يعتقد كثيرون بأن اتفاقية' شينجن تعني فتحا غير مسئول و غير محسوب' للحدود بين الدول الأوروبية, فهي اتفاقية تضع في جانب منها عناصر تطبيقية أو تنفيذية رفيعة المستوي من النواحي القانونية تضمن عدم إساءة استغلالها من قبل المجرمين أو المخالفين, وهي في الوقت نفسه اتفاقية يصعب تطبيقها بهذه الصورة إلا في أوروبا, لأسباب كثيرة سياسية وديموجرافية واقتصادية, أهمها تقارب المسافات بين الدول الأعضاء فيها وسهولة وتشابك شبكة النقل والمواصلات عبر هذه الدول, فضلا عن فوائدها لتسهيل عمليات التبادل التجاري بين أعضائها. ترجع تسمية شينجن هذه إلي بلدة صغيرة تحمل هذا الاسم في لوكسمبورج, وهي التي عقد فيها أول اتفاق لبحث تنظيم عبور وانتقال المواطنين الأوروبيين بين حدود دولهم, وكان ذلك عام1985. وقعت علي الاتفاقية30 دولة, معظمها دول في الاتحاد الأوروبي, ودول أخري غير أعضاء' أيسلندا والنرويج وسويسرا', و15 دولة تنفذها حتي الآن, وتشارك المملكة المتحدة وأيرلندا فقط في إجراءات التعاون الأمني وليس في إجراءات التحكم المشترك في الحدود وإجراءات الفيزا. الدول الأعضاء في اتفاقية شينجن حاليا هي: فرنساوبلجيكا وألمانيا ولوكسمبورج وهولندا, ثم إيطاليا, فالبرتغال وإسبانيا, فاليونان, ثم النمسا, ثم الدنمارك وفنلندا وأيسلندا والنرويج والسويد, وأيرلندا والمملكة المتحدة, وقبرص والتشيك واستونيا والمجر ولاتفيا وليتوانيا ومالطة وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا, وأخيرا سويسرا. ليست كل دولة عضو في الاتفاقية تطبق بنود الاتفاقية بالكامل, فبعض الدول وضعت بعض القيود ضمن الاتفاقية, مثل اليونان التي تضع بعض الشروط الخاصة علي دخول مواطني دول يوجوسلافيا السابقة. ليست كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي عضو بالضرورة في اتفاقية شينجن, وليست كل دولة عضو في اتفاقية شينجن تطبق بالفعل بنود الاتفاقية, فبعض هذه الدول انضمت إلي الاتفاقية, ولكنها حددت مواعيد مستقبلية لبدء التنفيذ, مثل سويسرا التي ستبدأ التنفيذ في2008, وكل الدول الموقعة علي شينجن باستثناء النرويج وسويسرا هي أعضاء في الاتحاد الأوروبي. السبب وراء تطبيق اتفاقية شينجن بمعزل عن مسار الوحدة الأوروبية هو عدم إجماع الدول الأوروبية عليها, في الوقت الذي لم تكن فيه دول أخري تريد تعطيل الاتفاقية لحين إجماع أعضاء الاتحاد الأوروبي عليها, فضلا عن أن بعض الدول لم تكن مستعدة لتطبيقها. قبل اتفاقية شينجن, كانت هناك دول أوروبية تتمتع بإمكانية انتقال مواطنيها إلي دول أخري عن طريق إظهار بطاقة الهوية أو جواز السفر عند الحدود, ولكن كان علي مواطني بعض الدول إظهار تأشيرة دخول عند دخول دول أخري, أما الآن, فالدخول ببطاقة الهوية أو بجواز السفر, سواء برا أو جوا. قبل التوقيع علي الاتفاقية, ومع تنامي حلم الوحدة الأوروبية, ظهرت الحاجة إلي إزالة الحدود وتنظيم حركة مرور السيارات والمواطنين بين الدول المتجاورة, فور التوقيع علي الاتفاقية تمت إزالة النقاط الحدودية وتم هدم المواقع والحواجز الأمنية الواقعة علي الحدود, لدرجة عدم وجود ما يحدد مكان حدود دولة مع أخري سوي لافتة صغيرة علي الطريق أشبه بلافتات المرور العادية تحمل اسم الدولة الأولي والدولة الثانية علي الحدود! ليس كل مواطن غير أوروبي يحمل تأشيرة شينجن يقدر علي الانتقال بحرية بين دول اتفاقية ال شينجن, والسبب هو كما سبق الذكر أن بعض الدول الأعضاء في الاتفاقية لها شروط مسبقة معينة لدخول المواطنين الأوروبيين وغير الأوروبيين. أزالت اتفاقية شينجن جميع أشكال التفتيش الحدودي بين الدول الأعضاء, ولكن تبقي علي سلطات كل دولة فحص بطاقة الهوية أو جواز السفر فقط. توجب الاتفاقية أن تتبادل الدول الأعضاء في ال شينجن المعلومات الشخصية والأمنية مع بعضها بعضا عبر ما يسمي بنظام شينجن المعلوماتي, وهو ما يعني سهولة القبض علي أي شخص غير مرغوب فيه في أي دولة, مادامت البيانات المتوافرة عن هذا الشخص تقول ذلك, وكان هذا الشخص غير المرغوب فيه يصبح آمنا لو انتقل إلي دولة أخري, لأن شرطة الدولة الأخري لن تستطيع العثور عليه من جديد. لا يتوقف الأمر عند ذلك, فشرطة دولة ما يمكنها الدخول إلي ما بعد حدود الدولة الأخري العضو في ال شينجن لتعقب مجرم أو شخص ما لمسافة تصل إلي30 كيلومترا, ويستطيع أفراد الشرطة الدخول بملابسهم المميزة أو بسيارات توضح أنها من الشرطة, وبالأسلحة, بشرط عدم استخدامها سوي للدفاع عن النفس. تشارك فنادق الدول الأعضاء في شينجن في عملية السيطرة الأمنية عن طريق معرفة وكتابة اسم الزائر ورقم بطاقة هويته وجواز سفره لدي نزوله في الفندق. كافة أشكال التفتيش الجمركي انتهت تماما بين الدول الأعضاء في ال شينجن, ولكنها مازالت موجودة بين دولة ال شينجن والدولة العضو في الاتحاد الأوروبي التي لم تنضم بعد إلي ال شينجن, ولكن تبقي عمليات تفتيش في المملكة المتحدة للقادمين من أي مكان في القارة الأوروبية. اختلاف القوانين بين بعض دول شينجن وبعضها الآخر سواء من حيث التساهل أو التشدد تجاه بعض الجرائم مثل تجارة وتعاطي المخدرات هو الذي دفع دولا إلي تطبيق قواعد وقوانين خاصة في تعاملها مع القادمين من حدود دولة أو دول بعينها, مثل فرنسا التي تطبق إجراءات خاصة للقادمين من هولندا أو بلجيكا للحد من ظاهرة شراء المخدرات من خارج فرنسا ومحاولة إدخالها وبيعها في الأراضي الفرنسية. وبعض الدول تطبق إجراءات خاصة, مثل الحدود بين السويد وفنلندا اللتين تطبقان إجراءات مشددة علي حدودهما للحد من تهريب المخدرات والخمور. المادة2 من2 من الاتفاقية تسمح لأي دولة بإجراء تعزيزات أمنية حدودية لفترة من الوقت علي حدودها إذا كان هذا في صالح أمنها الوطني, وحدث هذا في تاريخ شينجن عدة مرات, فقامت بها البرتغال أثناء بطولة الأمم الأوروبية لكرة القدم عام2004, وقامت بها فرنسا إبان الاحتفالات بمرور ستين عاما علي نهاية الحرب العالمية الثانية وأيضا بعد تفجيرات لندن2005. والآن, وبعد كل ما تقدم, لنحاول الإجابة علي هذه التساؤلات: هل يمكن تطبيق شينجن عربية؟ أم شينجن آسيوية؟ أم شينجن بين جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق؟ أم شينجن لاتينية؟! أم أن أوروبا هي المكان الوحيد الصالح لتنفيذ هذا الحلم؟!