القاهرة – مايكل سلايك مان Michael Slackman فى العموم ، نجح خطاب الرئيس أوباما في الوصول إلى المسلمين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط ، و مكنه من نيل الاستحسان و الثناء على نطاق واسع لنهجه المحترم ، و اقتباسه من القرآن الكريم وإشاراته الصريحة إلى صراعات سياسية مشحونة بدرجة عالية. ولكن السيد اوباما حدد ايضا فى تصريحاته لمستمعيه بالمنطقة التى تعصف بها الكراهية، خطوتين عليهم الاخذ بهما : الاولى نسيان الماضي ، الثانية فهم وجهات النظر و الاراء المعارضة . و نظرا الى ان اوباما كان يدعو الناس للاستماع إلى حقائق غير مريحة ، فمن الواضح ان اجزاء من خطابه قد لقت صدى عميقا لدى جمهوره المستهدف فى الوقت الذى لم تلقى فيه اجزاء اخرى آذانا صاغية لدى البعض كما في إسرائيل ، فضلا عن البعض بالعالم الإسلامي. مرارا وتكرارا ، لقد اعرب الكثير من المستمعين المسلمين لخطابه عن اعجابهم بقدرته فى استخدام و مزج المراجع الدينية والثقافية والتاريخية بمهاره لم يطرقها من قبل الرؤساء الاميركيين . . فخلال كلمته التى وجهها للمسلمين استخدم أربعة اقتباسات من القرآن الكريم والقى التحية باللغة العربية . . و حرص على لفت النظر للمظالم التاريخية التي طال أمدها ، مثل وصمة عار الاستعمار ، والدعم الاميركي لايران فى انقلاب عام 1953 وتشريد الشعب الفلسطيني. و يقول السيد مصطفى حمرانه ، المدير السابق لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية " لقد تحدث كقائد مستنير و كانه من المنطقة ، وليس كأجنبي" مضيفا " لقد كان مختلفا .. متواضعا .. فلم يكن يشبه باى حال النهج الاستعمارى الجديد الذى كانت تقوم عليه الادارة السابقة " . بعض المحللين الإقليميين وصفوا خطاب السيد أوباما بانه منظم أشبه بخطبه صلاة الجمعة ، والتي تجمع بين ماهو سياسي واجتماعي وديني .. الرسالة في الاسلوب والمضمون ، نجحت فى تقويض رسالة الارهابيين المتطرفين مثل اسامة بن لادن. ومحمد أبو رمان ، الباحث فى صحيفة الغد الأردنية يقول ان "القاعدة لطالما استفادت من الحديث عن صراع الحضارات في تعبئة وتجنيد الأفراد كجزء من القتال ضد حملة صليبية" مضيفا ان "خطاب اوباما كان إيجابي ويسمح لنا بتحويل عنوان الصراع من صراع حضارى دينى الى صراع سياسى واقعى ". على الجانب الاخر نجد انه لا محالة ، ان يكون السيد أوباما قد أغضب البعض من كلا الجانبين.. فكثير من العرب والاسرائيليين على حد سواء رفضوا بشدة ما اعتبروه محاولة لمساواة معاناتهم اخلاقيا. ففى اسرائيل .. يتعجب آريه الداد Aryeh Eldad من حزب الاتحاد الوطني اليميني و يتسائل "كيف يجرؤ أوباما مقارنة معاناة اللاجئين في الدول العربية بمعاناة ستة ملايين يهودي قتلوا في المحرقة؟" . بينما فى فلسطين .. قال أحمد يوسف ، نائب وزير الخارجية في حكومة حماس في غزة : "انه يشير الى حق اسرائيل في الوجود ، ولكن ماذا عن اللاجئين وحقهم في العودة؟" وفي الأردن ، رحيل غرايبة ، نائب الامين العام لجبهة العمل الاسلامي- الحزب السياسي للإخوان المسلمين- فقد رفض إشارة اوباما إلى المحرقة. قائلا "إن المحرقة لم تكن من فعل المسلمين ، بل كان الأوروبيون ، ويجب ألا يأتي على حساب الشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين". عموما فان الخطاب قد تضمن قائمة المواضيع التي سببت توتر العلاقات الامريكية مع المسلمين. كما تناول العديد من الموضوعات مثل التسامح الديني وحقوق المرأة و الأسلحة النووية والحرب في العراق وأفغانستان ، و كانت النتيجة ان حديث اوباما قد قوبل بتصفيق حار من البعض و بنظرة متجهمة جليدية من البعض ، وهذا يتوقف على المستمع. اما فى العراق ، وبعد ست سنوات من الاحتلال والفرص الضائعة ، وفشل الوعود ، كانت هناك جرعة كبيرة من الشكوك ، ففي المقاهي والمطاعم ، كانت التليفزيونات اما انها تعرض رياضية أو أفلام أو أشرطة الفيديو اوالموسيقى . . و حينما حاول رجل في مطعم في مدينة الموصل تغيير القناة لمشاهدة خطاب الرئيس الامريكى ، صرخ عليه الجرسون "يا له من خطاب غبي !" اما في احد مطاعم كربلاء ، كان هناك عدد قليل من المستمعين لخطاب السيد أوباما و قد كانوا فى حالة من الغضب و الاستهجان حينما كان يتحدث عن اسرائيل. . و هنا يقول علاء شهاب عبدالله – 30 عاما ، محامى - ان "أهم شيء هو انجاز الامور ، وليس الكلام فقط " . في إيران ، البعض أشاد باشاراته الصريحة إلى انقلاب 1953 الذي اطاح برئيس الوزراء الاكثر شعبية حينذاك .. فيقول "علي رضا رجائى" ، وهو محلل سياسي في طهران ، ان "الانقلاب أصبح رمزا للقومية بالنسبة للايرانيين ، وكون السيد أوباما اعترف بتدخل الولاياتالمتحدة ، فهو امر يعد رسالة إيجابية لكل الجماعات " مشيرا الى انه "الآن أولئك الذين يؤيدون اقامة علاقات افضل مع الولاياتالمتحدة ، لا خوف عليهم من الدعوة لذلك علنا، لأنهم يمكن ان يقولوا ان الولاياتالمتحدة اعترفت بخطأها التاريخي". بينما اتفق العديد من المستمعين بشكل عام مع السيد أوباما حول مواقفه ازاء العنف والتطرف ، انزعج البعض الاخر من وصفه للحروب في أفغانستان والعراق ، والتى اعتباروها كوارث دموية . وفى لبنان ، خالد صاغية رئيس التحرير التنفيذى لصحيفة الاخبار - تميل تجاه حزب الله - تعجب من امر اوباما قائلا "ما يثير الدهشة هو أنه يدين العنف ، لكنه لم يقل كلمة واحدة عن ما فعلته الولاياتالمتحدة في العراق" وقال مخاطبا اوباما "إذا كنت ترغب في الدعوة لبداية جديدة ، يجب أن لا يقل الامر عن الاعتذار عن عشرات الآلاف من الضحايا في العراق". كذلك انتقد المعارضيين السياسيين للحكومات القائمة فى المنطقة خطاب اوباما و اعربوا عن خيبة املهم ، ففى القاهرة .. حيث اختار اوباما اطلاق خطابه للعالم الاسلامى ، يقول ايمن نور ابرز سياسى المعارضة فى مصر ، "ما تطرق اليه عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في الخطاب ، كان أقل بكثير مما كنا نريد". على صعيد بؤرة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، لم يفعل السيد أوباما الكثير لنيل اعجاب جمهور المسلمين ، فى حين قدم بالكاد ما يكفي لتهدئة المخاوف لدى بعض الإسرائيليين. بل انه أغضب العرب عندما ساوى بين إطلاق الصواريخ على اسرائيل مع العنف ، حيث يتعامل الكثيرين فى المنطقة مع هذا الامر على انه مقاومة مشروعة ضد الاحتلال. من المنظور العربي ، لم يقدم اوباما أي مقترحات جديدة أو اقتراح لجدول زمني للتحرك نحو اقامة دولة فلسطينية.... و من المنظور الاسرائيلي ، فقد انتقد توسيع المستوطنات ، وأيد بقوة انشاء دولة فلسطينية مستقلة ، وهو ما ترفض تاييده الحكومة الاسرائيلية الجديدة . لكن الاسرائيليين والفلسطينيين خرجوا عن شواغلها ، وقالوا انهم يفهمون المغزى الأوسع للكلمة. . واعربت اسرائيل في بيان لها انها تأمل من الخطاب " في الواقع أن يؤدي إلى مرحلة جديدة من المصالحة بين العالم العربي والاسلامي واسرائيل". الاسرائيليون مقتنعون بأن السيد أوباما اشار الى العلاقة بين أميركا واسرائيل بانها "لا يتزعزع" ، وعرف اسرائيل بانها "وطن لليهود" ، بل أيضا اعربوا عن تقديرهم له لرفضه المطلق للمقاومة الفلسطينية من خلال العنف وإدانته للمحرقة النازية. وحول قضية القدس ، وهي واحدة من أكثر ال حضايا حساسية وصعوبة في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني ، فان السيد اوباما تجنب المواجهة السياسية ، وتحدث عن الانسجام الديني. و لم يسمى المدينة الواقعة الآن تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة ، و لم يتحدث عن تقسيمها إلى عاصمتين ، اسرائيلية وفلسطينية. وفى هذا السياق يقول يهودا بن مئير من معهد دراسات الأمن القومي في تل ابيب "اذا ما كان هناك تلميح من اجل وحدة المدينة". "فمن المؤكد أن هذا الخطاب سيكون مقبولا لدى الاسرائيليين". وعلى الرغم من الشوق الواضح لا يغيير اوباما السياسات وليس مجرد اللهجة ، يبدو أن البعض يفهم انه يحاول تحريك الامور بطريقة غير مباشرة وعن طريق التوازن. . وهنا يقول منصور الجمري صحفى بجريدة الوسط البحرانية "لو كنت مكانه ، فماذا أفعل؟" و يتخيل حديث اوباما لنفسه قائلا " اقرب الاصدقاء لبلدي طغاة ، وأفضل حليف استراتيجي( يقصد اسرائيل ) يعتبر عدوا استراتيجيا للعالم الإسلامي. ".