بدأت في مدينة سرت الليبية أمس اجتماعات مؤتمر القمة الأفريقية.. وهي قمة تبحث تنمية القارة وأزمة الزراعة والغذاء فيها.. والصراعات الملتهبة من الصومال إلي منطقة البحيرات.. إلي الصحراء الغربية.. مروراًَ بالسودان جنوبه وغربه. وإذا كانت القمة التي لن يحضرها الرئيس مبارك لم تعلن تماما كل جدول أعمالها.. إلا أننا نري أن هناك قضية يجب أن تكون لها الأولوية الأولي.. ليس لأنها تخص مصر.. ولكن لأنها تخص 10 دول أفريقية، هي دول حوض النيل.. وإذا لم نصل إلي حل يرضي كل هذه الدول، فان الأمر قد يتطور الي نزاعات بل وحروب اقليمية خطيرة.. وإذا لم تبحث القمة الحالية قضية المياه بين دول النيل.. فماذا تبحث.. نقول ذلك لأن كل الوقائع تؤكد أن القرن الحالي هو قرن حرب المياه.. ** وبداية نقول إن القمة الأفريقية الأولي التي عقدت في دولة المقر أثيوبيا في بداية الستينيات اتفقت علي الاعتراف بكل الأوضاع القديمة الخاصة بالحدود والانهار.. من منطلق أن هذه الانهار تحدد أيضاً الحدود بين دول القارة.. واتفقت القمة الأولي علي أن فتح هذا الملف يعني فتح باب الخلافات علي مصراعيه بين دول القارة.. ولكن بعد أن فجرت بعض دول منابع النيل قضية حصص المياه، أصبح ضرورياً أن تناقش هذه القمة الحالية هذه القضية شديدة الحساسية. ** فهل تجاهل القمة الحالية لقضية الحقوق التاريخية للمياه يعني أن دول القارة تدفن رأسها في المياه، وليس فقط في الرمال؟! وهل طلبت القاهرة عدم فتح هذا الملف انطلاقا من سياستها التي تقوم علي الحل الثنائي للقضايا.. رغم أن ذلك هو الخطأ بعينه.. لأن القضية ليست ثنائية، بل عشرية ولم تعد تصلح معها الاتصالات الثنائية، خصوصاً بعد الذي جري في كينشاسا وظهر لنا أن هناك تنسيقاً بين بعض دول المنابع.. فضلا عن مواقف غير واضحة من البعض الآخر.. ولقد كتبت منذ حوالي أسبوعين 10مقالات عن حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، وكيف أن هذه الاتفاقيات أخذت صفة الثبات بفضل ما مضي عليها من سنوات طويلة.. فضلاً عما يقوله القانون الدولي بالنسبة للانهار متعددة الدول.. واقترحت في نهايتها تخصيص قمة أفريقية لوضع حل نهائي لما يثار بين فترة وأخري حول هذه الحصص المدعمة بالقانون الدولي. ** والآن.. ها نحن أمام قمة أفريقية.. ومن بين ما هو معروض أمامها قضية الزراعة والغذاء.. ولما كنا نعلم أنه لا زراعة ولا غذاء بدون ماء.. فلماذا لا تكون قضية مياه النيل وهو أبرز أنهار القارة، بل أطول أنهار الدنيا في مقدمة القضايا التي تناقشها هذه القمة.. اننا نعلم أن هناك من يحرك هذه القضية ويضع الملح فوق الجروح سواء من داخل دول حوض النيل نفسه، أو من خارجها.. وبات واضحاً أن ليست اسرائيل وحدها هي التي تلعب في هذا الملف الخطير.. بل هناك دول عربية للأسف وغير عربية تلعب في هذا الملف.. ليس طمعاً في أن تحصل علي حصة منها.. ولكن لإثارة القلاقل أمام القاهرة.. وأمام الشعب المصري، وهو الشعب الأكثر حاجة لهذه المياه.. بينما كل دول الحوض لديها مصادر أخري من المياه بعضها من الأمطار.. وبعضها من انهار صغيرة أخري لا علاقة لها بالنيل.. ** ورغم ذلك، فان الدول التي تطالب بحصص من مياه النيل وهي من بين دول الحوض، وليس من خارجه، فان القمة الأفريقية يمكنها أن تتفق علي تنفيذ العديد من المشروعات المشتركة تعود بالفائدة علي الكل.. وتحصل كل دولة علي نصيب عادل من هذه المشروعات المائية.. نقول ذلك لأن دول حوض النيل يسقط عليها أكثر من 16600 مليار متر مكعب من المياه.. تحصل مصر منها علي 55.5 مليار فقط.. والباقي يسيح في مستنقعات وأحراش تكون سدوداً من الحشائش، بلا فائدة.. بل ومنها مثل نهر الجاش أنهار تندفع كالسيول وتخرج من أثيوبيا لتصب في بحر الرمال غرب أثيوبيا وشرق السودان، ولا تصل إلي نهر عطبرة مثلاً ويمكن بانشاء سد معقول حجز هذه المياه للاستفادة منها في تنمية غرب أثيوبيا.. وأيضاً شرق السودان.. ** ويمكن إحياء واستكمال مشروع قناة جونجلي الذي ينقذ المليارات من المياه تضيع في منطقة الغابات والأحراش لتزيد حصة مصر والسودان معاً، سواء ظل متحداً أم انفصل الجنوب.. ويمكن أيضاً تنفيذ مشروعات أخري لتوفير المياه لمناطق أخري في جنوب وغرب أثيوبيا لن تؤثر علي حصة مصر والسودان معاً.. ويمكن أيضاً التوسع في مشروعات تطهير وتطوير البحيرات الاستوائية التي بدأها الدكتور محمود أبو زيد لتقوم العلاقات مع هذه الدول علي التعاون بدلاً من أن تقوم علي الاختلاف. ** إنني أري أن يترك وزير الري المصري مهمة الري الداخلي بمصر لكبار مسئولي الوزارة ليتفرغ هو مع بعض كبار معاونيه مثل الدكتور مطاوع لتنمية علاقات مصر الأفريقية بدول النيل ووضع أجندة دائمة لتنمية علاقات طيبة مع دول المنابع.. وأتصور أن يكون الدكتور نصر علام وزير الري المصري في مقدمة الوفد المصري في قمة سرت لأن قضية المياه والنيل يجب أن تكون هي قضية مصر الأولي.. الآن، ولعشرات قادمة من السنين. * الوفد