كانت أول مرة أتعرف فيها علي حياة بواخر ركاب المحيطات في ديسمبر1995 فوق مياه المحيط الهادي من أوكلاند في نيوزيلاندا إلي هاواي في الولاياتالمتحدة، وقد استمرت 21 يوما، شاهدنا خلالها يومين في يوم واحد بسبب عبور الخط الفاصل ( من الشرق إلي الغرب) بين توقيت يتقدم12 ساعة وتوقيت آخر يتأخر 12 ساعة، كما شاهدت في عرض المحيط الاحتفال بشروق شمس عام 1996، ومع أن الشمس هي نفسها لا تتغير في كل الأيام، إلا أنه كان لشروق شمس هذا اليوم الذي يفتتح سنة جديدة إحساس غريب مختلف. وكان من حظي أن هذه الرحلة الأولي قد جرت علي باخرة ركاب ضخمة هي الباخرة كريستال سيمفوني وتملكها شركة نرويجية.. وكانت قد نزلت لأول مرة إلي المياه في شهر مايو نفس العام (1995)، وفي وقتها كانت تعد واحدة من أكبر مراكب الركاب في العالم، فهي تضم 14 طابقا وحمولتها تبلغ 50 ألف طن وطولها 237 مترا وعرضها 30,2 متر وسعتها 960 راكبا إلي جانب طاقم يبلغ تعداده 530 بمتوسط 55 طاقما لكل 100 راكب علي اعتبار شغلها بالكامل. وقد تصورت أن هذه الرحلة ستكون الأولي والأخيرة، إلا أنه بعد تسع سنوات عدنا مرة أخري (زوجتي وأنا ومجموعة من الأصدقاء) إلي الماء والسماء، ولكن هذه المرة علي أكبر باخرة في العالم، وهي الباخرة كوين ماري2, وكانت قد نزلت إلي المياه قبل سنتين وتبلغ حمولتها 151 ألف طن (ثلاثة أضعاف كريستال سيمفوني)، وحمولتها 3090 راكبا وطاقم 1253 وبها 22 مصعدا و14 قاعة، وقد بدأنا الرحلة من نيويورك إلي جزر الكاريبي، وهي جزر كثيرة وتعد أكثر الجزر التي تشهد أكبر حركة سياحية في العالم، حيث يصل عدد زوار جزيرة بهاما أشهر هذه الجزر نحو مليوني زائر سنويا يزورونها بالبواخر. ونظرا للعدد الكبير من جزر الكاريبي (عدة آلاف، لكن المشهور منها والتي تتم زيارتها 20 جزيرة) تتعدد رحلات البواخر إليها، لأن كل رحلة تختار عددا من الجزر تقف عليها وتزورها، وتبدأ عادة من ميناء كبير مثل نيويورك أو ميامي وتنتهي إلي نفس الميناء، علي عكس الرحلات الأخري التي تكون الباخرة فيها في حالة طواف حول العالم، وتبدأ من ميناء دولة وتنتهي في ميناء دولة أخري. وفي رحلتنا علي كوين ماري التي بدأت من نيويورك وانتهت في نيويورك (من 20 ديسمبر 2005 إلي 3 يناير 2006 لمدة 14 يوما) زرنا جزر سان جوان، وسانت كيتس، ونيفيس، وجرينادا، وباربادوس، والمارتينيك، وسان مارتان، وآمالي.. إلا أن كوين ماري2 كانت من الضخامة والسعة بحيث لم أستمتع بها بالقدر الذي تعودت فيه علي كريستال سيمفوني التي كنا قد ألفنا كل أنشطتها وسهولتها والقدرة علي أن نلاقي بعضنا.. وفي رأيي أن السفن البالغة الضخامة قد تكون مبهرة، ولكن الحياة علي البواخر الأقل ضخامة تكون أجمل وأكثر راحة! وفي أبريل 2006، كانت الرحلة الثالثة بين الماء والسماء، وقد عدنا فيها إلي الجميلة كريستال سيمفوني من بكين العاصمة الصينية إلي شنغهاي ثم أوزاكا ونجازاكي في اليابان، وأخيرا في هونج كونج، ومن هناك نظمنا رحلة إلي فيتنام وبانكوك.. وقد أضافت لي هذه الرحلة رصيدا كبيرا من المعلومات عن الصين واليابان وفيتنام. وأخيرا في ديسمبر الماضي 2008، كانت الرحلتان الرابعة والخامسة علي كريستال سيمفوني أيضا من مدينة لوس أنجلوس في أمريكا إلي العاصمة الأرجنتينية بيونس أيرس مرورا بالمكسيك وكوستاريكا وإكوادور وبيرو وأرجواي وجزر فوكلاند، وأهم من ذلك كله القطب الجنوبي، حيث قاع العالم ومدينة أوشووا في الأرجنتين التي تتصدرها لافتة مكتوب عليها TheEndofTheWorld أي نهاية العالم.. ولم تكن الرحلة كما كانت الرحلات السابقة سهلة.. فقد واجهتنا العواصف والرياح التي بلغت من قوتها أن حطمت ثلاث نوافذ في ثلاث كبائن في الطابق الخامس بالباخرة استيقظ سكانها ليلا علي المياه في داخل كبائنهم، وربما جعلنا هذا نحس أكثر بحلاوة مغامرة الوصول إلي ثلاجة العالم في القطب الجنوبي! * نقلاً عن جريدة "الأهرام" المصرية