ربما يتذكر المرء فيلم "الإرهاب والكباب" للفنان عادل إمام عقب صدور القرار الذي اتخذته بلدية لوكا - التي لا تبعد كثيرا عن العاصمة الإيطالية روما من جهة الشمال - بشأن منع مطاعم الوجبات السريعة والكباب داخل المدينة، والتبرير الرسمي لهذا القرار الذي أثار غضب الكثيرين، هو الرغبة في الحفاظ على الطعام التقليدي والوجبات المحلية على الأقل في قلب المدينة التي يبلغ عدد سكانها 86 ألف نسمة. أما على المستوى الشعبي، فهناك من يهمس بأن القرار موجه أساسا ضد غزو المهاجرين الذين أصبحوا يسيطرون على المطاعم في المدينة ويقدمون الكباب والوجبات السريعة التي تجذب السياح لرخص ثمنها وأن ذلك يهدد أصحاب المطاعم المحليين. لكن أصحاب القرار في مجلس البلدية أكدوا أنهم لم تكن لديهم فكرة عن هذا" الكباب" في البداية وبعد ذلك وجدوا فيه نوعا من التهديد للثقافة والهوية التاريخية كما أوضح فيليبو كانديلايز أنهم لا يرغبون في أن تتحول المدينة إلى نيويورك جديدة أو باريس أو لندن وليست مدينة إيطالية خالصة. إذن أصبح الكباب مصدر تهديد هو الآخر، وتحول إلى أحد أسلحة الدمار الشامل التي تهدد الثقافة الايطالية، وليس نوعا من تبادل الثقافة، وإذا تم تطبيق مفهوم الحفاظ على الهوية الثقافية كما طبقها هؤلاء المسئولون، فلابد من إغلاق محلات البيتزا الإيطالية في العالم بزعم أنها ايطالية وتؤثر على الثقافة العربية أو الأمريكية! أحد مطاعم البيتزا في العاصمة الإيطالية ولم يكن "قانون الكباب" كما أطلق عليه البعض هو الأول من نوعه الهادف لمحاربة المهاجرين في إيطاليا وتضييق الخناق عليهم، بل يأتي ضمن سلسلة طويلة من الإجراءات التي تحارب من أجلها رابطة الشمال والمعروفة بتوجهاتها العنصرية. ويكفي ذكر إجراء آخر لقي اعتراضا كبيرا من غالبية الإيطاليين والذي أطلق عليه "الطبيب الجاسوس" والذي كان يجبر الأطباء على الإبلاغ عن المهاجرين غير الشرعيين الذين يتوجهون لتلقى العلاج في المستشفيات العامة أو الخاصة لدرجة أن إحدى المهاجرات غير الشرعيات واسمها "كانته"، من ساحل العاج، توجهت في مارس/ آذار 2009 إلى مستشفى فاتي بينه فراتيللي في نابولي، لتضع مولودها، وفوجئت بمن يبلغ عنها الشرطة. وفي وقت لاحق، استطاع محامي الدفاع عنها أن يحصل لها على تصريح إقامة تستحقه وفقا للقانون. وبعد فترة وجيزة، في بريشيا، في حادثة مماثلة كان هناك "ماكان"، شاب سنغالي صدر أمر ترحيله من البلاد بسبب الم في أسنانه. ويحكي الشاب:" لا أعرف من قام بالإبلاغ عني والحقيقة أنه تم طردي من البلاد ولن اذهب أبدا إلى أي مستشفى مرة أخرى". وتكرر الأمر ذاته مرة أخرى في أبريل/ نيسان 2009 في مقاطعة تريفيزو، حيث قام طبيب الإسعاف العاجل بالإبلاغ عن مهاجرة غير شرعية مريضة من نيجيريا. وسارت الأمور على نحو أسوء مع المهاجر البوليفي غير الشرعي الذي توجه إلى مستشفي سان ماتيو في بافيا بعد عشرة أيام من معاناة آلام في منطقة الحوض، والذي حاول أن يتناول المسكنات حتى لا يذهب للمستشفي. وكلفه خوفه من الترحيل خارج البلاد صحته، حيث كان يعاني من ألم في الزائدة الدودية وتطور الألم وأصبح لا يحتمل ومثل خطورة كبيرة لحياته، وبعد العديد من العمليات الجراحية تم وضعه تحت الملاحظة الخاصة في قسم الإنعاش. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فهناك قانون رفضه البرلمان الإيطالي حول إجبار مديري المدارس أيضا بالإبلاغ عن أي مهاجر غير شرعي يحاول أن يلحق أبناءه بالمراحل التعليمية المختلفة ووصف رئيس البرلمان الإيطالي هذا الإجراء بأنه يجهض حق المواطنين سواء المهاجرين أو أبناء البلد في حق اساسي من حقوق الانسان مثل الحق في الصحة والغذاء. وعلى الرغم من كل هذه الإجراءات التي أدانها الاتحاد الأوروبي متهما إيطاليا بأن معدل العنصرية فيها في تزايد مستمر، فإنها لم تؤت الثمار المرجوة منها، بل خلقت توترا بين المهاجرين القانونين أنفسهم وبعض الإيطاليين المتشددين وتكررت حوادث التحرش مع المهاجرين ولم يعد المهاجر آمنا على نفسه وأبنائه في ظل هذه الأوضاع. ومؤخرا لم تجد الحكومة بدا من اللجوء إلى سياسة العصا والجزرة مع المهاجرين سواء الشرعيين أو غير الشرعيين عن طريق تقديم حوافز مالية لمن يعود الى بلده الاصلي شريطة ألا يعود إلى إيطاليا مرة أخرى قبل عامين، لكن هذه السياسة لم تفلح هي الأخرى. وما بين العصا والجزرة أصبحت الحكومة الإيطالية تقف حائرة، ولا تدري كيف تتصرف سواء مع المهاجرين في الداخل أو مع هؤلاء الذين يأتون يوما على شواطئها في قوارب الموت، لكنها بطبيعة الحال لن تتوقف فمازال في جعبتها الكثير.