بدلامن أن يعمل العرب لتقويه أواصر الوحدة فيما بينهم على الاصعد كافة، ها هي المخاطر تزداد على الوحدة الداخلية لهذه الدولة أو تلك، بعدما شرعوا أبوابهم للخلافات والتدخلات، وأداروا ظهورهم لقضاياهم وتركوا منطقتهم نهباً لهذه الجهة أو تلك لاستباحتها، خاصهً من قبل الاحتلال الصهيوني في فلسطين والاحتلال الأمريكي في العراق. وقالت جريدة الخليج الإماراتية أن اليمن تحت الضوء الآن. والسلطة تحذر وتؤكد أن الوحدة خط أحمر. كبار العلماء وزعماء القبائل حذروا من تشطير اليمن إلى أربع دويلات. السبب الخوف من التوترات الأمنية والاجتماعية والسياسية وما يمكن أن يؤدي إليه تفاقمها من مشكلات وتداعيات. التحذيرات المماثلة تصدر في شأن السودان نتيجة التوترات المماثلة التي يعيشها، والتدخلات التي يتعرض إليها، وكلها من النوع الشرير الذي لا يريد الخير لهذا البلد، وإنما يندرج في الإطار الذي لا يرى إلى العرب إلا من خلال منظار الكيد لهم وتفتيتهم لتسود هيمنته، ويتمكن من تحقيق أطماعه. تهديدات التفتيت تطال معظم الدول العربية من مشرق الوطن إلى مغربه، خاصهً أن ثمة من لا يزال يحلم بشرق أوسط جديد تمسح فيه العروبة من الوجود، وتسود بدلاً منها تقسيمات الطوائف والمذاهب والأعراق، عدا ما يشكله الاحتلالان الأمريكي والصهيوني للعراق وفلسطين من مخاطر، بداية حيث هما، وتالياً على المنطقة العربية كلها. صحيح أن هناك مؤامرة ضد العرب كلهم لا يختلف أحد على وجودها وعلى مصدرها، غير أن هناك في المقابل ثغرات داخلية هي التي تسمح بتفجر هذه الأزمات، وهي التي تستغل للتسلل إلى هذه الدولة أو تلك، ممن يحترفون التدخل ونصب المكائد وزرع الفتن لتحويل ما يشكل نعمة إلى نقمة. لهذا لن ينفع الاكتفاء بلعن الظلام، وإنما المطلوب أولاً إضاءة شمعة، أو شموع، والعمل من أجل ترتيب البيت الداخلي وتحصينه بالوحدة والتنمية والاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي، بما يكفل معالجة المشكلات كافة، وسد أية ثغرات قد ينفذ منها المغرضون، أياً كانت هويتهم. ترتيب البيوت الداخلية للدول العربية، وترتيب البيت العربي الكبير بالعودة إلى ما يجمع وما أكثره، ونبذ ما يفرق، يكفلان وضع القطار على السكة السليمة. وما هو غير ذلك لا ترجمة له سوى بقاء العرب أسرى المشكلات والتدخلات، وعرضة للمزيد من الاستباحة. وفي هذا الإطار كتب طارق الحميد في الشرق الوسطحول الشأن اليمني وخطر الإنقسام الذي يتهدده بتوجيه من الخارج قد يغير مستقبل هذا البلد العربي وتحت عنوان: اليمن.. شكرا ل«القاعدة»! كتب:مما يميز قيادات تنظيم القاعدة، في كل مكان، جهلهم السياسي، وحبهم للظهور الإعلامي، وهو أمر ايجابي حيث يساعد دائما على كشف خطرهم للمعنيين وللرأي العام، وآخر الأمثلة على ذلك تصريحات القاعدة حول اليمن. فإعلان زعيم القاعدة في جزيرة العرب، أبو بصير ناصر الوحيشي، في التسجيل الصوتي الذي بث يوم أمس عن دعم القاعدة لليمنيين الجنوبيين الساعين لانفصال الجنوب عن الوطن الأم، يعد أمرا حاسما لمن هم مترددون في إعلان موقفهم من قضية الانفصال في اليمن. تنظيم القاعدة اعتبر انفصال الجنوب عن اليمن أمرا كفله الدين، بحسب الوحيشي، وهو لا يقول ذلك من باب تسويغ الانفصال وحسب، بل إن هذا ما تؤمن به القاعدة فعليا، حيث أنها تسعى إلى زعزعة الاستقرار، بسبب عدم إيمانها بالدول والأنظمة. فالقاعدة تؤمن بدولة الخلافة من ناحية، ومن ناحية أخرى هي تعلم أن أي وطن مستقر آمن لا يمكن أن يكون صالحا لأنشطتها وسعيها التخريبي، فالقاعدة لا تنمو ولا تقوى إلا في الدول المنهارة، وحيث وجدت النعرات القبلية والطائفية. حدث ذلك من قبل في أفغانستان، ويحدث اليوم في جنوبباكستان، وكذلك في العراق بعد سقوط النظام السابق واندلاع الفوضى، وتأجج نار الصراعات الطائفية بالعراق، والأمر نفسه يحدث في الصومال الذي يعد مؤشرا جديدا على خطورة القاعدة. فمن ينظر إلى الخريطة سيجد أن الصومال ليس ببعيد عن اليمن، وهو دولة منهارة فعليا، وبالتالي فإن إضعاف الدولة اليمنية، واقتطاع جزء منها وتحويله إلى مناطق تدريب واستقطاب لمقاتلين جدد للقاعدة، يعني أن التنظيم سيسيطر على منطقة مضيق باب المندب. وهذا تلقائيا يعني أن السعودية، وبالطبع دول الخليج، وكذلك الملاحة البحرية على البحر الأحمر، تكون قد وقعت في كماشة دولة القاعدة الجديدة، مما يعني استنزاف جديد لدول المنطقة، وبوادر نذر شر لا يعلم نهايتها إلا الله. ولذا فإن دعم القيادة المركزية في اليمن اليوم بات أمرا واجبا، وليس ورقة مساومة، أو ملفا قابلا للإهمال والتأجيل، فالخطر أكبر مما يعتقد البعض، وشره سيعم، ولن يخص اليمن وحده، أو السعودية وحدها. وبدورها قامت الرياض بإعلان موقفها بشكل حاسم مما يحدث باليمن حين قال النائب الثاني الأمير نايف بن عبد العزيز إن بلاده تتعاون مع اليمن من «دون تحفظ»، وهو الأمر الذي أكده الأمير سعود الفيصل بقوله إن بلاده «مع اليمن في كل الطريق». وقد يقول قائل إن الداعين للانفصال في جنوب اليمن ليس لهم علاقة بالقاعدة من قريب أو بعيد، وإن نواياهم صادقة، ولمطالبهم وجه حق، ولكن ما يجب أن يعيه هؤلاء، وغيرهم، هو أن الطريق إلى جهنم دائما ما يكون معبدا بالنوايا الحسنة، كما يقال. كما أن النعرات الطائفية والقبلية لا تبني الدول، ولا تحل مشاكلها، والتظلم لا يعني تشريع الظلم، وهذا أمر يجب أن نعيه في أوطاننا العربية، حيث بات من الواضح أن المواطنة، ومفهوم الوطن، أمر ما يزال غير ناضج لدى كثير من أبناء العالم العربي، ساسة كانوا، أو مواطنين.