توقيع بروتوكول تعاون لترسيخ مبادئ الشَّريعة الإسلاميَّة السَّمحة    فضيحة إسرائيلية: حملة تضليل ممولة لخداع الجمهور الأمريكي    تراوري يسجل الهدف الأول لمنتخب بوركينا فاسو في شباك الفراعنة    القيعي: أشفق على كولر بسبب الضغوط.. وأطالب اللاعبين بالتركيز    "هدية" تطلق خدماتها لقرابة ال 10 ملايين حاج ومعتمر وزائر    الحبس وغرامة 300 ألف جنيه عقوبة استخدام برنامج معلوماتي في محتوى مناف للآداب    بظل شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. اقتحام واسع للمسجد الأقصى وطقوس ل"أمناء الهيكل"    الأربعاء ..الصحفيين توقع بروتوكول تعاون مع بنك ناصر الاجتماعي    ارتفاع أسعار النفط وسط آمال خفض الفائدة الأمريكية في سبتمبر    نور الشربينى تواصل الدفاع عن اللقب وتتأهل لنصف نهائى بريطانيا المفتوحة للاسكواش    أحلى بطيخ ممكن تاكله والناس بسأل عليه بالاسم.. بطيخ بلطيم.. فيديو    الأرصاد تكشف حالة الطقس أيام عيد الأضحى وتؤكد: الجمعة ذروة الموجة الحارة    عمرو دياب يُحيي حفل زفاف جميلة عوض وأحمد حافظ    الشوبكى: الهدف من بيان «شاس الإسرائيلى» مواجهة الأحزاب المتشددة    وفاة المخرج المسرحي محمد لبيب    ماذا كان يفعل النبي محمد بعد رؤية هلال شهر ذي الحجة؟ دار الإفتاء توضح    «زوجي عاوزني أشتغل وأصرف عليه؟».. وأمين الفتوى: عنده مشكلة في معرفته لذاته    «يقول الشيء وعكسه ويروي قصصًا من خياله».. ماذا قالت اللجنة الطبية عن القوى العقلية ل«سفاح التجمع»؟    تفاصيل إصابة لاعبي الكاراتية بمركز شباب مساكن إسكو    ميلان يعثر على خليفة جيرو    حزب مصر أكتوبر يجتمع بأمانة الغربية بشأن خطة عمل الفترة المقبلة    جمال شقرة يرد على اتهامات إسرائيل للإعلام: كيف سنعادى السامية ونحن ساميون أيضا؟    توقعات برج الجوزاء في الأسبوع الثاني من شهر يونيو 2024 (التفاصيل)    أحمد فايق: الثانوية العامة مرحلة فى حياتنا علينا الاجتهاد والنتيجة على ربنا    وجدي زين الدين: خطاب الرئيس السيسي لتشكيل الحكومة الجديدة يحمل توجيهات لبناء الإنسان    موعد صلاة عيد الأضحى 2024.. بالقاهرة والمحافظات    جامعة أسيوط تشارك في المؤتمر ال32 للجمعية الأوروبية لجراحي الصدر بإسبانيا    هانى تمام ب"لعلهم يفقهون": لا تجوز الأضحية من مال الزكاة على الإطلاق    خبير تربوى يوجه نصائح قبل امتحانات الثانوية العامة ويحذر من السوشيال ميديا    القباج وجندي تناقشان آلية إنشاء صندوق «حماية وتأمين المصريين بالخارج»    رئيس جامعة الأزهر يبحث مع وزير الشئون الدينية الصيني سبل التعاون العلمي    التشيك: فتح تحقيق بعد مقتل 4 أشخاص وإصابة 27 جراء تصادم قطارين    خبير علاقات دولية: جهود مصر مستمرة في دعم القضية الفلسطينية (فيديو)    الفريق أول محمد زكى يلتقى منسق مجلس الأمن القومى الأمريكى    رئيس هيئة الدواء يستقبل وزير الصحة الناميبى    انطلاق فعاليات الملتقى السنوي لمدراء الالتزام في المصارف العربية بشرم الشيخ    على من يكون الحج فريضة كما أمرنا الدين؟    اعتماد مخططات مدينتى أجا والجمالية بالدقهلية    ياسمين رئيس بطلة الجزء الثاني ل مسلسل صوت وصورة بدلًا من حنان مطاوع    لاعب الإسماعيلي: هناك مفاوضات من سالزبورج للتعاقد معي وأحلم بالاحتراف    ماذا قال الشيخ الشعراوي عن العشر من ذي الحجة؟.. «اكتمل فيها الإسلام»    «تنمية المشروعات»: تطوير البنية الأساسية ب105 ملايين جنيه بالإسكندرية    هيئة الدواء تستعرض تجربتها الرائدة في مجال النشرات الإلكترونية    "مكنتش مصدق".. إبراهيم سعيد يكشف حقيقة طرده من النادي الأهلي وما فعله الأمن (فيديو)    " ثقافة سوهاج" يناقش تعزيز الهوية في الجمهورية الجديدة    المشدد من 7 إلى 10 سنوات للمتهمين بتزوير توكيل لقنصلية مصر بفرنسا    نمو الناتج الصناعي الإسباني بواقع 0.8% في أبريل    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    زغلول صيام يكتب: عندما نصنع من «الحبة قبة» في لقاء مصر وبوركينا فاسو!    أبوالغيط يتسلم أوراق اعتماد مندوب الصومال الجديد لدى جامعة الدول العربية    رئيس وزراء الهند للسيسي: نتطلع للعمل معكم لتحقيق مستويات غير مسبوقة في العلاقات    «تموين القاهرة» تضبط أكثر من 11 طن دواجن ولحوم و أسماك «مجهولة المصدر»    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    كيفية تنظيف مكيف الهواء في المنزل لضمان أداء فعّال وصحة أفضل    توزيع درجات منهج الفيزياء للصف الثالث الثانوي 2024.. إليك أسئلة مهمة    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتابع سير العمل بمشروعات مدينة أخميم الجديدة    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوثائق الإسرائيلية تفتح ملفات حروبهاا بعد تكتم دام طويل
نشر في أخبار مصر يوم 07 - 06 - 2007

بعد حرب الأيام الستة عام 1967، عاشت اسرائيل فترة طويلة من الزهو والعنجهية.
فالانتصار غير المتوقع الذي احرزته في مواجهة مصر وسورية والأردن ومعها فرق من الجيوش العربية الأخرى، جعلها تشعر بأنها انتصرت على الأمة العربية بأسرها. وبدأت تتصرف بهذا النصر بمفاهيم من الانتقام والكيد.
فقد كان أول القرارات الرسمية ضم مدينة القدس الى تخوم الحدود الرسمية لاسرائيل. وكان أول الاجراءت العملية هدم حي المغاربة قرب حائط البراق من أجل توسيع باحة الحائط، الذي يؤمن اليهود انه أحد جدران الهيكل المقدس، ويسمونه «حائط المبكى» و«الحائط الغربي». ثم خرج وزير الدفاع، موشيه ديان بتصريحه الشهير، الذي قال فيه انه ينتظر أن يرن الهاتف، وقصد بذلك انه يتوقع بعد هذه الهزيمة أن يتصل به الزعماء العرب لكي يفاوضوه على السلام بالشروط الإسرائيلية. وزير آخر ذو تأثير في الحكومة الإسرائيلية، هو يغئال ألون، نائب رئيس الوزراء ووزير الاستيعاب، سارع بطرح «حل» للصراع الاسرائيلي العربي مبني على اعادة حوالي ثلثي مساحة الضفة الغربية للأردن، وإبقاء القدس واللطرون وغور الأردن بحيث تضم لاسرائيل. وعندما رد العرب في مؤتمر القمة في الخرطوم باللاءات الثلاث: لا للمفاوضات مع اسرائيل ولا للاعتراف بها ولا للسلام معها، كان العديد من الاسرائيليين يصفقون لأنهم وجدوا فيها فرصتهم للإبقاء على الوضع الجديد الذي تسيطر فيه اسرائيل على مناطق عربية واسعة وتستطيع استخدامها لتوسيع حدودها من جهة، ولإبعاد خطر الحرب عن العمق الاسرائيلي من جهة أخرى. ويذكر أن موشيه ديان، وضع يومها عدة سيناريوهات للمستقبل، فقال ان العرب سيختارون واحدة من ثلاثة احتمالات: حربا شاملة أو حربا محدودة أو انتفاضة شعبية مع مقاومة مسلحة في المناطق المحتلة.
* وعلى الرغم من ان دافيد بن غوريون، كان في ذلك الوقت في الحادي والثمانين من العمر، وعارض الحرب بشدة، إلا ان ديان ورابينوغيرهما من القادة الإسرائيليين السياسيين والعسكريين، ذهبوا اليه طلبا للمشورة وأخذوه الى حائط المبكى «ليتذوق حلاوة النصر، فشجعهم على استثمار النصر ب"تصحيح خطأ» حكومته الأولى من عام 1948 وتعديل حدود اسرائيل باتجاه الشرق». وكان أول «أمر» أصدره أمام حائط المبكى عندما شاهد لافتة محفورة على حجارة الحائط وكتب عليها «حائط البراق»، فقال: «أزيلوا هذه اللافتة». وقد ضحك ديان ورابين عندما سمعاه، قائلين انه جدد شبابه وتصرف كما لو انه ما زال رئيسا للحكومة.
وهرع جنديان من مرافقيهم الى اللافتة وحاولا اقتلاعها، وعندما فشلا في ازالتها أحضرا شاكوشا وراحا يكسران الحروف حتى تحطمت وانمحت. وقال لهم بن غوريون: افرضوا الأمر الواقع. فقط بالاستيطان اليهودي تستطيعون تثبيت حكم الدولة اليهودية.
وكشف ديان في مذكراته لاحقا أنه بدأ التخطيط لتنفيذ وصية بن غوريون قبل أن يسمعها، وتحديدا في الثامن من يونيو (حزيران) 1967، أي قبل ان تخمد المدافع، للمرحلة المقبلة. وبدا انه يختلف عن يغئال ألون، في طرحه ويفتش عن اطار لتسوية القضية الفلسطينية بروح هذا النصر، وذلك بإقامة دولة فلسطينية على الغالبية العظمى من الضفة الغربية من دون القدس ومناطق حيوية اخرى، بحيث تبقى الادارة الأمنية بأيدي اسرائيل، وتقام كونفدرالية بين اسرائيل وفلسطين.
وقد استدعى اسحق رابين، رئيس أركان الجيش، في الشهر التالي وعرض عليهم أفكاره على النحو التالي: تخصص منطقة غور الأردن للتدريبات العسكرية، وتسيطر اسرائيل على رؤوس الجبال وتقيم 4 – 5 نقاط استيطان عسكري تتحول الى استيطان يهودي مدني لاحقا، وتسيطر على مساحات واسعة من الأرض الزراعية لفلاحتها وضمان مصدر رزق لبضعة ألوف من المستوطنين اليهود. وطلب منهم أن يقيموا القواعد العسكرية في الضفة الغربية على اساس هذا البرنامج ويشقوا الشوارع التي تضمن الوصول من منطقة الساحل في اسرائيل الى هذه المستوطنات مباشرة من دون الاضطرار لاستخدام الطرق الفلسطينية. وفي شهر سبتمبر (أيلول) من السنة نفسها بادرت مجموعة من الشبان اليهود المتدينين الى اقامة أولى المستوطنات اليهودية في منطقة «غوش عتصيون» (ما بين بيت لحم والخليل). وبعد ثلاثة اشهر قررت الحكومة مصادرة 20 ألف دونم شمال الضفة الغربية للزراعة وحفر بئر ارتوازية للمياه. وحسب مذكرات شلومو غزيت، مساعد ديان لشؤون «المناطق المدارة» (هكذا سميت الأراضي المحتلة يومها)، فإنه أي ديان واصل اهتمامه بهذا الموضوع ودعا في مطلع عام 1968 مسؤولي وزارة الزراعة ودائرة أراضي اسرائيل وأمرهم بالسيطرة على جميع الأراضي والعقارات المسجلة باسم الدولة في الأراضي المحتلة وكذلك على ما كان مسجلا باسم الغائبين أو العدو، في الدوائر الرسمية (الأردنية بالنسبة للقدس والضفة الغربية، السورية بالنسبة لهضبة الجولان والمصرية بالنسبة لقطاع غزة وسيناء)، والحرص على مصادر المياه لتكون تحت السيطرة الاسرائيلية التامة. الإطمئنان الإسرائيلي * في أبريل (نيسان)، اجتمع القائد العام للمنطقة الوسطى في الجيش الاسرائيلي، عوزي نركيس، مع مجموعة من نشطاء حركة «أرض اسرائيل الكاملة»، وهي حركة يمينية متطرفة بقيادة الحاخام موشيه ليفنغر، وسمح لهم بالصلاة في الحرم الابراهيمي في الخليل بمناسبة عيد الفصح لدى اليهود. وقد بقوا في المكان رافضين المغادرة حتى يومنا هذا. ثم أقاموا مستعمرة قرب الخليل «قريات أربع». وبدأت حملة استيطان موازية في الأراضي السورية المحتلة وحتى في سيناء المصرية. وأراد ديان أن يستوطن حتى في شرم الشيخ، التي قال عنها لاحقا: «إذا كان الخيار بين شرم الشيخ من دون سلام أو سلام من دون شرم الشيخ فإنني اختار شرم الشيخ من دون سلام».
وقد ظهرت معارضة شديدة لأفكار ديان في الحكومة الاسرائيلية، خصوصا من يغئال ألون وفي ما بعد رئيسة الوزراء، غولدا مئير، لكن ليس على مبدأ تثبيت الاحتلال، بل على شكله.
فهؤلاء رفضوا الاعتراف بوجود شعب فلسطيني وقضية فلسطينية. وقد اشتهرت غولدا مئير بتوجيه السؤال: «أين هو الشعب الفلسطيني».
فأجابها ديان: «علينا أن نعترف بأننا في احتلالنا الضفة الغربية وقطاع غزة، ساهمنا في ظهور تلك المجموعة من العرب التي تجد ما هو مشترك بينها. انهم سكان الضفة وقطاع غزة وأقاربهم في الخارج وانهم أيضا يعيشون بيننا، وهم العرب فياسرائيل الذين بدأوا يتصلون مع اخوانهم في المناطق. كما يبدو فإن هناك مخلوقا اسمه الشعب الفلسطيني وعلينا أن نعترف به ونضمن له مستقبلا ملائما لحريته انسلاخه عنا من جهة واعفاء اسرائيل من السيطرة على 1.3 مليون عربي اضافيين هم سكان الضفة والقطاع».
وكان يبدو أن النقاش الداخلي في اسرائيل يجري في عالم آخر بعيد عن الجهود الدولية لايجاد تسوية للصراع. واستخف القادة لاسرائيليون بالمعارك الحربية التي جرت بعد حرب 1967، مثل معركة الكرامة في الأردن، التي فشل فيها الاسرائيليون، وحرب الاستنزاف في سيناء. وكان الاسرائيليون يرون انه طالما أن الحرب تقع داخل تخوم الحدود العربية فإنها لا تشكل خطرا على اسرائيل. ولذلك استمرت سياسة التبجح. وظلت اسرائيل تحاول فرض شروطها بتعنت ظاهر.
ورفضت التوصل الى اتفاق سلام نهائي وشامل وأصرت على الاكتفاء بتسويات مرحلية، مشترطة أن أية تسوية مرحلية كهذه يجب أن تتضمن تعهدا عربيا بانهاء الصراع. وبهذه الطريقة أفشلت اسرائيل مهمة مبعوث الأمم المتحدة، غونار يارينغ، ومشروع وزير الخارجية الأميركي، روبرت روجرز، سنة 1971. وحتى عندما وافق الرئيس المصري الجديد، أنور السادات، على تسوية مرحلية، رفضتها اسرائيل لأنها لم تتجاوب مع «طلباتها الأمنية». وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 1971 عرض الاتحاد السوفياتي مشروعا آخر بواسطة الأميركيين وكان عبارة عن مزيج من التسوية الدائمة والتسوية على مراحل، لكن اسرائيل رفضته. وقد سافرت غولدا مئير خصيصا الى واشنطن (في مطلع ديسمبر) لكي تفسر رفضها له وحملت معها يومها تقريرا من جهاز "الموساد" الاسرائيلي يدعي ان معلومات سرية حصلت عليها من موسكو تفيد بأن السادات وقع على صفقة اسلحة جديدة متطورة مع الاتحاد السوفياتي وان السوفيات وافقوا على طلباته فقط بعد أن تعهد لهم بالسير معهم في المخطط لدحر الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. وقد عادت مئير تحمل تعهدا من الرئيس ريتشارد نكسون بألا يطرح خطة سلام أميركية مشتركة مع السوفيات (مذكرات اسحق رابين).
وهكذا أصيبت بالشلل محاولات التسوية، خصوصا في عام 1972 حيث نشبت أزمة باكستان الهند، فاستقطبت اهتمام الأميركيين والسوفيات، وحيث قام الرئيس المصري بطرد الخبراء السوفيات فاعتبر الإسرائيليون ذلك اشارة للتخلي عن خيار الحرب. وكان الجيش الاسرائيلي قد ضاعف ميزانيته العسكرية خلال السنوات الماضية منذ حرب 1967، فزاد عدد طائراته المقاتلة من 200 الى 350 والدبابات من 1300 الى 2000، ولكن في سنة 1972 تم تخفيض الميزانية العسكرية نتيجة لهذا الاطمئنان.
وزادت القناعة في اسرائيل بأن العرب لن يحاربوا، على الأقل في السنوات القريبة. حرب أكتوبر * على خلفية تلك الأوضاع، الانطلاق من سكرة النصر في تقويم الأمور والاستخفاف الاسرائيلي بالعرب والتعامل معهم بعنجهية وغرور ومحاولة استثمار النصر العسكري بأقصى سبل الابتزاز، وفشل المبادرات للتسوية، نشبت حرب أكتوبر 1973. وقد صدمت هذه الحرب الإسرائيليين وأحدثت لديهم زلزالا سياسيا وعسكريا كبيرين، ما زال محور نقاش ودراسات وأبحاث حتى اليوم.
هناك من يرى ان اسرائيل تعلمت الدرس منه وهناك من يرى انها لم تتعلم الدرس. وعلى اثر اخفاقات الحرب الأخيرة في لبنان، والنتائج الأولية للتحقيق الذي أجرته لجنة فينوغراد الحكومية، عاد الكثيرون الى تقرير لجنة تحقيق أخرى هي «لجنة أغرنات»، التي حققت خلال سنة 1973 – 1974 في اخفاقات حرب أكتوبر، وخلصت الى استنتاجات كثيرة ومهمة حول تلك الحرب.
تقرير لجنة أغرنات محفوظ بمنتهى السرية في أرشيف الجيش الاسرائيلي. ولكن بعد الحرب في لبنان تقرر الافراج عنه بشكل جزئي. ولكي نفهم ما جاء في تقرير لجنة أغرنات جيدا، لا بد من اعطاء فكرة عن الأجواء التي أحاطت به، منذ نشوب حرب أكتوبر 1973. ولا بد من التذكير بالأحداث التي سبقت الحرب ومراجعة بعض ما نشر في اسرائيل حول هذه الحرب واسرارها، خلال ال33 عاما الماضية. وسنفعل ذلك جنبا الى جنب مع نشر مقاطع واسعة من التقرير نفسه لجنة أغرنات
* حرب أكتوبر جاءت بمبادرة عربية مصرية سورية مشتركة، حيث قامت القوات البرية المصرية بهجوم على القوات الاسرائيلية التي تحتل سيناء وفي الوقت نفسه، الساعة الثانية من ظهر يوم السبت 6 اكتوبر 1973، قامت القوات السورية البرية بمهاجمة القوات الاسرائيلية التي تحتل هضبة الجولان السورية المحتلة. وفي الأيام الأولى من الحرب تمكن الجيش المصري من كسر خط بارليف الحصين على طول قناة السويس ووصل الى عمق 15 – 20 كيلومترا في سيناء، وتمكن الجيش السوري من تحرير كامل هضبة الجولان، بما في ذلك جبل الشيخ والقلاع الحصينة التي بناها الجيش الاسرائيلي فيه. واستمرت الحرب حتى نهاية الشهر تقريبا وأقامت الولايات المتحدة جسرا جويا لنقل العتاد والأسلحة بما في ذلك طائرات يقودها طيارون أميركيون. وتمكنت اسرائيل من استعادة السيطرة على الجولان وتقدمت مسافة ما في الجزء الذي بقي منه في سورية بعد حرب 1967 وراحت تهدد دمشق، مما دفع بقوات عراقية للتقدم نحو العاصمة السورية لحمايتها، وتمكنت قوة اسرائيلية بقيادة الجنرال أرئيل شارون، (الذي أصبح رئيسا للوزراء في ما بعد ويرقد حاليا في المستشفى بلا وعي)، من إحداث ثغرة كبيرة والالتفاف وراء القوات المصرية غرب قناة السويس وتطويق الجيش الثالث المصري. وهدد الاتحاد السوفياتي بالتدخل العسكري لفك الحصار عن الجيش المصري. وكادت الدولتان العظميان تصلان الى مواجهة مباشرة على الأرض المصرية. وانتهت الحرب في 28 أكتوبر بعد قبول جميع الأطراف بقرار مجلس الأمن رقم 338، وعقد اتفاقان لفصل القوات عادت بموجبه القوات الاسرائيلية الى الخلف لتنتهي الحرب بنجاح مصر وسورية في تحرير جزء مهم من أراضيهما المحتلة عام 1967. في اسرائيل، وبنفس طريقة التبجح المألوفة، رفضوا رؤية هذه الحرب دليلا على قدرات قتالية عربية. وأصروا على اعتبار الأمر «إهمالا إسرائيليا خطيرا»، لا بد أن يدفع ثمنه المسؤولون عن الاهمال. وراحوا يطالبون بتشكيل لجنة تحقيق رسمية ذات صلاحيات تنفيذية لفحص ما جرى ومعاقبة المسؤولين عن الفشل. وعندما تجاهلت الحكومة هذا المطلب، انطلقت حملة جماهيرية واسعة تطالب باستقالة الحكومة كلها، وفي المقدمة رئيستها، غولدا مئير، ووزير الدفاع، موشيه ديان. وقاد هذه الحملة أحد ضباط جيش الاحتياط، موطي اشكنازي، الذي عاد لتوه من الجبهة ليعلن الاعتصام أمام بيت رئيسة الحكومة الى حين تقدم استقالتها. وانضم الى الحملة، بطريقته الخاصة، أرئيل شارون، الذي ادعى في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» (10 نوفمب)، بأنه كان في مقدوره أن يجبر الجيش المصري على العودة من سيناء والاستسلام أمامه وتحقيق انتصار إسرائيلي كاسح في هذه الحرب لكن قادة الجيش ومعهم القيادة السياسية، منعوه من ذلك وحجبواعنه ما طلبه من تعزيزات وفرضوا عليه التقدم ببطء شديد.
وكانت تلك اشارة منه لتصعيد الهجوم على القيادة السياسية والعسكرية، حيث ان الشعب رأى في شارون بطل هذه الحرب، في حين حاول قادته معاقبته على رفض الامتثال للأوامر التي أرادت منعه من تنفيذ تلك الثغرة لأنها تشكل خطرا على الوف الجنود والضباط. وكانت الحكومة قد فرضت على المواطنين ضريبة حرب، تعطى كقرض طويل الأمد للدولة. ومع انتهاء الحرب كشف ان عدد القتلى فيها بلغ 2222 شخصا، ثم عاد الجرحى الى بيوتهم، وعددهم 7251 جنديا وضابطا، وراحوا يروون العجائب عن فظائع الحرب. ويكشفون أنهم خدعوا عندما قال لهم قادتهم السياسيون والعسكريون بأن العرب يهربون أمام جنود اسرائيل ولا يجيدون القتال.
كل هذه الأمور وغيرها شكلت ضغطا شديدا على الحكومة، وفي 18 نوفمبر 1973 رضخت الى هذه الحملة وقررت تشكيل لجنة تحقيق قضائية رسمية للتحقيق في الحرب.
ومع ان نص القرار الحكومي بدا ضبابيا وحدد صلاحيات اللجنة للتحقيق فقط في أمرين هما:
معرفة المعلومات عن الاستعداد للحرب (في الطرف المصري والسوري) واستعداد الجيش الاسرائيلي للحرب، إلا ان اللجنة وسعت نطاق تحقيقها وأصدرت توصيات قاسية أدت الى الاطاحة برئيس الأركان وبرئيس الاستخبارات العسكرية وغيرهما.
وتشكلت لجنة التحقيق من القاضي المتقاعد في المحكمة العليا، د. شمعون أغرنات (رئيسا)، وقد عرفت اللجنة باسمه، والقاضي المتقاعد في المحكمة العليا، موشيه لانداو، ومراقب الدولة القاضي د. يتسحاق يبتسئيل، ورئيس الأركان الأول للجيش الاسرائيلي الجنرال في الاحتياط يغئال يدين، ورئيس الأركان الثاني، حايم لسكوف.
وكان من دوافع هذا الرضوخ أن اسرائيل استعدت لخوض انتخابات عامة للكنيست في اليوم الأخير من السنة، وهي الانتخابات التي كانت مقررة لأحد ايام الحرب. وتأجلت بسبب الحرب.
وقد رفع الحزب الحاكم (المعراخ وهو تجمع حزب العمل وأحزاب يسارية ولبرالية صغيرة أخرى)، شعارا يأخذ بالاعتبار الغضب العارم على الحكومة بسبب الفشل في الحرب، هو «المعراخ، رغم كل شيء». ونجح هذا الشعار في ابقاء حزب العمل في الحكم. تدحرج قرارات اللجنة * لقد عقدت لجنة أغرنات 156 جلسة استمعت خلالها لشهادات 90 شخصية سياسية وعسكرية كبيرة، بمن في ذلك رئيسة الحكومة والوزراء ووزراء سابقين وجنرالات في الاحتياط، وتبقت 188 شهادة أخرى من داخل مؤسسة الجيش لجنود وضباط كانوا شهود عيان لأحداث، وقد اعتمدت اللجنة على طاقم تحقيق ثانوي لجمعها.
كما تلقت 424 شهادة من أشخاص تطوعوا لاطلاع اللجنة على مشاهداتهم وآرائهم. وأصدرت ثلاثة تقارير عن عملها:
الأول وهو تقرير مرحلي وجزئي وقررت اللجنة أن يكون علنيا. اصدرته اللجنة في يوم الأول من أبريل 1974، أي بعد خمسة أشهر من عملها. وقيل انه كان مثل كذبة الأول من أبريل، من الصعب تصديقه. فقد اعتبر قاسيا جدا، لأنه منذ البداية وضع اصبع الاتهام في الفشل نحو عدد من الشخصيات العسكرية كمسؤولة مباشرة عن الفشل، وفي مقدمتهم رئيس أركان الجيش، دافيد العزار، الذي استقال فور صدور التقرير، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، ايلي زعيرا، وثلاثة ضباط كبار من مرؤوسيه، والجنرال شموئيل غونين، قائد المنطقة الجنوبية.وأشار التقرير الى قصور الوزراء أيضا، لكنه امتنع عن التوصية بشيء نحو أي منهم. وترك لهم الخيار لاستخلاص النتائج التي يرونها مناسبة. وقد امتنعوا عن استخلاص النتائج، فتصاعدت الحملة الجماهيرية ضدهم بايحاء من عدد كبير من ضباط الاحتياط الذين رفضوا أن يدفع الجنرالات وحدهم ثمن الفشل. وأثمرت الحملة فعلا بعد أسبوع واحد (11 أبريل باستقالة رئيسة الحكومة، غولدا مئير، واعلانها اعتزال السياسة ومثلها فعل وزير الدفاع، موشيه ديان، الذي انصبت الانتقادات عليه من كل حدب وصوب كصاحب النظريات الأمنية والاستراتيجية الأساسية لاسرائيل في كل تلك الفترة من حرب 1967 الى حرب 1973. واعتزل معهما قائدان تاريخيان في اسرائيل، وزير الخارجية أبا ايبن، ووزير المالية بنحاس سبير، مع انهما لم يتعرضا لانتقادات كبيرة.
التقرير الثاني: وقد صدر في الفاتح من يوليو 1974 وكان سريا تماما ووجه الى الحكومة فقط مع التوصية بأن يطلع عليه قادة الجيش ومن ترى الحكومة بأنه سيستفيد منه ويحافظ في الوقت نفسه على سريته التامة. وفي هذا التقرير رصد شامل للأحداث العسكرية والسياسية والدولية خلال الحرب، ولذلك يعتبر أهم التقارير الثلاثة وتنشره «الشرق الأوسط» كاملا تباعا، ابتداء من هذا العدد.
التقرير الثالث: وقد صدر في 28 يناير 1975، وهو الأكبر (1511 صفحة)، وقد تم توجيهه الى الحكومة ولجنة الخارجية والأمن في الكنيست.
وهو أيضا كامل السرية ويتعلق بقضايا الجيش وضرورة تنفيذ اصلاحات واسعة فيه. وسننشر استعراضا له في «الشرق الأوسط»، بعد نشر التقرير الثاني.
لقد قوبلت تقارير «لجنة أغرنات» بردود فعل صاخبة في اسرائيل، لم تهدأ حتى اليوم.
فبالاضافة الى التغييرات التي أحدثتها بشكل مباشر أو غير مباشر في قيادة الجيش والحكومة، أدت الى احداث تغييرات في عمل الجيش وطرق استعداداته الحربية وادارة شؤونه الداخلية. ففي سنة 1975 تقررت اقامة لجنة وزارية لشؤون الأمن تكون مؤلفة من الوزراء العاملين في القضايا الأمنية والاقتصادية لتكون لجنة مهنية لشؤون الحرب. وفي سنة 1976 تم تعديل قانونأساس الجيش ليحسن آلية اصدار الأوامر الحكومية للجيش بروح توصيات «لجنة أغرنات». وتقرر تعيين مستشار خاص لرئيس الحكومة متخصص في شؤون الاستعلامات والاستخبارات، وفيما بعد تم تشكيل مجلس للأمن القومي. وأقيمت دائرة بحث استخباري في وزارة الخارجية، حيث لم يعد هناك اعتماد كامل فقط على الاستخبارات العسكرية. وجرت تغييرات واسعة في أسلوب عمل شعبة الاستخبارات العسكرية. وأقيمت وحدة جديدة في «الموساد»
أيضا بهدف عدم الاعتماد على استخبارات الجيش وحدها. لكن من هاجم اللجنة كان أكثر ممن أفاد من توصيتها. فقد هاجمها الجنرالات عموما، والجنرالات الذين أشارت اللجنة اليهم بإصبع الاتهام بشكل خاص. ونشرت في اسرائيل عشرات الكتب وألوف الأبحاث الأكاديمية والعسكرية التي تطعن فيها وتمس مصداقيتها. ومن أقسى الانتقادات لها كان كتاب الجنرال ايلي زعيرا، رئيس الاستخبارات العسكرية، الذي حاول أن يثبت بأن اللجنة أقيمت سلفا بهدف واضح هو تبرئة البعض وادانة البعض وفقا لحسابات شخصية وسياسية، وانه كان ضحية للمؤامرة التي انخرطت فيها اللجنة.
هنا استفز رئيس وأعضاء لجنة أغرنات، وفي سنة 1993، أي بعد 20 سنة من الحرب، تقدم القاضي شمعون أغرنات والجنرال يغئال يدين بطلب رسمي إلى الحكومة لكي تكشف تقارير اللجنة «حتى تضع حدا لعمليات التزييف التي يجريها بعض الباحثين من أجل مصالح ضيقة».
وفي السنة نفسها توجهت صحيفة «معاريف» الى محكمة العدل العليا تطلب نشر التقارير. وفي 4 أبريل 1994، أبلغت الحكومة المحكمة بأنها قررت نشر التقارير. وشكلت الحكومة لجنة من خاصة تعمل مع «دائرة الأمن الميداني» خاصة تعمل مع «دائرة الأمن الميداني» في رئاسة أركان الجيش لتقرر كيفية النشر ومضمونه. وتم النشر الأول في مطلع عام 1995، ولكن مقاطع أساسية منه شطبت بدعوى السرية والمصالح الأمنية. وفقط في السنة الماضية أميط اللثام عن كل صفحات التقرير، باستثناء بعض الجمل التي مازالت تحسب سرية.
وتبحث اللجنة حاليا في مصير ألوف الوثائق والبينات والشهادات المرفقة بالتقرير والتي ما زالت سرية، وفيها الكثير من المعلومات الحساسة والدقيقة التي تصر المخابرات الاسرائيلية على ابقائها سرية، خصوصا تلك التي تتعلق بشخصيات من العالم العربي تعاملت مع اسرائيل بسرية، كجواسيس بأجرة أو كمسؤولين سياسيين قاموا بتزويد اسرائيل بمعلومات من دون مقابل مالي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.