المفاوضات المباشرة بين إسرائيل وفلسطين برعاية أمريكية. ويبدو واضحا وخلافا لكل التقاليد الدبلوماسية المتعارف عليها أن المفاوضات تبدأ دون الاتفاق علي جدول أعمال مسبق. حيث أشارت وسائل الاعلام إلي أن الاتفاق علي جدول الاعمال النهائي سوف يتم في غضون فترة قد تصل إلي ثلاثة أسابيع أو أكثر بعد بداية المفاوضات, علي أن تكون مرجعيات المفاوضات كلمات الزعماء الخمسة التي تتناول ملامح انطلاق المفاوضات وآليات إدارتها, وتتضمن كلمة الرئيس أوباما الإطار الرئيسي للمفاوضات التي يمتد إطارها الزمني بشكل نهائي خلال فترة عامين, وفي الوقت نفسه فإن تنفيذ ما سوف يتقرر في المفاوضات سيكون خلال فترة تتراوح بين10,6 سنوات كجدول زمني. ويبدو واضحا أننا أمام مؤتمر غير مسبوق بشأن بروتوكولات انعقاده من ناحية وبشأن إطاره الزمني الطويل من ناحية أخري, وكأننا أمام تأجيل غير مسمي للمفاوضات القادرة علي حسم النزاع الاسرائيلي الفلسطيني. والقرار الخاص بتجميد البناء الاستيطاني الاسرائيلي في26 سبتمبر الحالي سيكون أول اختبار لنيات اسرائيل واختبار لمدي جديتها. وثمة تساؤل طارئ في هذا السياق هل تمارس اسرائيل ضبط النفس في بناء المستوطنات والاكتفاء بالبناء فقط في الكتل الاستيطانية القائمة في الضفة الغربية, علي أن يتم البناء خارج هذه التكتلات؟ ويبدو واضحا من خلال تصريحات صقور اسرائيل بزعامة نيتانياهو عدم امتثال اسرائيل لهذا, فقد أكدت مصادر حكومية اسرائيلية أن قرار تجميد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية والمقرر انتهاء العمل به في26 سبتمبر الحالي لن يتم, وأن الأمور ستعود إلي سابق عهدها بعد انتهاء مفعول هذا القرار. والموقف الاسرائيلي بهذا الشأن يشكل أول تحد للمبادرة الامريكية, حيث تسعي واشنطن حاليا إلي الحفاظ علي قوة دفع المحادثات الجارية حتي26 سبتمبر وتجري واشنطن في هذا السياق مناقشات مع الحكومة الاسرائيلية حول عدد من سيناريوهات الحلول المحتملة بعد نهاية قرار التجميد المؤقت للاستيطان. ويبدو علي أرض الواقع أن المفاوض الفلسطيني قد حسم موقفه مبكرا ويرفض التنازل عما أعلنه في يوليو الماضي, ويتحدد في وقف شامل وكامل لمشروع الاستيطان في الضفة الغربيةوالقدس, وطلب اسرائيل الاجابة علي3 أسئلة مهمة تم إرسالها مع جورج ميتشيل( مبعوث عملية السلام). والسؤال الأول: هل اسرائيل مستعدة لاستئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها نهاية عام2008 ؟. والسؤال الثاني: هل تعترف اسرائيل بشرق القدس عاصمة للدولة الفلسطينية؟ والسؤال الثالث: كيف تنظر اسرائيل إلي حدود عام1967 وهل تقبل بها كأساس لحل الدولتين؟. وفضلا عن التساولات الثلاثية أضاف المفاوض الفلسطيني اقتراحات مكتوبة للتسوية تؤكد ثوابت المطالب الفلسطينية وشرعيتها, ويكفي الاشارة هنا الي الاقتراحات المكتوبة التي قدمها المفاوض الفلسطيني إلي جورج ميتشل وحدد فيها عدة اقتراحات تضمنت اقامة دولة فلسطينية علي مساحة تساوي مائة في المائة من الضفة الغربية واجراء تبادل بنسبة2.3% ومرجعيات تلك الاقتراحات والمفاوضات السابقة الرسمية وغير الرسمية خصوصا كامب ديفيد ومفاوضات طابا عام2000 ووثيقة جنيف التفصيلية التي صدرت عام2009, وتضمنت الاقتراحات انسحاب اسرائيل من القدسالشرقية بما فيها البلدة القديمة باستثناء الحي اليهودي وحائط المبكي, علي ان تظل البلدة مفتوحة لأبناء مختلف الأديان, اضافة الي اقامة معبر آمن يربط الضفة الغربية وقطاع غزة. جاءت مثل تلك الاقتراحات الفلسطينية في سياق مرحلة المفاوضات غير المباشرة منذ مايو الماضي.. وحالت اسرائيل دون مناقشتها أو تبادل الرأي بشأنها مع المفاوض الفلسطيني, نظرا لمراوغة نيتانياهو ورفضه التفاوض بجدية عبر الوسيط الأمريكي, ويبدو واضحا ان موقف نيتانياهو الرافض لايزال قائما رغم الضغوط التي تمارسها الادارة الأمريكية, وعلي هذا النحو سوف تلقي المفاوضات المباشرة الحالية مصير المفاوضات غير المباشرة السابقة, وتحجم الادارة الأمريكية عن ممارسة الضغط علي حليفتها الاستراتيجية( اسرائيل) علي الرغم من تعدد وتنوع أساليب الضغط التي تمتلكها واشنطن. ولعل الدروس التي تفرضها تطورات الأحداث الصعبة في الشرق الأوسط تفرض علي الحكومة الفلسطينية ومختلف الفصائل وحدة الصف والهدف معا من منطلق ان الحكومة الفلسطينية هي حكومة توافق وطني من ناحية وان الفصائل الفلسطينية بمختلف توجهاتها هي في النهاية شركاء الحكومة الفلسطينية في اطار العمل الفلسطيني المشترك ايا كانت نقاط الاتفاق أو الخلاف, ولعل مبادرة التوافق الوطني الفلسطيني تدفع القمة العربية المقبلة لتعزيز هذا التوافق من ناحية, ويدفع اسرائيل من ناحية أخري لمراجعة مواقفها العدائية في المنطقة والمثول لمبادئ التعايش السلمي والسلام العادل بعيدا عن شعار يهودية الدولة. * نقلا عن صحيفة الاهرام المصرية