ازدادت في الآونة الأخيرة عدد الجبهات المفتوحة للصراع داخل اليمن بحيث وصفها العديد من المراقبين بالنموذج الأكثر ترشيحاً للتحول إلي أفغانستان جديد بعد نموذج الصومال الذي شهد وعلي مدار السنوات الأخيرة فوضي عارمة وفراغاً سياسياً عجز عن لم الشمل الداخلي حتي أصبحت البلاد عرضة للتدخلات الخارجية والأممية الواحدة تلو الأخري في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. اليمن وإن كان يتمتع بحكومة مركزية ذات ثقل فإنه شهد في الشهور الأخيرة تكثيف لثلاث قوي تتهدد أمنه ومستقبل وحدته. مخاطر داخلية فهناك تمرد الحوثيين في الشمال والساعين لتحقيق مكاسب سياسية لطائفتهم الزيدية بين الداعين لإحياء الإمامة الزيدية التقليدية وأولئك الداعين لإقامة إمارة إسلامية زيدية وغيرهم من المعتدلين الذين يطالبون بتمثيل سياسي أكبر للزيديين وبمساواة في التنمية والموارد تنقذهم من التهميش الذين يرون أنه أصاب مجتمعاتهم. الحوثيون أو كما يطلقون علي أنفسهم " الشباب المؤمن" جماعة ظهرت في الثمانينات من القرن الماضي حيث أسسوا في عام 1986 حركة "جماعة الفتية" علي يد صلاح أحمد فتيلة من طلاب حجة الدين المؤيدي وبدر الدين الحوثي، الزعيم الروحي للحوثيين. وتحولت الحركة من النشاط التربوي إلي النشاط السياسي عندما أسست حزب "الحق" ليمثل الشيعة الزيدية في البرلمان اليمني. وفي عام 1997، حدث انشقاق داخلي في الحزب عندما انفصل حسين بدر الدين الحوثي وأسس حركة الشباب المؤمن التي استمرت في المطالبة بحقوق الطائفة الزيدية حتي عام 2004 عندما تحول صراعها مع الحكومة إلي شكل مسلح مستمر لفت الأنظار إليها إقليمياً ودولياً. ثم هناك أيضاً تمرد الانفصاليين الجنوبيين الذين يتزعمهم نائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض والمقيم حالياً في اليمن، وهؤلاء يطالبون بانفصال عن الشمال الذين يصفونه بالمحتل لبلادهم. ونشطت المطالب الانفصالية في الثلاث سنوات الماضية حيث تشكلت حركة احتجاجات عام 2007 وعرفت باسم "الحراك الجنوبي". وفي العام الماضي، أعلنت ثلاث قوي من الحراك الجنوبي هي المجلس الوطني الأعلي لتحرير واستعادة دولة الجنوب المستقلة والهيئة الوطنية العليا للاستقلال والهيئة الوطنية للنضال السلمي الجنوبي بزعامة حسن أحمد باعوم والعميد ناصر النوبة والدكتور صالح يحي سعيد اتفاقها علي تشكيل الجبهة الوطنية المتحدة للنضال السلمي لتحرير واستقلال واستعادة دولة الجنوب. وكأن هذه المعادلة المشحونة بالصراعات لم تكن تكفي لشغل أجندة الحكومة المركزية في صنعاء، فأضاف لها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب (وهو الاندماج الجديد بين عناصر القاعدة في كل من اليمن والسعودية منذ يناير الماضي) تحدي آخر بعد أن قام بتكثيف ليس فقط تواجده في اليمن ولكن بتكثيف حجم عملياته من الأراضي اليمنية وداخلها بحيث قدرت الجهات الأمنية اليمنية عدد العمليات الإرهابية التي قام بها التنظيم منذ عام 1992 بنحو 62 عملية إرهابية تهددت ليس فقط الأمن الداخلي في اليمن ونظام الرئيس علي عبد الله صالح الذي تتهمه بموالاة الغرب وإسرائيل بل تهددت أيضاً الرموز والمصالح الحكومية والأجنبية، وكانت أكثرها دموية الهجوم علي المدمرة الامريكية "يو اس اس كول" في خليج عدن عام 2000 والتي أودت بحياة 17 بحاراً أمريكياً. نشاط عناصر القاعدة تواجد تنظيم القاعدة في اليمن ملف قديم استهدف نظام الرئيس علي عبد الله صالح بعد أن أعلن تحالفه مع القوات الدولية والأمريكية في إعلان الحرب علي الإرهاب منذ تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ويعتقد أن تكثيف تنظيم القاعدة لنشاطه هدف أيضا للرد علي الحكومة التي رفضت مطالب القاعدة بالافراج عن العديد من عناصرها المحتجزين في السجون اليمنية. غير أنه وعلي الرغم من هذين الهدفين المعلنين لتنظيم القاعدة في اليمن، فقد تعددت النظريات حول تواجدهم والذي أرجعه البعض لاستخدامهم من قبل الرئيس اليمني ذاته في صراعه ضد الحوثيين وغيرهم من معارضيه الداخليين. وهو ما أيدته بعض التقارير الاستخباراتية الأمريكية التي أشارت إلي أن هذا التعاون بين النظام اليمني وبين القاعدة اتسم بالانتقائية حيث إن هناك أدلة علي تعاون النظام في بعض القضايا التي تخص القاعدة دون غيرها. سواء صحت هذه النظرية أم لا، فإنه من المؤكد أن انشغال القوات اليمنية بمحاصرة وإخماد تمرد الحوثيين من أنصار بدر الدين الحوثي في محافظة صعدة الشمالية كان من أهم أسباب نشاط عناصر القاعدة في اليمن. وقام التنظيم بتعيين زعيم جديد للتنظيم هو أبو بصير ناصر الوحيشي السكرتير الشخصي السابق لأسامة بن لادن وهو أحد الفارين من أحد السجون في صنعاء في فبراير عام 2006 يعرف أبو بصير ناصر الوحيشي بكنيته القتالية أبو هريرة الصنعاني ويعرف فرع التنظيم باليمن باسم القاعدة للجهاد في اليمن. ووصف أبو هريرة الصنعاني الصراع الحالي بأنه صراع بين الكفر والإيمان، وهدد الحكومة اليمنية بملاحقتها لتعاملها مع من وصفهم بالصليبيين في حملتهم علي المسلمين ومنع نصرة المجاهدين في العراق وتحكيم القوانين الكافرة التي لا تمثل شريعة الله وإنما قوانين "الطواغيت الظالمين". كما هدد الوحيشي بالاطاحة بالأسرة الحاكمة في السعودية وباستهداف المصالح الغربية في اليمن، وفي أغسطس الماضي، حاول عبد الله العسيري من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب اغتيال الأمير محمد بن نايف الذي يقود حملة مكافحة الإرهاب في السعودية. تنسيق مع الولاياتالمتحدة والسعودية التطور الجديد الذي شهده ملف التصدي للقاعدة في اليمن شهد تنسيق أمني واستخباراتي ولوجيستي مكثف بين القوات اليمنية وكل من الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة العربية السعودية. وأفضي هذا التعاون إلي سلسلة من الهجمات التي استهدفت معاقل القاعدة باليمن ولا سيما معسكر التدريب في المعجلة بمديرية المحفد في محافظة أبين الجنوبية في السابع عشر من ديسمبر الجاري وأسفرت عن مقتل 30 من عناصر القاعدة والقبض علي أكثر من 30 آخرين، وأخري بعدها بأسبوع استهدفت اجتماعاً لعشرات من عناصر القاعدة في منطقة وادي رفض الجبلية في مديرية الصعيد بمحافظة شبوة وأسفرت عن مقتل 34 من تنظيم القاعدة من بينهم القياديين سعد الفطحاني ومحمد أحمد صالح عمير. وعلي مستوي الدعم الأمريكي، يذكر أن واشنطن قدمت هذا العام لليمن أكثر من ستين مليون دولار في شكل سفن ومعدات حربية ومروحيات. هذه الملفات الشائكة في اليمن لم تخل من تعقيدات إقليمية ودولية بين استمرار اتهام اليمن لإيران بدعم تمرد الحوثيين، واستمرار اتهام القاعدة لليمن بموالاة الولاياتالمتحدة واستمرار القلق السعودي من تمرد الحوثيين واستمرار اتهام الحوثيين للسعودية بدعم القوات اليمنية في هجومها عليهم وهو الأمر الذي شهد تصعيداً بعد سيطرة قوات المتمردين مؤخراً علي أراض ومواقع سعودية حدودية، مثل جبل الدخان وجبل الدود والجابري والرميح، لوقف هجمات الجيش اليمني منها، مما جعل القوات السعودية تتوغل مئات الكيلومترات داخل الحدود اليمنية الشمالية في اشتباكات أسفرت عن مقتل 73 جندياً سعودياً وفقدان 26 آخرين وفقاً لتصريحات الأمير خالد بن سلطان، مساعد وزير الدفاع السعودي. استياء داخلي تدخل القوي الإقليمية والدولية قوبل باستياء من المتمردين والمعارضة وتنظيم القاعدة، وأعلن متحدث باسم المتمردين الحوثيين أن 54 مدنياً بينهم نساء وأطفال قتلوا في غارة شنها الطيران السعودي علي مدينة النظير في منطقة رازح بمحافظة صعدة شمال اليمن. كما اتهم المتمردون الحوثيون سلاح الجو الأمريكي بالاشتراك في غارات عليهم أسفرت عن مقتل 120 شخصاً علي الأقل. كما انتقد الزعيم اليمني الجنوبي علي سالم البض ما وصفه بادعاءات النظام اليمني بوجود عناصر للقاعدة في المناطق التي تم قصفها في محافظة أبين، وطالب بالتحقيق في ملابسات الغارات التي أسفرت عن مقتل نحو 60 مدنياً. في الوقت نفسه، توعد تنظيم القاعدة بالثأر لضحايا الغارة التي شنتها القوات اليمنية علي محافظة أبين وتوعدت باستهداف المصالح الأمريكية في اليمن. علي صعيد آخر، أعلنت المعارضة اليمنية التي تضم أحزاب اللقاء المشترك رسمياً مقاطعتها للحوار الذي دعا إليه الرئيس علي عبدالله صالح في رسالة إلي رئيس مجلس الشوري دعا فيها إلي إجراء حوار وطني في المجلس بين جميع الفعاليات السياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني حول مختلف القضايا التي تهم الوطن. تدهور الوضع الإنساني الوضع السياسي والأمني المتأزم يصاحبه أيضاً تدهور في الوضع الإنساني في البلاد التي تعاني قطاعات عريضة فيها من الفقر وتدني مستوي المعيشة بالإضافة إلي تعرض ما يقرب من 200 ألف شخص للتشريد من جراء الصراع في الشمال والمستمر منذ عام 2004 وطالب مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية بضرورة تأمين وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين والعمل علي حل مشاكل النازحين. العام الحالي شهد أسوأ الصراعات مع الحوثيين في صعدة وتكثيف مطالب الانفصاليين في الجنوب، وبدأ بسيناريو توحيد القاعدة لعناصرها في اليمن والسعودية وتبني استراتيجية نصرة الإسلام انطلاقاً من الجزيرة العربية لمكافحة ما أطلقوا عليه المخططات الصهيو-أمريكية. الحكومة المركزية باليمن المثقلة بأجندة مكافحة الفقر والبطالة ومواجهة التحديات الاقتصادية، سيتحتم عليها الخوض في صراع مع هذه القوي التي تعصف بوحدتها وأمنها وذلك علي الرغم من اعتبارها أن الصراع مع الحوثيين هو الصراع الأخطر والأهم. المعركة في صعدة لم تنته بعد وربما ستكون استعانة اليمن بالولاياتالمتحدة والسعودية عاملاً مؤقتاً لإخماد الصراعات مع الحوثيين أو مع القاعدة غير أنها أثبتت أنها علي المدي البعيد استراتيجية تأليب ضد الحكومة سواء من الحوثيين أو الانفصاليين أو عناصر القاعدة الذين بدءوا صراعهم مع الحكومة اليمنية بسبب موالاة الأخيرة لواشنطن وللرياض في صراعهما ضد الإرهاب.