شعبية الحكومة تتراجع إعداد: إيمان التوني في سابقة لم تشهدها الحياة السياسية البريطانية من قبل، استقال رئيس مجلس العموم "مايكل مارتن" على أن يترك منصبه رسميا في ال21 يونيو/ حزيران 2009، جراء فضيحة نفقات نواب البرلمان، التي أثارتها صحيفة "ديلي تليجراف" في مايو/ أيار 2009 بعد أن حصلت على سجلات بمطالبات النواب بالنفقات. الفضيحة التي تراجعت على إثرها شعبية الحكومة وحزب العمال – الذي يحكم بريطانيا منذ عام 1997 - وكانت الصحيفة قد كشفت استغلال بعض النواب والوزراء نظام "استعادة النفقات" المخصص لتعويض أعضاء الحكومة والبرلمان عن مصروفات تتعلق بأداء مهامهم الحكومية، حيث ثبت تورط عدد من النواب والوزراء بشراء سلع رفاهية، شملت وسائد حريرية وشاشات بلازما وحمامات سباحة وأفلام إباحية وطعاب كلاب وإقامة حفلات شواء وغير ذلك، فضلا عن طلبات تعويضات لشراء بيوت مدفوعة بالفعل واسترداد إيجارات منازل لبعضهم. الأمر الذي أثار غضب الشعب البريطاني باعتبار أن هذه النفقات تأتي من جيوب دافعي الضرائب. رئيس مجلس العموم المستقيل "مايكل مارتن" وقبيل تقديم رئيس مجلس العموم استقالته – وهي المرة الأولى منذ تأسيس المجلس في عام 1695 - أعلن "مارتن" اعتذاره في بيان رسمي صدر باسمه، أكد فيه أن أعضاء المجلس خذلوا الشعب البريطاني، ودعا قادة الأحزاب إلى حضور اجتماع مع أعضاء مجلس العموم، لبحث عدد من الاقتراحات الخاصة بتعديل نقاط مرتبطة بمصروفات النواب وكيفية تغطيتها. يذكر أنه في نهاية القرن ال17عزل رئيس مجلس العموم آنذاك "جون تريفور" إثر تورطه في قضية رشوة. وزراء في قفص الاتهام ومن أبرز الشخصيات الحكومية التي أطاحت بها الفضيحة المالية لأقدم البرلمانيات الديمقراطية في العالم، وزير العدل "شاهد مالك" – أول وزير مسلم في الحكومة البريطانية – الذي تنحى عن منصبه في 15 مايو/ أيار 2009 بانتظار تحقيق حول مطالبته بمخصصات تقدر ب66827 جنيها إسترلينيا – أي 100 ألف دولار أمريكي - لشراء منزل ثان، ودفعه إيجارا أقل من سعر السوق لمنزله الأساسي، وشرائه نظام سينما منزلي ب2600 جنيه إسترليني – أي 3900 دولار أمريكي -، وكرسي تدليك ب730 جنيها إسترلينيا. ومن بين المتهمين – صحفيا – باستغلال نظام النفقات لأغراضهم الشخصية، 4 وزراء هم وزيرة السياحة "باربرا فوليت"، التي طلبت دوريات أمنية خاصة حول منزلها في لندن بتكلفة 25 ألف جنيه إسترليني – أي 38 ألف دولار أمريكي -، ووزير الهجرة "فيل وولاس"، ووزير الصحة "بن برادشو"، ووزير خدمات الرعاية "فيل هوب"، الذين قاموا بشراء الشقق وتأثيث المنازل وغيرها. كما حصلت الوزيرة "كيتي أوشير" على 20 ألف جنيه إسترليني لإصلاح منزلها في لندن عقب انتخابها، رغم أنها تعيش فيه منذ 5 أعوام. وكذلك رئيس لجنة اختيار الشئون الداخلية الوزير السابق "كيث فاز" الذي اشترى وأثث شقة وسط لندن، رغم أنه يعيش مع زوجته في منزله الخاص الذي تصل قيمته إلى 1.15 مليون جنيه إسترليني – أي 1.73 مليون دولار أمريكي - ومن المتورطين أيضا النائب المحافظ والوزير السابق "جون جمر" الذي طلب استرداد أكثر من 9 آلاف جنيه سنويا من الخزينة العامة تعويضا عن تكاليف ترتيب الحديقة في منزله الريفي تتضمن 100 جنيه سنويا للتخلص من الفطريات. وعلق حزب "العمال" عضوية وزير الزراعة السابق "اليوت مورلي" الذي قدم طلبا تضمن المطالبة بنفقات قدرها 16 ألف جنيه إسترليني - أي ما يعادل 24200 دولار - لتغطية قرض عقاري سدده بالفعل. ولم تقتصر فضيحة النفقات على أعضاء حزب العمال، بل أطاحت أيضا بعضو البرلمان "أندرو ماكاي" الذي استقال من منصبه كمستشار سياسي لزعيم حزب المحافظين بعد أن كشفت مراجعة لنفقاته عن وضع غير مقبول. وحسب صحيفة "صنداي تليجراف" فإن أعضاء البرلمان من حزب" الشين فين" الجمهوري الأيرلندي الشمالي بمن فيهم زعيم الحزب "جيري آدامز" دفعوا نحو 500 ألف جنيه إسترليني - أي 750 ألف دولار أمريكي - ثمنا لمنزل ثان لهم في لندن رغم أنهم لم يشغلوا مقاعدهم في مجلس العموم. بينما أعاد نواب آخرون آلاف الجنيهات من المال العام، لإنقاذ سمعتهم وتخفيف حدة الغضب والسخط اللذين يجتاحان بريطانيا، حيث تقدم أكثر من 20 نائبا وأعادوا 100 ألف جنيه إسترليني من المخصصات التي حصلوا عليها - وفقا لما نشرته "ديلي تليجراف" في عددها الصادر الخميس 14 مايو/ أيار 2009 – يذكر أن النواب البريطانيين - البالغ عددهم 646 - يتقاضون راتبا سنويا تقترب قيمته من 65 ألف جنيه إسترليني - أي 98830 دولارا أمريكيا - لكنهم طالبوا أيضا بنفقات بلغت 93 مليون جنيه إسترليني العام 2008 أي ما متوسطه 144 ألف جنيه إسترليني لكل منهم. "جوردون براون" شعبية الحكومة تتراجع وسرعان ما انعكست الفضيحة المالية للنواب والوزراء على تراجع شعبية "جوردون براون" وحزب العمال الحاكم، حيث أظهر استطلاع للرأي أعدته مؤسسة "بي بي آي اكس" ونشرته صحيفة "ميل أون صاندي" أن شعبية حزب العمال تراجعت 3 نقاط مئوية مقارنة بشهر أبريل/ نيسان 2009، وتدنت إلى 23 % في أسوأ نتيجة للحزب منذ 1943. كما أظهر استطلاع آخر أجراه معهد "اي سي ام" - على 508 أشخاص يومي 8 و9 مايو/ أيار 2009 - لحساب صحيفة "نيوز أوف ذي وورلد" الأسبوعية أن 68 % من البريطانيين يعتقدون أن فضيحة النفقات أضرت ب"براون" مباشرة، بينما قال 89 % إن سمعة رئيس الوزراء قد تضررت. مصروفات النواب تلقي بظلالها على الانتخابات المقررة منتصف 2010، حيث ذكرت صحيفة "جارديان" - في عددها الصادر السبت 16 مايو/ أيار 2009 - أن أي نائب عمالي ثبت أنه قدم مطالبات لم يكن له حق فيها سيمنع تلقائيا من الترشح في الانتخابات العامة المقبلة. ومن المقرر أن تجري الشرطة البريطانية تحقيقات في الكارثة المالية التي وصفتها بعض الصحف البريطانية ب"عار النواب" التي تضرب الديمقراطية البريطانية، والتي باتت تعرف ب"فضيحة النفقات".