في الوقت الذي يقترب فيه من نهاية عامه الأول في البيت الأبيض، يتعرض أوباما لتقييم دقيق لأدائه كرئيس للولايات المتحدة، وكرجل جاء إلى منصبه حاملا معه توقعات عالية اعتبرها البعض غير واقعية. وعندما جاء إلى الحكم وجد أوباما أمامه تركة ثقيلة خلّفها له الرئيس السابق بوش، تمثلت في حربين، وحالة من الاضطراب الاقتصادي، ونسبة بطالة هي الأعلى منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. وبعد قيامه باتخاذ إجراء سريع لإنقاذ النظام المالي الأميركي الذي كان على وشك الانهيار، من خلال ضخ الأموال الفيدرالية في شرايين السوق، اكتسب أوباما اعترافا بالفضل، باعتباره الرجل الذي حال دون تعريض البلاد لتسونامي اقتصادي يجرف كل شيء. علاوة على ذلك، عمل أوباما بشكل جيد مع القادة الأجانب، ونجح في ترميم صورة أميركا التي اهتزت كثيرا في العديد من بقاع العالم... كما بلور مقاربة أكثر ميلا للتعاون مع الدول الأخرى في مجال العلاقات الخارجية، ونجح بالفعل في تحسين علاقات أميركا مع العالم الإسلامي. كما حسّن إلى حد كبير الطريقة التي تتم بها إدارة العلاقات مع روسيا، ونجح إلى حد كبير أيضاً في التخلص من معظم الخصومات والعداءات التي تعرض لها سلفه بوش من جانب روسيا، أو من جانب بعض بلدان أوروبا الغربية، أو دول الشرق الأوسط... خصوصا بعد غزو العراق في عام 2003. لكن أوباما قام -رغم كل ما سبق- بزيادة عدد القوات الأميركية العاملة في أفغانستان، مما جلب عليه غضب الفصيل المناوئ لتلك الحرب من الحزب الديمقراطي. ومن المفارقات الدالة في هذا السياق أن المحافظين الجدد كانوا أكثر الموافقين على ما قاله في خطاب أوسلو الذي ألقاه بمناسبة استلامه لجائزة نوبل للسلام. ومن أبرز ما وافق عليه الجمهوريون في خطابه، تلك الفرضية التي طرحها، والتي تقول إن استخدام القوة في بعض الأحيان قد يكون ضروريا لهزيمة الإرهاب وتأمين السلام في المدى الطويل. لكن المحافظين الجدد، كانوا أقل نفاقا، فيما يتعلق برأيهم بشأن جهود أوباما الرامية للاقتراب من إيران، وهم يعتقدون أنه قد أثار خلافا لا داعي له مع إسرائيل حول المستوطنات، ويشعرون بالقلق من أن يقوم أوباما بإعادة القوات الأميركية إلى الوطن قبل أن يكون العراق قد استقر تماما. أما فيما يتعلق بالجبهة الداخلية، فإن سجل أوباما مختلط لحد كبير، أي متراوح بين النجاح والفشل. فأنصاره يعتقدون أن أهم إنجازاته على الإطلاق هو تعيينه لقاضية من أصول أميركية لاتينية، هي "سونيا سوتومايور"، لشغل منصب رئيسة المحكمة العليا، بغرض تحقيق مزيد من التوازن السياسي في تلك المحكمة. لكن هذا التعيين سوف يصبح موضوعا صغيرا في السنوات المقبلة، إذا لم يتمكن أوباما من تخفيض نسبة البطالة، وإدخال تغييرات جذرية على نظام الرعاية الصحية الأميركي، واتخاذ الخطوات الكفيلة بتقليص الدين الوطني الآخذ في النمو. فجميع أفكاره الجيدة فيما يتعلق بثورة الطاقة، والتغير المناخي، والتقنيات الجديدة للنقل، وإصلاح المنظومة التعليمية... سوف تفقد الكثير من قيمتها إذا لم ينجح في تحسين الاقتصاد. لذلك، فإنه في حين أن الكثيرين كانوا حائرين بشأن ما إذا كانت قمة كوبنهاجن للتغير المناخي ناجحة أم لا، فالحقيقة هي أن تلك القمة لم يكن لها سوى صدى محدود في الولاياتالمتحدة، إما بسبب البرد القارس الذي ضرب الولاياتالمتحدة خلال فترة انعقاد القمة، أو بسبب انتشار البطالة في العديد من المدن الأميركية، وهو ما يعني احتمال حدوث مزيد من حالات الحجز على المنازل استيفاءً للدين العقاري المستحق عليها خلال الشهور القادمة. يعني ذلك أن عام 2010 سوف يكون حرجا بالنسبة لأوباما وللولايات المتحدة بالتالي. ففي بداية العام سوف يتخذ الكونجرس قرارا بشأن قبول أو رفض تمويل مشروع قانون الإصلاح الصحي الضخم الجديد. وإذا ما تحول مشروع القانون هذا إلى قانون، فإن ذلك سيكون بفضل حقيقة أن الديمقراطيين هم الذين يشكلون أغلبية الكونجرس حالياً. وحينئذ لن يصوت جمهوري واحد لصالح ذلك القرار، وهو ما يرجع لأن المرارة التي ترسبت لدى اليمين بعد الصراع الضاري مع الديمقراطيين حول الرعاية الصحية، كانت أكبر بكثير مما كان متوقعا، وكان لها دور في تقويض الوعد الذي قدمه أوباما قبل الانتخابات، بشأن خلق روح جديدة من التعاون بين الحزبين الكبيرين. كذلك سيشهد عام 2010 انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، وهي الانتخابات التي يأمل الجمهوريون أن يتمكنوا خلالها من استعادة عدد كبير من المقاعد التي فقدوها في مجلسي النواب والشيوخ. ويمكن للديمقراطيين أن يأخذوا العبرة في هذا السياق من وقائع التاريخ القريب عندما فقد رونالد ريجان الكثير من شعبيته، وكان أداء الجمهوريين سيئاً في انتخابات التجديد النصفي التي جرت في عام 1982، ومما حدث بعد ذلك عندما تعافى الاقتصاد الأميركي وساعد تعافيه ريجان على الفوز في الانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 1984 باكتساح مكنه من الحصول على فترة ولاية ثانية مريحة. وهناك عامل آخر يصب في صالح أوباما هو أن الجمهوريين لا يمتلكون في الوقت الراهن شخصية سياسية قادرة على تحديه. فأكثر الشخصيات الجمهورية شعبية في الوقت الراهن هي حاكمة ولاية ألاسكا السابقة "سارة بالين" التي خاضت الانتخابات الرئاسية السابقة كنائبة رئيس على قائمة "جون ماكين" الانتخابية. لكن "بالين"، وبصرف النظر عما يقال عن جاذبيتها الشخصية، ليست لديها فرصة للترشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري في الانتخابات القادمة إلا في حالة واحدة فقط هي أن تنحدر البلاد إلى الفوضى الشاملة. لكن المشكلة هي أنه في مثل هذه الحالة من الفوضى تتيح أيضا فرصا لظهور مرشحين شعبويين قد تثبت الأحداث أنهم لاعبون سياسيون أكفاء. * نقلاً عن جريدة "الاتحاد" الاماراتية