تتواصل فصول ملف ري الزراعات بمياه الصرف الصحي والصناعي غير المعالجة الذي فتحته جريدة"المصري اليوم" ويبدو أن الأمر ليس منحصرا في مناطق الصف والعاشر من رمضان التي صدر قرار وزير الزراعة بإزالة الزراعات فيها بالقوة الجبرية ..وبعد ثبوت تلوث الغذاء بسبب الري بتلك المياه لم تسلم مياه الشرب في بعض قرى محافظة المنيا من التلوث الذي أحالها" سوداء" كتب دارين فرغلى: ما أن تطأ قدماك قريتى نكلا والرهاوى التابعتين لمركز إمبابة بمحافظة 6 أكتوبر إلا وترغمك الرائحة الكريهة المنبعثة فى الجو على أن تسد أنفك، وعندما تسأل عن مصدر تلك الرائحة ستجد الأيادى هناك تشير إلى مياه المجارى التى تتدفق عبر مصرف الرهاوى قادمة من أبورواش لتسير فى نهر كبير بطول القرية إلى أن تصب فى فرع رشيد. إلى هنا قد لا تزيد خطورة الأمر عن تلك الرائحة وما ينتج عنها من إصابة الأهالى، خاصة الأطفال، بحساسية الصدر، لكن الأمر يزداد سوءا عندما تعلم أن مزارعى القرية والقرى المجاورة يستخدمون مياه المجارى تلك فى رى أراضيهم بسبب عدم وجود مياه نقية، وتوزع منتجات هذه الأراضى فى سوقى العبور وشبرا الخيمة. الموز والملوخية والكرنب والسبانخ والذرة من أكثر المحاصيل التى تنتجها الرهاوى ونكلا فى هذا الوقت من العام، ولا يجد الفلاح هناك سوى خيارين لرى أرضه، الأول أن يستأجر آلة حفر تأتى إليه بالماء من باطن الأرض، وتكلفة تلك العملية تتراوح بين 7 و10 جنيهات عن كل ساعة، أما الطريقة الثانية فهى استخدام مياه الرشاح فى الرى إذا كانت أرضه قريبة منها أو أن يمد إليها مواسير ويستخدم «موتور» صغيراً لشفط مياه المجارى منها ورى الأرض. ربيع مبروك، أحد الفلاحين فى القرية، يزرع أرضه ملوخية وذرة ولا يجد غير مياه الصرف القادمة من مصرف الرهاوى لأنه لا يستطيع، على حد قوله، أن يتكبد نفقات رى الأرض باستخدام المياه الجوفية، يقول ربيع: أعلم أن مياه المجارى تضر المحاصيل وتشكل خطورة على صحة من يتناولها، ولكنى لا أستطيع أن أتكبد مصاريف تأجير ماكينة رفع المياه لمدة 6 أو 7 ساعات وهو الوقت الذى تحتاجه الأرض للرى ومياه المجارى تنجدنى من هذا المأزق». العمل فى أرض محمود أبورجيلة، يجرى على قدم وساق، يستيقظ فى الصباح الباكر ويتجه إلى أرضه ويبدأ فى تشغيل الموتور لشفط مياه المجارى من مصرف الرهاوى عبر أنابيب قام بتوصيلها إلى كل جوانب أرضه، ليضمن وصول المياه إلى الموز والذرة اللذين يزرعهما الآن، محمود لا يجد غضاضة فى الخوض داخل تلك المياه بقدميه ليزرع الملوخية، يقول محمود: رى الأرض بمياه الصرف أقل تكلفة من ريها بالمياه الجوفية، فعلى سبيل المثال قد يكلفنى فدان الموز الواحد 50 جنيها كل يوم إن قمت بتأجير ماكينات لسحب مياه الآبار، وهذا فى الوقت الذى لا تكلفنى فيه مياه الصرف مليما واحدا، فأيهما أختار إذا كان الموز سينمو فى جميع الأحوال». يتكرر الأمر مع ربيع حسن خليفة الذى يرى أن الرى بمياه الصرف يضر الأرض والخضراوات ولكنه يعود ليقول: «نعمل إيه مفيش قدامنا حل تانى عارفين إنه غلط ده حتى مياه المجارى بتبقى حامية على الأرض وبتضرها، لكن المنطقة حولنا تقدر بحوالى 100 فدان يزرعها أصحابها خضاراً وفاكهة فمن أين سنأتى بالمياه إن لم توفر لنا الحكومة مصدرا نقيا للمياه؟!». هنيات رضوان، بائعة ملوخية، مصابة بحساسية فى الصدر، وهذا يجعلها تتعرض لخطورة بالغة كلما شربت من مياه الحنفيات لأنها، على حد قولها، مختلطة بمياه الصرف، تقول هنيات: «المياه هنا لونها أصفر وذات رائحة كريهة، لذا نلجأ للشرب من مياه الطلمبات، حتى إن البعض هنا قرر شراء فلاتر ليضمن تنقية المياه قبل شربها، ولكن الفلاتر تتعطل خلال شهور قليلة بسبب كثرة ما يترسب فيها من أجسام غريبة». أحد المزارعين فى قرية الرهاوى قال لنا قبل أن نغادر: «يا ريت المسؤولين يرحمونا من تلك الرائحة الكريهة ومن مياه الصرف التى نروى بها أراضينا حتى لا تضرنا وتضر غيرنا من المواطنين الذين يأكلون مزروعات تلك الأراضى والذين إذا علموا بمصدر المياه التى رويت بها مأكولاتهم لامتنعوا عن شرائها». ومن جانبه نفى المهندس عبدالفتاح سلمان، نائب رئيس الهيئة العامة لمشروعات الصرف، أى علاقة للهيئة برى الأراضى الزراعية بمياه الصرف القادمة من مصرف الرهاوى، قائلا: «دورنا يقتصر على إنشاء شبكات لتحسين التربة وزيادة الإنتاج الزراعى، أما مصادر التلوث تلك فخارجية، ومهمتى تقتصر على تحرير محاضر لكل من يلقى مخلفات فى المصرف»، وأضاف: «تم تصميم مصرف الرهاوى بحيث يأخذ المياه الزائدة من الأراضى الزراعية لتحسن التربة بها، ومن المفترض أن كل قطعة زراعية لها مصدر رى، وهذا من شأن قطاع الرى». ومن جانبه نفى أحد المسؤولين فى قطاع الرى، رفض ذكر اسمه، مسؤوليته عن المصرف، قائلا: «المصرف ليس تابعاً للرى وإنما لهيئة الصرف».