فقدت مصر رائداً من رواد الإنارة وعلامة مضيئة فى تاريخ وزراء الوطن، حيث أسهم فى توفير مصادر عديدة للطاقة الكهربائية التى تعد من أهم عوامل دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية منذ عرفت مصر استخدام الطاقة الكهربائية فى الإنارة فى أوائل القرن العشرين مروراً بإنشاء محطة كهرباء خزان أسوان عام 1960 بطاقة كهربائية 340 ميجاوات، ثم محطة كهرباء السد العالى عام 1968 بقدرة 2100 ميجاوات، مما أحدث نهضة صناعية كبرى وإنارة جزء كبير من الريف المصرى خلال هذه الفترة . ومن هؤلاء الرواد الذين قدموا خدمات جليلة لدفع مسيرة التنمية فى هذا المجال الحيوى، الفقيد الراحل المهندس محمد ماهر أباظة وزير الكهرباء والطاقة الأسبق، عن عُمر يُناهز77 عاماً،حيث فقدت مصر بوفاته مساء أمس الخميس 4/10،أحد رجالاتها المعروفين بتاريخهم وسجلهم الوطنى الحافل، وشيعت جنازة الفقيد الكبير بعد صلاة الجمعة اليوم من مسجد آل رشدان بمدينة نصر، وقد لف جثمان الفقيد بعلم الجمهورية وحملته سيارة المدفع فى جنازة عسكرية وسط حشد مهيب، ضم الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء الذى تقدم المشيعين نائباً عن الرئيس حسنى مبارك، والدكتور زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر، وعدد من الوزراء الحاليين والسابقين، ومعهم رئيسى مجلس الشعب والشورى، بالاضافة إلى عدد كبير من كبار رجال الدولة وعدد من قيادات وزارة الكهرباء وبعض الفنانين ورجال الفكر والأدب.. وتم دفن جثمان المهندس ماهر أباظة فى مسقط رأسه بقرية "الربعماية" بمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، ويُقام العزاء مساء السبت بمسجد عمر مكرم بالقاهرة، وقد نعى الدكتور أحمد فتحى سرور رئيس مجلس الشعب المهندس ماهر أباظة، وأشاد بسجل انجازاته الرائعة واسهاماته في تنمية وتطوير قطاع الطاقة . وكان الفقيد قد وافته المنية مساء أمس الخميس بمستشفى دار الفؤاد الذى كان يتلقى به العلاج إثر تعرضه لأزمة صحية ونقل إلى غرفة العناية المركزة، ويعتبرالمهندس ماهر أباظة الملقب ب "أبوالكهرباء" أهم من شغلوا المناصب الوزارية فى عهد الرئيس مبارك،حيث تولى وزارة الكهرباء طوال19 عاماً، شهدت طفرة فى توليد الطاقة وتوصيلها إلى قرى ونجوع وعزب مصرحيث خاض خلالها رحلة شاقة من العمل والكفاح لخدمة مصر، وتقلد الفقيد عدة مناصب، منها رئيس مجلس إدارة هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء.. ورئيس مجلس إدارة هيئة مشروع المحطات المائية.. ورئيس مجلس إدارة هيئة تنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمُتجددة.. وعضو مجلس إدارة هيئة الإستثمار والغرفة التجارية الأمريكية والغرفة التجارية الألمانية.. وعضو مجلس الشعب، وكان آخر منصب قد تولاه الفقيد رئاسة لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشعب، وقد حصل الفقيد على العديد من الأوسمة والنياشين، منها وسام الجمهورية من الطبقة الأولى ووسام الجمهورية من الطبقة الثالثة ونوط الامتياز، وكان آخرهذه الأوسمة وشاح النيل الذى سلمه له الرئيس حسنى مبارك . ولم يقتصر تكريم سيادته على مصر فقط بل امتد إلى النطاق العالمى، حيث حصل على أوسمة من السويد وألمانيا الاتحادية وإيطاليا وفرنسا وهولندا وفنلندا ويوغسلافيا وسوريا ودول أخرى، ووسام الدولة من أفريقيا الوسطى ووسام الاستحقاق من اليونان وشارك سيادته فى العديد من اللجان والمنظمات إلى جانب عضويته بمجلس إدارة معهد إديسون العالمى ورئاسته للمنظمة الدولية لتوريد ونقل وتوزيع الكهرباء للمنطقة الأفروآسيوية، كرم من خلال منحه وسام الامتياز من السويد ووسام الجمهورية من كل من النيجر وفرنسا وبولندا. كما شهد ت وزارة الكهرباء فى عهده عدة إنجازات فى إطار برنامج الإصلاح وإعادة الهيكلة حيث تم إنشاء هيئة لتوزيع الطاقة الكهربائية للأشراف على شركات التوزيع سنة 1983، وفى عام 1985 تم التوسع فى محطات توليد الكهرباء المائية، فتم إنشاء محطة خزان أسوان (2) ، ومحطة قناطر إسنا ، ومحطة نجع حمادى، ثم أعقب ذلك تنفيذ محطة توليد كهرباء قناطر نجع حمادى قدرة 64 ميجاوات عام 2005/2006، وكذلك استكمال تجديد توربينات محطة توليد كهرباء السد العالى، وتمثل محطات الطاقة الكهربائية المائية حوالى 18% من إجمالى الطاقة الكهربائية المستهلكة فى مصر . كما تم دمج شركات التوليد التابعة لكهرباء مصر وشبكة الجُهد العالى مع شركات التوزيع وعددهم ثمانى شركات وإعادة هيكلتهم ليصبحوا سبعة شركات تجارية، وهذه الشركات مسئولة عن التوليد والتوزيع فى سبعة مناطق إقليمية، وأصبحت هيئة كهرباء مصر مسئولة عن تشغيل شبكة الجُهد الفائق والتخطيط لشركات جديدة للتوليد والنقل والقيام بمهام الشركة القابضة 1998 . أما الطاقة الحرارية التى تستخدم البترول والغاز الطبيعى، فقد تم إنشاء عدد 27 محطة حرارية خلال العقدين الماضيين، مع التوسع فى استخدام الغازات الطبيعية فى محطات توليد الكهرباء، وقد بلغت نسبة استخدام الغاز الطبيعى للمحطات المرتبطة بشبكة الغاز الطبيعى 85.2% بينما بلغت النسبة 80% من إجمالى الوقود . وتشيربعض الدراسات إلى أنه فى الوزارات المصرية السابقة قبل حكومة الدكتور أحمد نظيف الحالية، استمر اثنان من رؤساء الوزراء 13 عاماً متواصلة هما الدكتور عاطف صدقى، الذى شكل ثلاث وزارات خلال تسع سنوات، وكمال الجنزورى الذى شكل وزارة واحدة، كما أن وزير المواصلات السابق سليمان متولى كان أقدم الوزراء فى الحكم، حيث تولى وزارات مختلفة منذ عام 1978 حتى 1999، ويليه المهندس ماهر أباظة وزير الكهرباء الأسبق، الذى تولى الوزارة فى أواخرعهد الرئيس الراحل السادات من 14/5/1980 إلى 5/10/1999. وهناك جهوداً مُضنية بذلت فى عهد المهندس ماهر أباظة منذ حوالى ربع قرن من أجل دخول مصر عصر التقنية النووية، فقد اسندت مهمة تنفيذ مشروع توليد الكهرباء من المحطات النووية إلى المهندس ماهر أباظة، وفى 26 أبريل 1981، وافق المجلس الأعلى للطاقة برئاسة المهندس أحمد عز الدين هلال نائب رئيس مجلس الوزراء للانتاج ووزير البترول على إقامة 8 محطات نووية لتوليد الكهرباء حتى عام 2000، قدرتها الانتاجية 8 آلاف ميجاوات، وتمثل 40 % من احتياجات مصر من الطاقة الكهربية فى نهاية القرن العشرين على أن يبدأ العمل فى إنشاء محطتين نوويتين في منطقة الضبعة التى تبعد عن الاسكندرية ب 150 كيلو متراً، ومحطة ثالثة فى منطقة الزعفرانة، والتى تبعد عن القاهرة بمائة كيلو متر، وذلك بهدف توفير ثلاثة مليارات جنيه قيمة البترول المستخدم فى توليد الكهرباء، وتم طرح هذه المحطات فى مناقصات عالمية، وتم الاتفاق مع فرنسا وأمريكا على التمويل وعلى إنشاء 4 محطات، والباقى مع شركات ألمانية وسويدية. وقد صرح المهندس ماهر أباظة اًنذاك : بأنه قد آن الأوان لمصر أن تدخل عصر التقنية النووية للاستخدامات السلمية، خاصة فى مجال توليد الكهرباء، التى انتشرت فى أكثر من 35 دولة تستخدم هذه التقنية فى انتاج الكهرباء من 450 محطة نووية على مستوى العالم .. فعلى سبيل المثال ..تنتج فرنسا حوالى 80 % من القوى الكهربية من المحطات النووية، وأكد أن مصر لن تواجه مشكلة حفظ النفايات النووية قبل 15 سنة من تشغيل المحطات، حيث سيُعاد تصدير هذه النفايات إلى الدول المصدرة لهذه التكنولوجيا، التى ستقوم بدورها بحفظ هذه النفايات تحت الماء أو دفنها فى مقابر بجبال البحر الأحمر. وإن كانت هذه التقنية قديمة يرجع عمرها إلى نحو50 عاماً مضت، حيث إن التفكير فى استخدام الطاقة النووية فى توليد الكهرباء فى مصر ليس وليد اليوم، إنما بدأ التفكير فيه فى عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر فى فترة الستينيات من القرن الماضى، حيث تم إنشاء هيئة المحطات النووية، ولظروف الهزيمة العسكرية فى 5 يونيو 1967، توقف الحديث عن إقامة هذه المحطات حتى تجدد مرة أخرى، بعد أن استردت العسكرية المصرية عافيتها، وحققت انتصارها العظيم فى العاشر من رمضان الموافق السادس من أكتوبر عام 1973، بقيادة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وكان من قادتها الرئيس محمد حسنى مبارك صاحب الضربة الجوية الموفقة التى مهدت للعبورإلى سيناء وتحريرها، وبنصر أكتوبر ونحن نعيش الآن فى ذكرى أنواره وأمجاده الرابعة والثلاثين، أنهت العسكرية المصرية خرافة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر، وانطلقت مشروعات التنمية التى تحتاج إلى الكهرباء لفتح مجالات عمل جديدة لمواجهة التزايد المستمر فى عدد السكان. وقد ولد الفقيد فى 12 مارس 1930 بمحافظة الشرقية، وله ابن وابنة، حصل على بكالوريوس الهندسة تخصص الكهرباء من جامعة القاهرة (فؤاد الأول 1951)، ويُعد من أهم من شغلوا المناصب الوزارية فى عهد الرئيس مبارك، حيث أسهم فى تطوير مشروعات الكهرباء وتوليد الطاقة، وأثرى قطاع الكهرباء والطاقة بالكثير من الإنجازات التى تعد علامة مُضيئة فى تاريخ القطاع ويتمتع بسمعة دولية مرموقة من خلال اسهاماته المتميزة بالمنظمات الدولية والعربية، وكذلك فى المحافل الدولية والأفريقية والعربية أيضا، وتميز بالتواضع الجم والخلق الرفيع فى علاقاته مع كل المُحيطين به.. فقد قام المهندس ماهر أباظة بخبراته ومجهوداته بمواجهة تحديات التنمية، وتنفيذ استراتيجية جديدة خاصة بتنفيذ المشروعات القومية فى مجال توفير الطاقة الكهربائية، وكان سيادته من الرواد الأوائل على المستوى العربى للربط الكهربائى العربى، وكذلك الربط الأفريقى من حيث استغلال الطاقات المتاحة من نهر إنجا، وكان مُبادراً لسياسة التصنيع المحلى لمهمات القوى الكهربائية ووضع خطة عاجلة للقطاع لمواجهة زيادة الأحمال. والمعروف أن العائلة الأباظية من أعرق العائلات فى مصر وهى عائلة خرج منها والفنانون والأدباء والكتاب الشعراء ورجال الأعمال والثوارالمناضلين والوزراء، ومنهم شقيق الوزيرالراحل المهندس أمين أباظة وزير الزراعة . وتعود أصول عائلة الأباظية إلى قبيلة العائذ، وهى من أشهر القبائل العربية المصرية وتنتسب إلى عرب الحجاز ومن أهم فروعها الرئيسية، فرع الأباظية من الأشراف ذوى الشهرة الواسعة و التاريخ الوطنى المجيد فى محاربة الاستعمار الإنجليزى والفرنسى و كسر الصلف التركى، نذ كر منها أنه فى يوم 21/10/ 1798خرج فرسان قبيلة العائذ بمحافظة الشرقية إلى ساحة القتال وهاجموا كتيبة الفرنسيين التى كان يقودها الجنرال رينيه، و ظلت المقاومة مستمرة إلى آخر العام مما جعل نابليون يضطر إلى القبض على المجاهد الوطنى الكبير عبد الرحمن أباظة، وهوأخ شيخ العرب سليمان أباظة زعيم عرب العبابدة، ولما تولى محمد على وابنه إبراهيم من بعده الحكم أراد أن يهادنا الأباظية فتوددا إليهم حيث تسلم السيد باشا أباظة حوالى عشرين قرية فى الشرقية وقدرت ملكيته بعد وفاته بستة ألاف فدان موزعة فى خمسين قرية . وفى عهد الخديوى إسماعيل عين أحمد أفندى أباظة عضواً فى أول مجلس شورى النواب سنة 1866عن الشرقية، ولا تزال الأسرة الأباظية تقدم الكثير من الخدمات لوطنها فى شتى المجالات محتفظة بعادات و قيم أجدادها العرب من الكرم و الشجاعة و إغاثة الملهوف وحماية الجار، ومن أبرز رجال قبيلة العائذ عامة والأباظية خاصة الوزير محمد وجيه أباظة أحد أبطال ثورة يوليو المجيدة و المهندس ماهر أباظة وزير الكهرباء و الطاقة السابق و عضو مجلس الشعب حالياً، والمفكر فكرى باشا أباظة، والمفكر ثروت أباظة وأمين أباظة ومحمود أباظة، أما فرع الأباظية فى البحيرة، فمن أبرز رجالهم : الحاج عبد الواحد أباظة والحاج أحمد أباظة، والحاج حسن أباظة والحاج محمد كمال الشهير بسعيد أباظة والمستشار إبراهيم أباظة وأحمد أباظة وعبد السلام أباظة وعبد المنعم أباظة، والمهندس فكرى أباظة، والأستاذ الدكتور محمد أباظة واللواء حمدى أباظة واللواء نبيل أباظة والهندس سعيد أباظة، والدكتور إبراهيم أباظة بمركز البحوث الزراعية وعضوالمجلس الشعبى المحلى بدمنهور .. وغيرهم كثيرون . أهم المصادر : - موقع وزارة الكهرباء http://www.moee.gov.eg/Arabic/ -موقع الهيئة العامة للاستعلامات http://www.sis.gov.eg/ -وكالة أنباء الشرق الأوسط http://www.mena.org.eg/ -الأستاذ الدكتور/ سعد أبو سيف الحوتى ،كتاب الموسوعة العلمية في انساب القبائل العربية،2002