افتتاح مؤتمر الواعظات بالأكاديمية الدولية    سبب الاندفاع العالمى نحو الذهب    تقرير: الشرطة الإسرائيلية تداهم مكاتب الجزيرة بالقدس    باحث يكشف أبرز ملفات النقاش على طاولة مباحثات ماكرون والرئيس الصيني    الخارجية الفلسطينية تطالب بتفعيل نظام الحماية الدولية للشعب الفلسطيني    الجيش الروسي يعلن السيطرة على قرية أوشيريتين الأوكرانية بشكل كامل    مباشر – الشوط الأول .. سموحة 0 × 0 الزمالك    شواطئ وحدائق المحافظات جاهزة لاستقبال الزوار في شم النسيم    مجازاة مدير مدرسة عقب تداول امتحانات الصف الرابع بتعليم ببا في بني سويف    كل سنه وانتم طيبين.. عمرو سعد يهنئ متابعيه بمناسبة شم النسيم    انطلاق منتدى تكوين الفكر العربي الأول تحت ظلال الأهرامات    فسيخ ورنجة    تامر عاشور يضع اللمسات الأخيرة على أحدث أغانيه، ويفضل "السينجل" لهذا السبب    بالفيديو.. أمينة الفتوى: الحب الصادق بين الزوجين عطاء بلا مقابل    أمينة الفتوى: لا مانع شرعي فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    استشاري يوضح إتيكيت أكل الفسيخ والرنجة (فيديو)    «معلومات الوزراء»: مصر تحرز تقدما كبيرا في السياحة العلاجية    «الصناعات الهندسية» تبحث تعميق صناعات الكراكات بمصر    يوسف زيدان يرد على اتهامه بالتقليل من قيمة عميد الأدب العربي    تكثيف أمني لكشف ملابسات العثور على جثة شاب في ظروف غامضة بقنا    توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وشركة «إكسيد»    انطلاق مباراة ليفربول وتوتنهام.. محمد صلاح يقود الريدز    "صحة المنوفية" تتابع انتظام العمل وانتشار الفرق الطبية لتأمين الكنائس    «حافظا على صحتك».. تحذيرات من شرب الشاي والقهوة بعد تناول الفسيخ والرنجة    الأهلي يبحث عن فوز غائب ضد الهلال في الدوري السعودي    فى لفتة إنسانية.. الداخلية تستجيب لالتماس سيدة مسنة باستخراج بطاقة الرقم القومى الخاصة بها وتسليمها لها بمنزلها    الآن.. طريقة الاستعلام عن معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    انتشال أشلاء شهداء من تحت أنقاض منزل دمّره الاحتلال في دير الغصون بطولكرم    وزير الرياضة يتفقد مبنى مجلس مدينة شرم الشيخ الجديد    نفوق 12 رأس ماشية في حريق حظيرة مواشي بأسيوط    الحكومة الإسرائيلية تقرر وقف عمل شبكة قنوات الجزيرة    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة بمحافظة الإسماعيلية خلال العام المالي الجاري    وزارة العمل تنظم ندوة لنشر تقافة الصحة المهنية بين العاملين ب"إسكان المنيا الجديدة"    تقرير: ميناء أكتوبر يسهل حركة الواردات والصادرات بين الموانئ البرية والبحرية في مصر    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    موعد استطلاع هلال ذي القعدة و إجازة عيد الأضحى 2024    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    وزير الرياضة يشكل لجنة للتفتيش المالي والإداري على نادي الطيران    لاعب فاركو يجري جراحة الرباط الصليبي    «شباب المصريين بالخارج» مهنئًا الأقباط: سنظل نسيجًا واحدًا صامدًا في وجه أعداء الوطن    حفل رامى صبرى ومسلم ضمن احتفالات شم النسيم وأعياد الربيع غدا    بالتزامن مع ذكرى وفاته.. محطات في حياة الطبلاوي    جناح مصر بمعرض أبو ظبي يناقش مصير الصحافة في ظل تحديات العالم الرقمي    استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على بلدة ميس الجبل جنوب لبنان    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 3 مج.ازر في غزة راح ضحيتها 29 شهيدا    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    بين القبيلة والدولة الوطنية    طوارئ بمستشفيات بنها الجامعية في عيد القيامة وشم النسيم    في إجازة شم النسيم.. مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة بالغربية    تكريم المتميزين من فريق التمريض بصحة قنا    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    مختار مختار يطالب بإراحة نجوم الأهلي قبل مواجهة الترجي    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لمحات استنارة حول مسلسل (الملك فاروق)
نشر في أخبار مصر يوم 15 - 10 - 2007


نقلاً عن جريدة الوفد 15/10/2007
من خطايا الثورات والانقلابات المختلفة وضع ستارة سوداء بين المجتمع ماضيه وبمعني أدق، قطع التاريخ السابق من الوجود ثم السماح بدخول مقتطفات مختارة ومطببة من التاريخ إلي وعي المجتمع تخدم النظام الجديد بدون أي ولاء للحقائق أو للتاريخ وهذا الحدث المخل يحدث هزة كبيرة في وعي المجتمع بنفسه وفي قدراته علي الحركة والنهضة حيث ان كل مجتمع يحتاج بوضوح أن يعرف:
كيف كنا وكيف أصبحنا ولماذا وإلي أين المسير؟ استكشاف الماضي من أجل فهم الحاضر للولوج بقوة وثقة إلي المستقبل. ولا تكتمل الدائرة إلا بالإجابة عن كل عنصر من عناصر التساؤل ومراحله. ويلاحظ أن احداث ما بعد 1952 ثم ،1954 قامت بقسوة بإنزال ستارة سوداء ثقيلة علي التاريخ السابق ولم تسمح بالنفاذ منها الا لمعلومات مشوهة مفصلة حسب المزاج وليس حسب الأمانة التاريخية والاستقصاء العلمي ولكن حسب الخطط المختلفة لتشويه هذا وذاك وفي النهاية لإتمام السيطرة علي الشعب مجرداً من الحماية الدستورية مجرداً من دستوره وأحزابه وبرلمانه وصحافته ومؤسساته المستقلة ومن تاريخ مشوره وكفاحه الهام والمؤثر في طريق الديمقراطية والدستور والحقوق.
وأعجب ما في متابعة التاريخ هو مشاهدة الجميع يتصارعون علي السلطة ويستحسن السلطة المطلقة تحت أي ستار من أجل الوطن والشعب شريطة ألا يتدخل الشعب الا كتابع مطيع وإلا....!
ولست أدعي أبداً أن هناك رؤية واحدة ثابتة وصحيحة دون غيرها للتاريخ أي تاريخ بل تظل للمناظير المتعددة مكان ومكانة أساسية، الي نهاية الزمن، ضرورية لانضاج رحلة البحث عن الحقيقة وهي رحلة لا تنتهي ولكن تثري بلا حدود! شريطة خلق المناخ العلمي والتنويري الذي يطالب بحرية السؤال والتساؤل وتعدد المناظير ويفتح لها المجال ويسمح للمجتمع الذي يريد حقاً أن يستفيد من دروس الماضي من اجل فهم الحاضر وقدرة التطور الصحي الي المستقبل، بالوصول الي المعلومات والوثائق في ظل حرية تداول المعلومات والأبحاث، وما أقدمه هو لمحات استنارة حركها مسلسل الملك فاروق الذي اعتبره أفضل وأرقي ما قدم في رمضان هذا العام.
وقد فوجئنا مفاجأة سارة في هذا المسلسل بمحاولة جادة ومدروسة تتناول حقبة منسية ومضببة من تاريخ مصر المعاصر بطريقة علمية فنية رائعة تحترم المشاهد وتحترم الوقائع والوثائق وتبحث درامياً عن الحقيقة متخطية غسيل المخ والتشويه المتعمد. محاولة جادة »لأنسنة« التاريخ وفهمه من خلال رؤية أكثر نضوجاً، من »مجرد أشرار لا يفعلون إلا الشر وأخيار منزهين لا يجوز مجرد التفكير أو التحليل لأفعالهم ودوافعهم البشرية لا يفعلون إلا الخير المطلق!«.
وهنا أهمية مسلسل الملك فاروق الذي أنتهز الفرصة لأهنئ كل من شارك فيه كتابة وإخراجاً وانتاجاً وتمثيلاً، فهو يقدم لنا لمحات تاريخية صادقة وهامة مدروسة بعناية وموضوعة في قالب فني بديع ومشوق لحقبة حيوية ومؤثرة من تاريخنا القريب لم تكن متاحة لنا بينما نحن في أمس الحاجة لأن نفهم احداث اثرت في وطننا أبعد التأثير ومازالت تؤثر حتي يومنا هذا. ولا بد من تقديم الشكر ًأولاً للدكتورة لميس جابر وحاتم علي، وللدكتور يونان لبيب رزق الذي راجع المعلومات التاريخية، ولكل الفنانين المبدعين الذين شاركوا في هذا العمل الراقي والكبير. الجميع أبدع وأعطي وان كان لابد من ذكر افراد فلابد من تهنئة تيم الحسن علي أداء راق ورائع وعزت أبوعوف الذي أبدع وصلاح عبد الله في دور مصطفي النحاس وقد نقل لنا أوجها من شخصية وطنية شعبية تلقائية بديعة أبعدت ظلماً وتكراراً من مجالها الطبيعي، ووفاء عامر التي أبدعت في دور الملكة نازلي، شكراً بلا حدود علي هذه المحاولة لتقديم التاريخ في صورة تربطنا بماض بالغ الأهمية وبالغ التأثير علي حاضرنا وكان قد فرض علينا ان نقوم ببتره بتراً تاماً.
ويظهر لنا المسلسل ببراعة تأثير البطانة عبر التاريخ علي من في قمة السلطة حيث يتحول صاحب السلطة القمية وبسهولة، الي شبه أسير لبطانته ما لم يكن واعياً تمام الوعي بضرورة تكسير الحلقة الحديدية المكسوة بالحرير التي تضعها البطانة حوله وما لم يكن عارفاً متمكناً من آليات كسر الحلقة الحديدية العازلة التي تتكون حول أصحاب السلطة العليا. ويظهر لنا ما هو موثق تاريخياً من أن الملك فاروق كان خامة وطنية شابة ترغب بإخلاص في عمل الخير لوطنه ولكن تسلمه علي ماهر واحمد حسنين وقاما بتثبيته عند حالة من عدم النضوج الانساني والسياسي وشجعاه علي تكرار خطايا ابيه الملك فؤاد من محاولة مستمرة للاعتداء علي الدستور ومن محاولة مستمرة للهروب من تبعات ومسئوليات دستور »23« الذي يجعل مصر ملكية دستورية، الشعب فيها مصدر السلطات، والملك فيها يملك ولا يحكم. موقف ملكي غير ناضج تدعمه البطانة وأحزاب الأقلية وتيارات دينية وفاشية رغم موجة الفوران الشعبي الرائع المشتاق للحاق بركب التقدم والنهضة ومجاراة أكثر الدول تقدماً وعلماً وديمقراطية. الملك يسعي لأن تكون الإرادة الملكية فوق إرادة الشعب وحكومته المنتخبة والدستور. وكانت هذه نقطة الصدام مع سعد زغلول والتي كان يجب ان يخرج منها الملك فؤاد ورجال القصر بدروس ان خلاص الوطن والملك هو عن طريق الملكية الدستورية وليس عن طريق الصراع المستمر مع حزب الأغلبية ممثل الشعب. ويشرح هذا العداء المستميت بين القصر والوفد والنحاس زعيم الأغلبية، نظرية بسيطة جداً هو أن الوفد كان يستمد قوته من قواعده الشعبية العريضة والدستور فيتعامل مع الملك تعامل الند بل الرائد والموجه والمقوم، علي عكس الاخرين الذين كانوا يستمدون قوتهم الوحيدة »من أعلي« أي من الملك أو الإنجليز، وبالتالي كان النحاس كما كان سعد زغلول يمثلان تحدياً للملك الذي كانت القوي بلا جذور شعبية حقيقية، يزرعون فيه باستمرار، الرفض لأن يكون ملكاً دستورياً ويؤكدون له أن عظمته ومقامه وأمانه وقدره في أن يتحول إلي ملك أوتوقراطي فوق الدستور يتحكم في كل شيء وبالحق الالهي أيضاً!! كانوا يعلمون او لا يعلمون يزرعون فيه فيروس النهاية له ولعائلته ويزرعون فيه فيروس التراجع والتقهقر للوطن الذي بدأ بحبه والاخلاص له، وبشعبية كبيرة تكونت له في البدء، كان الأحري ألا يبددها في صراع مع حزب الأغلبية وفي السعي نحو ملكية أوتوقراطية. وكان دستور 1923 علي نقائصه مفتاح النهضة كبيرة ولتعاون متوازن وبناء بين القصر وحكومة الشعب المنتخبة لولا النية المبيتة من أصحاب المصالح وأحزاب الأقلية مع الملك وبطانته للالتفاف حوله ثم الغائه سنة 1930 »فؤاد وإسماعيل صدقي«.
استمر فاروق بدون أي ترشيد علي خط والده في الاعتداء المستمر علي الدستور وفي وضع نفسه علي طرف نقيض مع زعيم الأمة المنتخب وكانت الأخطاء تتراكم بمساعدة الداهية أحمد حسنين والداهية علي ماهر:
شجعاه علي أن يبدأ عصره باعتداء صارخ علي الدستور: إقالة حزب الأغلبية عام 1937 اقالة مهينة والتعامل بعد ذلك مع أحزاب الأقلية وهي، بما أنها احزاب ليست لها قواعد شعبية، تعتمد »كما أشرت« علي رضاء السراي والإنجليز وليس لها من مدعم أو معين اخر، فسيدها ومولاها حقاً هو الملك والقصر. وان كانت هناك نقطة سوداء في تاريخ الحياة السياسية بعد 1919 فستظل هي نقطة موافقة أحزاب الاقلية وقيادات لها باع في الكفاح الوطني علي القيام بهذا الدور المزري، دور النحر المستمر في حزب الوفد وقياداته والدستور، في ظل ديناميات لا تسمح لهم الا ان يكونوا خداماً للسراي أو للانجليز او الاثنين معاً وبمعني بسيط للقوي التي أتت بهم الي الحكم من أعلي ويستمدون منها قوتهم ضد الوفد.
وليس عجيباً أن يشعر هؤلاء المعزولون عن الشعب بحقد هائل ومتصاعد ضد الوفد وزعيمه الجديد »غير الأرستقراطي« صاحب النمط الشعبي الصريح والبسيط.
ومن مزايا المسلسل المدروس بعناية أنه يعطينا بصيرة أن النحاس باشا كان نمطاً مختلفاً تمام الاختلاف عن الأنماط الأرستقراطية فقد كان شعبياً بسيطاً تلقائياً أحياناً الي درجة كبيرة زائدة بل كان مدخله للأمور بطريقة مباشرة وغير دبلوماسية تمزج بين السذاجة والصدق والأمانة، تجعله هدفاً سهلاً لدواهي السياسة والدبلوماسية المراوغة البارعة من أمثال احمد حسنين وعلي ماهر ومكرم عبيد ورؤساء الديوان المحنكين وغيرهم. ولم يكن مصطفي النحاس ارستقراطياً ولا من اصحاب الاراضي الشاسعة بل كان يري نفسه زعيماً حقيقياً للشعب الذي أحبه وانتخبه في كل انتخابات حرة أتيحت له. هذا الشعب الذي كان يراه الأرستقراطيون من احزاب الاقلية علي أنه كما يقولون شعب »زلط« أو شعب من الرعاع لا يستحق أن يكون صاحب السلطات ولا مصدر السلطات. ومن هنا كان الصراع المستمر بلا التزام اخلاقي أو وطني بين أحزاب الاقلية ومعهم الملك والإنجليز »حسب اللحظة ومصالحهم في هذه اللحظة« ضد حزب الاغلبية وزعيمه الشعبي الشهم والبسيط والمباشر الذي كان يمثل خطر ومصيبة »السلطة للشعب« »الرعاع من وجهة نظرهم« وبكل مأساوية استمر هذا المنظور حتي بعد استيلاء ضباط 1952 علي السلطة وطرد الملك حيث نجد في مذكرات محمد رياض، صلاح سالم يصرخ اثناء أحداث مارس 54 شاكياً تريدون تسليم السلطة لهؤلاء الرعاع الأميين؟؟«« »مذكرات محمد رياض« وفلسفة التراجع عن قرارات مارس الديمقراطية وإلغاء الدستور والأحزاب كانت ان الشعب غير مستعد بعد للديمقراطية وهذه الفلسفة للأسف متي بدأت فانها تولد لنفسها حلقة مفرغة لا تنتهي.
والحقيقة ان المسلسل يفتح البصيرة علي قدر الظلم والعدوان الذي تعرض له النحاس والوفد لمجرد انه كان يحمل مبايعة الشعب وبالتالي لم يكن عبداً للسراي ولا للانجليز بل رأي ببصيرته السليمة ان تعضيد هتلر والنازي بينما البلاد محتلة وبريطانيا وهي الدولة العظمي المهيمنة في حالة حرجة تتعرض للضربات والهزائم فتصبح، وجيوشها تحتل البلاد، كالوحش المجنون المهدد، خطراً مجنوناً وخطراً مستطيراً علي مصالح البلاد العليا وعلي أمنها وسلامة مواطنيها ومنشآتها.
سقط فاروق في فخاخ نصبتها له البطانة وعلي رأسها أحمد حسنين وعلي ماهر اللذان كانا يكنان العداء كل العداء للوفد ورئيسه ولم يكن يتغير هذا العداء الا لأسباب تكتيكية تشمل مصالح مخفية وسرية. وكان النحاس كما كان سعد زغلول يمثلان تحدياً للملك الذي انزلق في طريق الرفض لان يكون ملكاً دستورياً والباطنة تؤكد له تكراراً أن عظمته وقدره في أن يتحول الي ملك اتوقراطي فوق الدستور يتحكم في كل شيء نشاهد في المسلسل القيم كيف نجحت بطانة الأغراض والمؤامرات وكيف اعموا بصيرته ومنعوه من النضوج والتعاون الضروري مع ممثلي الشعب بينما يقنعونه ان شعبيته في ازدياد مستمر والجيش يحمل له ولاءاً وحيداً ومطلقاً والتيارات الدينية تبايعه، واللعب علي وتر الدين يعطيه ميزة علي النحاس وشعبية تفوق غريمه زعيم الأمة والأغلبية، وبهذا التصوير الخاطئ دفعوه للحرب مع حزب الأغلبية وممثلها ودفعوه لاختيار الأقليات، التي يكون هو سندها الوحيد في تولي الحكم فلا تملك الا الطاعة والانصياع له كملك اوتوقراطي من القرون الماضية، وفي هذه المساحة يكشف لنا المسلسل الشيق كيف لعب احمد حسنين وعلي ماهر بكل ذكاء. ونجح الجميع علي خلاف الحقائق والوقائع في تصوير حادث 4 فبراير 1942 علي انه مؤامرة من النحاس وسقطة كبيرة للنحاس وحزب الوفد يجب استغلالها لتدمير وتفتيت الوفد. بينما النظرة الواقعية والعلمية الهادئة تؤكد عكس ذلك المنظور المصطنع المبرر لمخططات العدوان المسبقة. والأقرب انه فخ محكم حفر للنحاس وحزب الاغلبية، المكروه من القيادات العلوية والزعامات الوهمية بلا قواعد اعتماداً علي أن النحاس سيدخل الفخ بدافع من وطنيته، واعتماداً علي مسئولية النحاس التي لن تسمح له بأن يترك الوطن في أحرج ظروف الحرب بلا حكومة ولن يترك الإنجليز يعزلون الملك المحبوب آنذاك بالقوة. وجدير بالذكر الاشارة بأن دائرة الكره والعدوان والتآمر التي كانت تحيط بالنحاس باعتباره الرجل الوطني البسيط والشجاع وغير الارستقراطي الذي أصبح رئيساً لحزب الأغلبية وممثلاً للشعب، المحتقر من الجميع »شعب من الرعاع الحفاة كما كانوا يقولون« كان يدخل فيها الانجليز ايضاً. كره الوفد والنحاس والتوجس منه كان يأتي ايضاً من الانجليز والسفارة البريطانية، ولكن كانت عند الانجليز اثناء أزمة الحرب، من الحكمة وبعد النظر بعد سنوات من تشجيع الملك واحمد حسنين علي التلاعب بالدستور من اجل ابعاد حكومة الأغلبية واهانة النحاس بالاقالات والتصرفات الوقحة، كان عند الانجليز من بعد النظر ما يقنعهم بأن حكومات الاقلية والزعماء الصوريين والتيارات الهامشية لا تستطيع تأمين ولا استقرار الجبهة الداخلية المصرية في ظروف الغزو الألماني لمصر، ولابديل عن العودة للدستور والبرلمان المنتخب وحق حزب الاغلبية وزعيم الأمة الشعبي في تولي الحكم. وكان فبراير 1942 توبة مؤقتة من الانجليز، من اجل مصالحهم من لعبة الاشتراك مع الملك واحزاب الاقلية في هز اركان الدستور وفي نحر خبيث للتجربة الديمقراطية المصرية الواعدة والمنذرة بحكومات قوية وزعامة قوية لها قواعد شعبية قوية ستضغط من اجل الجلاء والسودان ولاتمام الاستقلال والحقوق الوطنية والقومية في فلسطين وغيرها، وكل هذه المواقف المتغيرة من اجل مصالحهم، التي تغيرت بعد هزيمة رومل والمحور في العلمين وفي شمال افريقيا كلها، فعاد تشجيعهم للملك علي العبث بالدستور واللعب غير المسئول في دور الملك الأوتوقراطي فوق الجميع متمتعاً بتعضيد وحماية الجيش آنذاك والتيار الديني.
ويلاحظ انه في محاولة الملك المستميتة في أن يكون ملكاً أوتوقراطياً فوق الدستور والحكومة المنتخبة بتواطؤ خبيث من الإنجليز وأحزاب الاقلية ومن خلصائه علي ماهر واحمد حسنين وغيرهما ممن شجعوه علي تخطي الدستور، ادخل الجميع الفيروسات القاتلة التي كان لها أبعد الأثر في تدمير حركة النهضة المصرية ومنها:
جر الجيش الي السياسة ومحاولة جعل قسم الولاء للملك وحده دون الدستور والقانون بحيث يتحول الجيش الي أداة للملك في مواجهة الحكومة المنتخبة من الشعب.
استعمال الحق الإلهي مثل ملوك اوروبا الطغاة حتي الثورة الفرنسية وجر التيار الديني لمقاومة العملية الديمقراطية الناجحة التي قامت منذ مواجهات سعد زغلول مع الملك فؤاد وتعضيد الملك »المؤمن« في اعتدائه المتكرر علي الدستور وفي محاولة جعل تتويجه عملية دينية »إلهية« وليست عملية مدنية دستورية.
إحياء الفرقة بين عناصر الأمة والاقباط والمسلمين باتهام الوفد والنحاس بانه ينحاز للأقباط في الوزارة وفي مناصب الدولة.
تزوير الانتخابات.
اقالة الوزارة المنتخبة وحل البرلمان المنتخب.
والمأساة حقاً التي ندفع ثمنها جميعاً حتي الحاضر ان هذه العفاريت والفيروسات التي أطلقها فاروق وأحزاب الأقلية ضد الوفد والنحاس وضد الحكم الدستوري الديمقراطي حيث كان للوفد والنحاس القوة الوحيدة التي تعامل الملك بندية وبضغط للانضباط الدستوري، و علي الأمد الطويل لتؤذي بسمومها وشرورها الجميع الملك والجيش والوطن والشعب والدستور والديمقراطية والتيارات الدينية والطرفية:
الملك: »عزل ونفي وتم الغاء الملكية«.
والجيش: »هزيمة 1967 المدوية بعد تحول الجيش وقياداته الي الحكم وانشغل بشئون السيطرة الداخلية والتنازع علي المزايا والسلطات«.
والوطن: »سقوط مشروع النهضة والحداثة الذي كان يبشر بأقصي درجات النجاح وسقوط الشرق الأوسط بأسره في انتكاسات الحكم العسكري والدساتير الأوتوقراطية أو اللادساتير مما أدي بعد فترة تخديرية من »اندحار« الاستعمار الي عودة الاستعمار علي شعوب مقيدة حرياتها، بصورة أسوأ كثيراً من أقسي مراحله السابقة، والي نجاح المشروع الصهيوني الاستيطاني بدرجة لم تكن متصورة أو ممكنة في أسوء الكوابيس«.
والشعب: »عزل الشعب تماماً من المشاركة السياسية والاجتماعية حتي غد سلبياً كأنه انعكس انعكاساً لا يصدق بالمعجزة التي جعلت منه »عكس نفسه« و»عكس تاريخه«، وتراجع عن مواقفه في مطلع القرن وفي ،1919 وحتي منتصف القرن العشرين وتعامل العامل والاستعمار الجديد مع حكام بأسهم علي شعوبهم، ضعفاء ازاء الدنياميات العالمية والاستعمار الجديد سهل حصارهم واستدراجهم وهزيمتهم«.
الدستور: »مازال الشعب يحلم بلا جدوي بدستور أفضل من دستور 1923«.
والديمقراطية: »اصبحت الانتخابات الصورية والمزورة هي الأصل والطبيعي وانتهت عملياً ديناميات الفصل الحقيقي بين السلطات وعاشت البلاد في ظل تغول السلطة التنفيذية والحزب الواحد تتقبل في استسلام اضعاف ما لم يكن مقبولاً لديها في العشرينات: »سعد أو الثورة«. حينما تجرأ الملك فؤاد وتخطي حدوده الدستورية«.
والتيارات الدينية والطرفية المختلفة: »استعمل التيار الديني والتيار اليساري أسوأ استعمال لأغراض انتهازية، ما ان تتم يجري سحقهم بلا رحمة ككبش فداء جاهز واخرج التيار الديني من دوره الاجتماعي الأخلاقي التوافقي التنويري الي أتون صراعات السياسة والسلطة بأنواعه بما أصابه بالتيبس والتعصب وبما حوله الي تهديد للوحدة الوطنية بدلاً من ان يكون الدعم لها وبما يهدد برسوب مشروع مصر الحضاري في تتابعات تحدي الحداثة والمعاصرة، ومورس علي التيارات الدينية أبشع انواع الظلم بلا وازع من قانون او ضمير حتي دفعت دفعاً، بعيداً عن روافد الوسطية المصرية المتحضرة التي تعكس روح الدين وجوهره الي تعصب بدوي حرفي تكفيري منغلق يعادي الحركةو التطور والتفاعل والتنوير«.
ومن اهم المناظر في المسلسل الهام، لقاء النحاس مع الشيخ حسن البنا ومواجهته الصريحة بالاقتصار علي العمل الديني والاجتماعي والبعد عن اقحام الدين في السياسة والعمل السياسي، والتحذير الحكيم من النحاس لحسن البنا من استعمال السراي أو الإنجليز او أحزاب الاقلية لحركة الاخوان المسلمين كأسلحة لتدعيم سلطانهم او لمحاربة حزب الأغلبية، وكانت المأساة انه رغم موافقة الشيخ حسن البنا المبدئية علي هذا التنبيه المخلص الا ان الواقع كان خلاف ذلك واستعمل الاخوان المسلمين اسوأ استعمال من السراي الإنجليز ومن أحزاب الاقلية ثم من حركة الضباط وفي كل مرة كان كل طرف يستحلب منهم ما في مصلحته ثم يخونهم وينقلهم عليهم بلا رحمة، دون ان يتعلموا درس مخاطر اقحام السياسة في الدين والدين في السياسة ودون ان يفقهوا تماماً ان لعبة القوة تشمل استعماله الي اقصي درجة ثم الانقضاض عليهم بلا رحمة.
أي ان الجميع حصد ويحصد الاشواك التي زرعوها رفضاً للديمقراطية ورفضاً عنيداً لآليات تسليم السلطة للشعب وممثليه!.
ونشكر لهذا المسلسل المتميز صنعاً ودراسة وأداء انه اظهر هذه الحقائق بوضوح ومع ذلك نعجب لتحايل حسنين وزعماء الألية وعلي ماهر الذي لم يخف مع الملك ميوله النازية والالمانية من منطق ساذج أن الاحتلال الالماني سيكون افضل من الانجليزي، وأن عدو عدوي هو صديقي، مع الاعجاب بالنظام الفاشي العسكري كوسيلة لتقدم الشعوب المتخلفة »نفس العدوان الأزلي لآليات تسليم السلطة للشعب!! مع غياب في الرؤية وبعد النظر عن مخاطر الفكر النازي علي حركات التحرر والتقدم لدي الشعوب في أنحاء العالم وكان يكفي الملك، غير الناضج مع قيادات الاقلية والأحزاب المعجبة بالفاشية ان يدرسوا حال الشعب البولندي والروسي واليوناني واليوجوسلافي تحت الاحتلال النازي.
ورغم ان الانجليز أعجبتهم لعبة اللعب بالسياسيين وقيادات أحزاب الاقلية الذين ليست لهم قواعد شعبية حقيقية علي حساب الدستور وحكومة الأغلبية من اجل اضعاف التجربة الديمقراطية الواعدة، الا انهم وقت الخطر الحقيقي ورومل علي الأبواب، ادركوا ان امن البلاد وسلامة ادائها الاقتصادي واستقرارها لا يتحقق الا في ظل حكومة الأغلبية التي كانوا غضوا النظر عن اقالتها العدوانية عام 1937 كأول منزلق تردي فيه الملك الشاب مع ما لاقي من تشجيع بطانة السوء علي انتهاك الدستور ولم يكن طلبهم حكومة برئاسة النحاس حباً في النحاس او الوفد ولا مؤامرة من النحاس او الوفد ولكن كان كما اشرنا من قبل ما تقتضيه الحكمة والحنكة السياسية والحربية في ظل التقدم المتصاعد من الجيوش النازية في الصحراء الغربية وحادث 4 فبراير في رأيي يدين الانجليز كما يدين الملك ويدين أحزاب الاقلية ولا يدين النحاس او الوفد بأي شكل بل العكس، هو وسام علي صدر الرجل الشجاع مصطفي النحاس الذي انقذ مصر من خطر الفوضي والانهيار ومن مهانة ان يؤخذ ملكها »الشرعي« آنذاك مأسوراً في مركبة عسكرية انجليزية الي بارجة انجليزية لينفي في مكان مجهول ومع ذلك فقد صور لنا المسلسل ببراعة ديناميات تحول مشاعر الملك تجاه النحاس والوفد من التقدير الظاهري في البدء لشهامة النحاس في الاستجابة للرغبة الملكية انقاذاً للعرش وانقاذاً للبلاد في ظرف عصيب. هذا التحول الذي غذته بطانة السوء أدي الي كراهية متصاعدة للنحاس والوفد ومحاولات احمد حسنين للانتقام من النحاس والوفد عن طريق استقطاب الوزراء وكبار الوفديين وعلي رأسهم مكرم عبيد، والعمل علي اغرائهم وجذبهم الي السرايا بما يترتب علي ذلك من مزايا عظمي وطموحات عظمي تدير الرؤوس ربما في رئاسة الوزارة وكله لتفتيت الوفد وتشويه الحقائق واثارة المشاعر ضد النحاس.
أما الخط الثاني البارع الذي أناره لنا المسلسل فهو انهيار حقيقي حدث في حياة الملك الشخصية والعاطفية وفي نفسيته بعد 1942 وقد قدم المسلسل ببراعة تزامن الجرح النفسي العميق الذي حدث من اهانة السفير البريطاني له ومعاملته كمجرد صبي مشاكس واقتحامه عليه قصره ومكتبه المحاصر بدبابات الإنجليز واضطراره، للرضوخ وواضح ان هذا الحادث الأليم لم يكن ممكناً لو كان الملك وبطانته التزموا بالدستور منذ بدء ولايته.
هذا الاحساس بالمهانة والإهانة فتح علي فاروق الشاب خط تسيب واستهتار وعربدة وعدمية نهيلستية لم تفارقه حتي نهاية حياته الفقيرة ثقافياً وعاطفياً والمفتقرة للنضوج سياسياً وانسانياً. كان من الممكن لأمثال علي ماهر وأحمد حسنين توعيته وتعليمه ووضعه علي الطريق التربوي البناء بدلاً من تشجيعه واثارته وتغذية العناصر الصبيانية التي تحركت في شخصيته والتي حدث معها انهيار في علاقته بزوجته الملكة ريدة وبوالدته الملكة نازلي، وفي الخلفية كان فاروق في موقفه المرضي، المضاد للتعاون مع حزب الاغلبية والنحاس، يتجرع مرارة سلوك والدته الملكة نازلي واقساها واكثرها تمزيقاً علاقتها باحمد حسنين رئيس ديوانه ومعلمه ومرشده اثناء دراسته السطحية القصيرة في انجلترا، وهو المرشد والمعلم الذي وضع اعتماده عليه بالكامل فما كان منه الا ان شجعه علي الأزمان في دور الصبي المعتمد والتصرفات غير المسئولة وكلها تداعيات افقدته احترام والدته وزوجته، وستؤدي التنمية علي الاستهتار واللامسئولية وعدم احترام الدستور التي يسأل عنها حسنين وساسة الاقلية، بالتدريج الي اخطاء متراكمة لا داعي لها سينجم عنها فقدانه لحب الشعب وولاء الجيش وفقدانه للاحترام محلياً وعالمياً كما سينجم عنها اخطاء وخطايا مثل اعادة اقالة حكومة الوفد والنحاس ومثل محاولة السراي وأحزاب الاقلية استقطاب حسن البنا والاخوان المسلمين والحركات الفاشية ليكونوا دعائم للعرش ضد الوفد والدستور وضد الديمقراطية التي شعر معها اقطاب احزاب الاقلية دائماً، بقصر نظر مأساوي، انها ديمقراطية يجب محاربتها فهي، تأتي دائماً بالوفد المكروه وبالنحاس زعيم الرعاع، للحكم كل مرة وبأغلبية كبيرة فحاربوا الديمقراطية بدلاً من ان يشخصوا ويعالجوا اسباب واليات بعدهم عن حب الشعب وجهلهم الفاضح بالديناميات والمخاطر العالمية، وها نحن نري في هذا المسلسل القيم بنود الافساد ونموها وشهوة السلطة وما تؤدي اليه من حيل ومكائد وأكاذيب تردي فيها كبار الساسة المصريين ومنهم بكل العجب من كان له باع طويل في العمل الوطني وفي الكفاح والتضحية ولكنها السلطة وشهوة السلطة واغراءاتها مفسدة الانسان في كل مكان وزمان.
وفي خلفية العمل كله مأساة كبري غير متحدث عنها بطريقة مباشرة الا وهي جذب زعيم الاغلبية الشعبي والمخلص والوطني الطموح الي حبائل مؤامرات وصراعات لا تنتهي عطلت في النهاية خط السير الي النهضة الذي بدأ بعد ثورة 1919 وعطلت استكمال مسيرة التشريعات الاستراتيجية التي كانت لتغير واقع المجتمع جذرياً وتشمل رؤية حزب الأغلبية المتطورة والمستنيرة في التعليم وفي الدستور وفي حقوق العمال والفلاحين وفي الجيش »وهي علي فكرة الرؤية التي أتاحت لأبناء الشعب الدخول الي الجيش والدراسة العسكرية للترقي الي سلك الضباط ويدين لها ضباط يوليو بوجودهم« وكذلك في المجتمع المدني والوحدة الوطنية والحريات والفصل بين السلطات وغيرها من رؤي حيوية تقدمية من حزب نشأ من الشعب وبتوكيلات الشعب ومضي يطور نفسه ويتحرك بنجاح من اجل نهضة الشعب حتي نجحت القوي المتربصة في تعطيله وتفكيكه وتجفيف منابعه، وتعطلت تشريعات وخطوات النهضة والتدرب علي احترام الدستور والمواطنة، وانتهت الحرب العالمية الثانية واحرج الفترات بعدها التي فيها اعادة تشكيل العالم والمنطقة العربية وحزب الاغلبية مبعد عن الحكم بالاقالةو معرقل بالهجوم المستمر عليه زعميه وقد ظل حزب الأغلبية أكثر فترة حكم فاروق، خارج السلطة او مشدوداً مع زعيمه في صد الاعتداءات المتكررة وظل البرلمان غائباً ومنحلاً بالأمر الملكي مع الاصرار والترصد من جهات لم تستطع أن ترقي لوضع الاهداف الكبري النبيلة فوق كرههم للوفد وللنحاس رغم الاوقات العببية واعادة تشكيل العالم بواسطة الدول المنتصرة. جهات تعمدت الاعتداء والتحريض والفتتن واهدار الطاقة والفكر في صراعات تافهة ضخمت لأسباب ودوافع تبعد كل البعد عن مصلحة البلاد ومصلحة الشعب وكان ان جاءت التحديات الكبري بعد الحرب العالمية الثانية وسنة 1948 وحكومة الأغلبية مقالةو البرلمان منحل وزعيم الأمة معزول والطاقات تضيع في الهجوم والاعتداء عليه والقوي الشعبية بلا دفة ضائعة أو مهمشة او وقعت فريسة لتنويعات التطرف والعنف تدور في فلك »الأنا ضد الآخر« نائمة مخدرة عن تطور الديناميات العالمية والمحلية وخصوصاً في فلسطين، نائمة مخدرة عن جمع المعلومات الدقيقةو تحليلها بينما الوكالة الصهيونية تعمل كخلايا النحل، حتي كان ان اتخذ الملك قرار الحرب في فلسطين وحده وحيدر باشا يؤكد له ما معناه »مستعدين وبرقتي ياريس/ يامولاي!!!« دروس وأية دروس ومأساة أي مأساة..
ويبقي أن نهنئ الدكتورة لميس جابر وزملاءها والمخرج والمنتج وقناة إم بي سي وكل من شارك في عمل هذا المسلسل مع الشعور بالحزن انه لا يذاع علي القنوات المحلية الأرضية كما انه كما علمت، لم يسمح لفريق التنفيذ باستعمال القصور الملكية في التصوير وكان ذلك يضيف للمسلسل مصداقية وقيمة رغم انه وهو له الريادة في القمة لا يفتقر الي مزيد.
وهو بالتأكيد مسلسل يستحق تضامن كل الجهود لاستمتاع وانارة اكبر عدد من جمهور العالم العربي والعالم عامة به، حيث يعطي في النهاية صورة حقيقية في قضية افساد الحكام وفي مكائد الصراع علي السلطة والسلطان وآليات اضعاف الحكام بعزلهم بذكاء خبيث عن شعوبهم مصدر الشرعية والقوة لهم، مع مخاطر وأكاذيب الاعلام المسيطر عليه وعمليات تشويه التاريخ واغتيال الشخصية بدون حق الرد والتفسير، بل يتطرق الي قضية المرأة وحقوق المرأة!، كما يخترق حاجز حرمان الشعوب من الاعتبار والتعلم من تاريخها. ولست أشك في ان الفريق وقد قدم للعالم العربي جوهرة من الدراما التاريخية، سيكتشف بكل استحقاق ان هذه الجوهرة سيتنافس علي تقديمها كل القنوات المحترمة في مجال الارسال التليفزيوني.
لفتة لابد منها وهي تقديم التقدير والاعتراف للدكتورة لطيفة سالم استاذ التاريخ الحديث بجامعة بنها ولها فضل الريادة في ولوج حقل الالغام الذي تمثله دراسة التاريخ المعاصر بحيادية وموضوعية في كتابها القيم عن »فاروق وسقوط الملكية« حيث نزعت برصانتها العلمية محاذير التابوهات المخيفة المحاطة بهذا الموضوع، والتي كانت تبعد الفنانين وكتاب الدراما بل والمؤرخين من تناول هذا الموضوع الشائك المحاط بكم هائل من غسيل المخ سواء عن الملك او عن النحاس والوفد وفبراير ،1942 او عن تجربة مصر الديمقراطية الهامة بعد ثورة 1919 والتي لو أتيح لها التطوير والنماء بأمان واخلاص ووطنية ترقي فوق المطامع والاحقاد والافراد لوضعت مصر حالياً في مصاف الدول العظمي المؤثرة في تاريخ العالم كما تستحق! ولعاش شعبها اللماح المبدع في ظل الرفاهية والنجاح الذي يستحقه بابداعه الذي لا ينضب وموارده التي تتفوق علي الكثير من الدول الكبري، في ظل دستور الحرية والأمان والحداثة الذي طالما كافح وضحي من اجله عرب للحذو حذو مصر القدوة والقائدة وللقرب والتقارب ولتفعيل فكر الوحدة الهادئة المدروسة من الجذور والقواعد بدلاً من الوحدة بالخطب العنترية الحماسية الديماجوجية ولكان التحرك المحنك تدريجياً ومحسوباً وفعالاً علي غرار الوحدة الأوروبية وفي رأيي أن المسلسل وصل الي القمة مع نهاية رمضان اما بعد رمضان ودخوله في مواضيع شتي هامة وعميقة وشائكة مثل تطور حركة الاخوان المسلمين الي العنف والي احتكار الحق والحقيقة والدين، ومثل حرب فلسطين ودينامياتها محلياً وعالمياً، وكل موضوع يستحق وحده دراسات وتوثيق يحتاج سنوات من العرق والدراسة وتعاون الفريق المبدع بمجهود وميزانية لا تقل عما قدم في مرحلة »37 48 »الاجزاء من المسلسل حتي نهاية رمضان« التي جاءت كما اشرت رصينة كاشفة ومدروسة فسأضطر لتأجيل التحليل والتعليق علي هذه المرحلة الجديدة ما بعد رمضان مع استمرار الاعجاب بشجاعة الكاتبة والفريق في اختراق الكثير من التصورات المغلقة بشأن حرب فلسطين والاخوان المسلمين، مع حلم يبدو بعيد المنال، ان يستمر التناول المخترق الموثق الرصين حتي نهاية مارس 1954 وهي أيضاً لحظة فارقة في تاريخ ومصير مصر في العصر الحديث.
وليلهمنا الله جميعاً سبل البناء والاصلاح واعادة اكتشاف الشعب لثقته بنفسه ودوره الحيوي في التأثير الآمن في ظل دستور متطور، علي صنع القرار وعلي مجريات الأمور في وطنه، ولتلهمنا تتابعات الفهم والصدق والاستنارة والتاريخ الأمين، للامساك بخيوط التجربة الديمقراطية مع الاعتبار والتعلم من اخطائها وسقطاتها والوقاية الواعية من اليات الاعتداء الغاشم عليها، مؤمنين تماماً بعد ان اثخن الوطن بالجراح وتكاثرت عليه الاحباطات وتجرع آلام وآثار الفرص الضائعة، ان لابديل عن الدستور الديمقراطي الحديث وسيادة القانون وتأكيد مبدأ واليات ان الامة مصدر السلطات نظرياً وعملياً، ولها حق اليات التمكين كل التمكين بلا خوف او وجل او عنف او تردد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.