تحت ضغط الرأي العام الإسرائيلي اضطرت جولدا مائير رئيسة الحكومة الإسرائيلية إلي إصدار قرار في73/11/18 بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق للتحقيق في أسباب التقصير الجسيم الذي ظهر خلال الحرب وقد تم تعيين شمعون أجرانات رئيس المحكمة العليا رئيسا للجنة. وقد أدانت اللجنة أربعة من كبار القادة العسكريين بتهمة التقصير, وأوصت بإبعادهم عن مناصبهم وهم, الجنرال دافيد اليعازر رئيس هيئة الأركان, و الجنرال شموئيل جونين قائد القيادة الجنوبية الجنرال إيلي زعيرا رئيس الاستخبارات العسكرية, فضلا عن العميد أرييه شماليف مساعد رئيس الاستخبارات العسكرية للأبحاث. وقد قامت اللجنة بتبرئة القيادة السياسية. وجاء في تقرير اللجنة: إن بدء مصر وسوريا الحرب في عيدالغفران فاجأ الجيش الإسرائيلي والقيادة السياسية, لأنه حتي ساعات الصباح الباكر في اليوم نفسه لم تقدر القيادة العليا لجيش الدفاع أن حربا شاملة علي وشك النشوب, وفي صباح اليوم نفسه عندما اتضح لهم أن الحرب ستنشب افترضت القيادة العليا خطأ( نتيجة معلومات وصلتها) أنها ستنشب فقط في الساعة السادسة مساء ومسئولية هذا الخطأ في التقدير يمكن أن يلقي أولا وقبل كل شيء علي عاتق رئيس الاستخبارات العسكرية ومساعده الأول المسئول عن قسم الأبحاث, وقد فشل هؤلاء في تقدير الإنذار الكافي تماما لجيش الدفاع الإسرائيلي, وفقط في الساعة الرابعة والنصف صباحا في يوم73/10/6 بلغ رئيس الاستخبارات العسكرية, استنادا إلي معلومات حصل عليها من الموساد عن نية العدو ببدء القتال في الساعة السادسة مساء علي الجبهتين المصرية والسورية. وهذا الإنذار القصير لم يمكن إسرائيل من القيام بضربة استباقية بالقوات الجوية نظرا لقصر فترة الإنذار ولوجود حائط الصواريخ وتقدير القيادة الإسرائيلية لإمكانية حدوث خسائر كبيرة في القوات الجوية مما يؤدي إلي عدم قدرة السلاح الجوي من الدفاع عن المجال الجوي الإسرائيلي قبل أن تندلع الحرب نفسها. وكذلك تعبئة الاحتياط بصورة منتظمة, وأدي إلي تعبئة متعجلة لاحتياط القوات البرية وليس طبقا لجداول زمنية وإجراءات التعبئة السليمة. وإعداد القوات النظامية في الجبهات و انتشارها السليم. وقد تناولت لجنة إجرانات موضوع الإنذار للحرب وتعبئة قوات الاحتياط, وشرح الجنرال إيلي زعيرا الفرق بين تلقي الدولة الإنذار عن الاستعدادات للحرب وبين تلقيها الإنذار عن النيات وأوضح أن تلقي الإنذار عن الاستعدادات يتوقف أساسا علي مستوي تجميع الاستخبارات للمعلومات, وهو ماينتج عن أعمال المراقبة والتنصت والتجسس والطلعات الجوية للاستطلاع والتصوير الجوي ومن الممكن الاعتماد بشكل واقعي علي وصول الإنذار عن استعداد العدو للحرب, أما مسألة النوايا فهي مسألة مختلفة تماما, فإن النيات الفعلية لشن الحرب يحتفظ بها سرا وتكون معروفة فقط لمجموعة صغيرة للغاية من القيادتين العسكرية والسياسية وربما يكون الرئيس فقط هو الذي يعلم بموعد الحرب. وقد حدد إيلي زعيرا معني الإنذار فيما يتعلق بأمن إسرائيل بأنه إنذار عن استعدادات وحشود قوات وإنتشارها في أوضاع يمكن منها مهاجمة إسرائيل في أي وقت, وأوضح إيلي زعيرا أن القيادة العسكرية الإسرائيلية سبق أن استجابت للإنذار الذي تلقته من المخابرات العسكرية عن استعداد مصر وقامت علي الفور بتعبئة قوات الاحتياط. وقد حدث ذلك عام1960 وعام1967 بينما لم يفعله رئيس الأركان الجنرال دافيد اليعازر ووزير الدفاع موشيه ديان قبل حرب73, علي الرغم من أن صورة استعدادات مصر وسوريا للهجوم كانت أدق صورة تم عرضها بواسطة الاستخبارات علي القيادة السياسية. برر موشيه ديان وزير الدفاع موقفه من تأجيل استدعاء الاحتياط أمام لجنة أجرانات بالآتي: السبب الأول عسكريا وهو الشعور بالثقة الزائدة في قوة الجيش النظامي وفي مقدرته علي صد هجوم العدو حتي وصول قوات الاحتياط حتي لو لم تبدأ التعبئة إلا مع بداية الحرب. بالإضافة إلي أن سلاح الطيران سوف يعاون القوات البرية بصورة فعالة منذ الساعات الأولي للحرب. السبب الثاني سياسيا فقد خشي ديان من أن يؤدي استدعاء الاحتياط قبل الهجوم المصري والسوري إلي أن تتهم الولاياتالمتحدة إسرائيل بمسئوليتها عن بدء هذه الحرب. وكان متخوفا من أن يدعي المصريون والسوريون بأنهم شنوا حربا عاجلة علي إسرائيل كرد علي تعبئتها لقوات الاحتياط توطئة للقيام بالهجوم عليهما. أتاحت الثغرة لإسرائيل أن تزعم بأنها انتصرت في الحرب وحاولت اختزال حرب73 في عملية الثغرة, ولكن هذا كذب وتلفيق لأن إسرائيل لم تحقق أي هدف سياسي أو عسكري استراتيجي لفشلها في إرغامنا علي سحب قواتنا من شرق القناة غربا فشلت في محاولاتها لاحتلال إحدي المدينتين الإسماعيلية والسويس, بينما من يحقق أهدافه في الحرب هو المنتصر, فالإنتصار في الحرب يعني تحقيق الأهداف العسكرية المحددة سلفا, وقد حققت مصر أهدافها من حرب أكتوبر كما جاء في التوجيه الاستراتيجي للقائد الأعلي للقوات المسلحة الرئيس السادات يوم(5) أكتوبر. وبذلك تكون مصر قد حققت أهدافها في الحرب ومن يحقق أهدافه هو المنتصر. من أهم ملامح السياسة العسكرية الإسرائيلية عقب حرب أكتوبر1973, الإصرار علي إحراز التفوق في مجال الأسلحة التقليدية, و استمرار تطوير أسلحة الدمار الشامل ومنع أي دولة في المنطقة من امتلاك السلاح النووي, مع استمرار تطوير وسائل توصيل الأسلحة غير التقليدية( الغواصات الدولفين الصواريخ أريحا الطائرات إف15 و16), علاوة علي إمتلاك عناصر استطلاع استراتيجي تضم مجموعة من الأقمار الفضائية تستخدم في الأغراض العسكرية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعات الحربية, وتحول إسرائيل عقب حرب أكتوبر73 في مجال الردع العسكري من الردع باستخدام الأسلحة التقليدية( الذي فشل في حرب أكتوبر) إلي الردع النووي. أضف إلي ذلك محاولة تحقيق السلام الإقليمي لاختراق منطقة الخليج والحصول علي موطيء قدم لتمارس نشاطها في هذه المنطقة الحيوية الغنية بمصادر البترول والغاز وهو هدف استراتيجي في مخططات الصهيونية العالمية باعتبار الطاقة عصب الحياة ومصدرا لرءوس الأموال. السعي لتحقيق تعاون استراتيجي مع الدول الشرق أوسطية غير العربية( تركيا إثيوبيا أريتريا) مستغلين الجوار الجغرافي والعلاقات التاريخية والمصالح المشتركة لدعم هذه العلاقات. * نقلا عن جريدة الاهرام المصرية