ما تلبث الأمور قي محافظة «صعده» اليمنية أن تهدأ بين الجيش اليمني وما يطلق عليهم «المتمردون الحوثيون» إلا وتشتعل من جديد، وكأن هناك من يفزعه أن تتوقف هذه الحرب، وكأن هناك من تتعارض مصالحه مع توقف آلة القتل في صعدة بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد والعرق الواحد. وقد جاء الصراع المسلح الأخير في صعده في إطار سلسلة من القلاقل التي يشهدها اليمن منذ عدة أشهر فمن التوترات التي سادت الجنوب والتي طالبت بانفصال الجنوب عن الشمال وقادها ما يعرف ب «الحراك الجنوبي» تحت مبرر سوء توزيع الدخل وانفراد الشمال بالخدمات والإعمار والاهتمام وتكريس الحكم في الشماليين فقط، إلى عمليات خطف السياح الأجانب التي تكررت بشكل مقلق، واستهداف المصالح والمقرات الأجنبية باليمن، وأخيرا وليس آخرا تطور الصراع المسلح واشتداد المواجهة بين الجيش اليمني والحوثيين ليدفع اليمن وحده فاتورة كل هذه التوترات والقلاقل والصراعات ويدفع المواطن اليمني من ماله وأمنه واستقراره وحياته فاتورة كل ذلك. الشروط الستة... في البداية أكد مندوب اليمن الدائم لدي جامعة الدول العربية السفير عبد الملك منصور أن حكومة بلاده وضعت ستة شروط لوقف العمليات العسكرية ضد جماعة الحوثيين في محافظة صعدة تتمثل في الالتزام بكافة الاتفاقيات التي توصلت إليها لجان الوساطة، وبسط سلطة الدولة وسيادتها علي مختلف مجريات محافظة صعدة، وأن تجري العناصر التخريبية مراجعة لأفكارها والعودة إلى جادة الصواب. وقال: إن الحكومة اليمنية في إطار هذه الشروط أيضا علي استعداد للنظر في مطالب الحوثيين في إطار الدستور والقانون، وأن تقوم بتخصيص المزيد من الموارد لإعادة إعمار المنطقة، ولكن شريطة أن يوقف المخربون،حسب وصفه، العنف وأعمال التخريب. وأشار إلى أن الحكومة اليمنية قدمت مبادرات كثيرة لحل الخلافات السياسية في الداخل، وفتحت أبواب الحوار مع كل أطياف المعارضة، وشدد علي أن المبادرات دائما تحتاج إلى عقول مفتوحة ونوايا سليمة تهدف للتوصل إلى توافق وليس لفرض قناعات أو ابتزاز الحكومة. وأضاف منصور: أن هناك حدودا للحوار، والمبادرات تتعطل عندما تبدأ الأطراف بممارسات تمس سيادة الدولة أو تنتقص من سلطاتها الدستورية وفي هذه الحال يجب علي الدولة القيام بمسؤولياتها لتطبيق الدستور وفرض هيبة القانون وهذا هو ما نفعله. وتابع: أنه بغض النظر عن التدخل الخارجي، فإن الحكومة مسؤولة عن مواجهة أي مجموعة تحمل السلاح لفرض رؤية سياسية أو مذهبية ما دام الباب مفتوحا أمامها لممارسة السياسة ضمن إطار التعددية السياسية، وهم أحرار في اعتناق المذهب الذي يرغبون فيه، وهو حق كفله الدستور. سياسة الإقصاء ومن جانبه، اعتبر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير صلاح فهمي أن ما يحدث باليمن أمر طبيعي نتيجة السياسات التي تنتهجها الحكومة اليمنية وسياسة الإقصاء التي تتبعها والكيل بمكيالين والاهتمام بمناطق معينة في اليمن علي حساب مناطق شاسعة أخري علي أساس تمييز سياسي ومذهبي وهو ما يشعل المعارضة ضد النظام اليمني شمالا وجنوبا ويتسبب في إحراج النظام الحاكم في اليمن بسبب كثرة المعارضات وتطورها واستهدافها للمصالح الأجنبية والأجانب في اليمن قبل أن يتطور الأمر إلى مواجهة مسلحة بين القوات اليمنية والحراك الجنوبي جنوب اليمن، ومؤخرا مع الحوثيين في محافظة صعدة. وقال: إن الوضع في اليمن خاصة فيما يتعلق بالحوثيين شأنهم شأن جميع الدول العربية التي بها انشقاقات طائفية كالعراق والسودان ولبنان والصومال وغيرها من الدول العربية، لا يختلف كثيرا من دولة إلى أخري فهو راجع إلى السياسات التي تتبعها أنظمة الحكم فيها والتي يسيطر عليها الأفراد وليس المؤسسات في جميع الدول العربية، وأشار إلى أنه نتيجة لذلك انتشرت فئات غاضبة مثل الحوثيين والزيدية والحراك الجنوبي للثورة علي النظام الحاكم في اليمن». وحول ما يتردد عن وجود تدخلات خارجية في الصراع القائم في صعده حاليا، قال فهمي:بعض الدول والأنظمة وخاصة المحيطة باليمن أو تلك التي تسعي إلى نشر أفكارها ونفوذها، تسعي لتحقيق مصالحها وأهدافها من خلال التدخل في الأحداث القائمة في صعدة من خلال ما يعرف «بالحرب بالوكالة». التدخل الخارجي وأكد رئيس وحدة الأمن الإقليمي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية الدكتور محمد عبد السلام خطورة الوضع في اليمن وإمكانية تعقد الأمور هناك أكثر وأكثر، محذرا من أن يتحول اليمن إلى أفغانستان جديدة خاصة في ظل وجود تقارير تؤكد وجود تدخلات إيرانية لدعم الحوثيين باعتبارهم جماعة شيعية ونواه لنشر المذهب الشيعي في اليمن واتخاذ اليمن قاعدة انطلاق لنشر المذهب الشيعي في منطقة الخليج والقرن الأفريقي. وقال:إنه لذلك كان من الطبيعي أن تثير هذه التحركات مخاوف العديد من دول المنطقة والتي وجدت في هذه التحركات الإيرانية التفافا من الخلف لمحاصرتها مذهبيا ومن ثم تهديد أمنها القومي»، مشيرا إلى أن هذا ربما يكون السبب في التقارير التي تحدثت عن دور ودعم من دول إقليمية لليمن ولو بطريق غير مباشر لمواجهة هذا الخطر. ويقول الخبير بمركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس الدكتور أنور زناتي: إن هدف الحوثيين من الحرب مع السلطات اليمنية هو الانقلاب على النظام وإعلان دولة تكون تابعة للمذهب الرافضي الإثني عشري مع العلم أن الغالبية العظماء من الشعب اليمني،قرابة 18 مليون نسمة، سنية المذهب، مضيفا:أن هؤلاء المتمردين هم قلة، وأن أتباع ذلك المذهب لا يتجاوز واحد في المائة من سكان اليمن البالغ عددهم واحد وعشرون مليون نسمة. وأوضح أن الحوثية حركة شيعية زيدية تأسست في صعدة شمال اليمن وتنتسب لحسين بدر الدين الحوثي الذي أسسها قبل عام 2003، مشيرا إلى أن المجموعة يقودها الآن عبد الملك بدر الدين الحوثي. ولفت إلى أن جذور هذا التيار تعود إلى عام 1982، وبدأت نواته على يد الشيخ صلاح أحمد فليته، والذي أنشأ في عام 1986 بدعم إيراني «اتحاد الشباب المؤمن»، لافتا إلى أنه مما كان يُدرس لأعضاء هذا الاتحاد، مادة عن الثورة الإيرانية كان يقوم بتدريسها الأخ الأكبر لحسين بدر الدين الحوثي محمد بدر الدين. وقال: إن الحركة تدعو بالأساس إلى إنكار نظام الجمهورية واعتماد «الإمامة» أساسا للحكم وهو أمر يقلق السلطة لخوفها من حدوث حرب أهلية طائفية في البلاد، كما أنه يسبب قلقا بالغا لأطراف أخرى. وأكد زناتي علي أن كل الدلائل والتقارير تؤكد وجود دعم خارجي للتمرد الحوثي، وهو ما ينفيه الحوثيون، موضحا أن حركة بمثل هذه القوة لابد وأن يكون لها دعماً خارجياً بصورة أو بأخرى وهو ما يوجه أصابع الاتهام لإيران في ضوء حقيقة أن أحد أهداف الثورة الإيرانية نشر المذهب الشيعي وتصدير الثورة إلى كل الأقطار. ونوه أيضا إلى التقارير التي تشير إلى أن إيران تعمل على تقديم المال وتغذية الأفكار والخطط العسكرية والمواجهة مع الأجهزة الأمنية اليمنية من أجل تصدير الثورة الخمينية إلى أرض بلاد اليمن. وقال: إنه بجانب الدعم الذي يحصل عليه الحوثيون عن طريق المؤسسات الخارجية، مثل مؤسسة «أنصارين» في مدينة «قم «الإيرانية، ومؤسسة «الخوئي» في لندن، ومؤسسة «الثقلين» في الكويت، ومؤسسات تابعة لحزب الله في لبنان، وغيرها من المؤسسات والجمعيات، فإن هناك دعما إيرانيا مباشرا. ولفت أيضا إلى ما يمكن أن يسمي بالدور الليبي في دعم الحوثيين في صعدة، مدللا علي ذلك بإعلان الحكومة اليمنية أنها تعتبر الزيارات المتكررة التي يقوم بها النائب الذي رفعت حصانته يحيى الحوثي شقيق قائد التمرد الحالي لليبيا دليلا على الدعم الليبي للمتمردين في هذه المحافظة. التسوية السلمية وشدد علي أنه علي الحكومة اليمنية أن تدرك بأن القوة المفرطة وحدها لن تفيد مهما كانت، ولابد من تسوية سلمية تحقق مطالب كل طرف مع بعض التنازلات من كلا الطرفين وهي تنازلات لابد منها للتوصل إلى حل دائم دون الرجوع لخط المواجهة من جديد. وطالب بالبدء في تسوية الإفراج عن الرهائن الأجانب المختطفين وإزالة جميع حواجز التفتيش التي تعيق حركة المواطنين تطبيقاً للقانون والدستور اليمني الذي ينص على حماية المواطنين وممتلكاتهم من اعتداءات المتمردين وإحلال الأمن والاستقرار، والبدء في حوار مؤسسي واضح بين طرفي النزاع الرئيسيين الحكومة اليمنية والحوثيين لوقف نزيف الدم اليمني ووقف الخسائر التي يتحملها اليمن سواء كانت هذه الخسائر من هذا الطرف أو ذاك. إضاءة أكد رئيس وحدة الأمن الإقليمي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية الدكتور محمد عبد السلام خطورة الوضع في اليمن وإمكانية تعقد الأمور هناك أكثر وأكثر، محذرا من أن يتحول اليمن إلى أفغانستان جديدة خاصة في ظل وجود تقارير تؤكد وجود تدخلات إيرانية لدعم الحوثيين باعتبارهم جماعة شيعية ونواه لنشر المذهب الشيعي في اليمن واتخاذ اليمن قاعدة انطلاق لنشر المذهب الشيعي في منطقة الخليج والقرن الأفريقي. وقال: إنه لذلك كان من الطبيعي أن تثير هذه التحركات مخاوف العديد من دول المنطقة.