ربما اقتربت من نهايتها حقبة كان فيها الطعام الحلال مرادفا للمطاعم الرخيصة التي تقدم الكفتة والكباب الغارقين في الدهن مع ظهور جيل جديد من المطاعم الراقية التي تحترم المواصفات الشرعية للطعام الاسلامي وتقدم كل شيء من الاطعمة التايلاندية الى الاطعمة الفرنسية في انحاء العاصمة الفرنسية. وتقدم الكثير من المطاعم الجديدة التي تنتشر حول المحيط الخارجي للعاصمة الفرنسية قرب المناطق التي تسكنها الجاليات المهاجرة الاطعمة لاصحاب المهن من الشبان ذوي الثقافة الرفيعة. لكن هذه المطاعم بدأت مؤخرا تفتح ابوابها في وسط المدينة نفسها بهدف اجتذاب مسلمي الطبقة الوسطى المندمجين في المجتمع الفرنسي حاملين جنسيته لكنهم حريصون على التمسك بثقافاتهم والتزاماتهم الدينية. وافتتح كامل سعيدي مطعم (ليزنفان تريبل) في ابريل/نيسان عام 2007، وفي الوقت الذي تحترم فيه عملية الطهو التقاليد الاسلامية فان قائمة الطعام فرنسية تماما والاسعار دون اسعار السوق. ويختار الزبائن كل الاطباق الفرنسية من كبد الاوز (الفوا جرا) بسعر 12 يورو (حوالي 18 دولارا) الى المحار بسعر 13 يورو للدستة يعقبها شريحة من لحم العجل بسعر 18 يورو او شريحة من لحم البط بالعسل واللوز مغطاة بالصلصة السوداء بسعر 18 يورو ايضا. وجو المطعم مترف جدا وينافس اي مطعم شبيه له في الجوار. ويكشف كمال سعيدي صاحب المطعم انه افتتح هذا المطعم لانه اراد ان يقدم اطباق بلاده (فرنسا) في اطار احترام التقاليد الدينية لوالديه اللذين كانا من المهاجرين. وقال "ولدت في فرنسا ونشأت في فرنسا وشعرت بالاحباط لعدم قدرتي على التمتع بالاطباق الفرنسية التقليدية الرائعة." واضاف "هكذا نشأت الفكرة، وقلت لماذا لا ابتدع فكرة الطعام الفرنسي الحلال استجابة لاحتياجات الطائفة المسلمة الفرنسية." وأوضح سعيدي "قبل ذلك كنت عندما اريد ان اتناول طعاما حلالا اتوجه الى متجر للكفتة والكباب او الى متجر بيتزا. وعندما اذهب الى مطاعم فاخرة مع اصدقائي لا استطيع ان اطلب اللحوم لاني اريد الاطعمة الحلال واطلب الاسماك فقط دائما الاسماك." ويوجد في المطعم 50 مكانا محجوزة بالكامل لمدة 7 ايام في الاسبوع ويتوقع ان يفتتح مطعم جديد في حي اخر وسط باريس الشهر القادم. ومن الصعب ان نقول عند رؤية مطعم ليزنفان تريبل من الخارج انه ليس مطعما فرنسيا عاديا كغيره، والدليل الوحيد على التزامه الديني القوي هو خلو قائمته من النبيذ. ومن المؤكد ان المطعم اثبت شعبيته لدى الجيل الجديد من الشبان المهنيين الفرنسيين ذوي الخلفية المهاجرة. وأكد مختار دياني الذي يتناول الطعام الحلال كلما استطاع "لم اكن اعلم بفكرة هذا المطعم، لكن احد اصدقائي دعاني اليه وانا اكتشفه الان. وهذا مفيد جدا لانه ليس من السهل العثور على مكان تجد فيه الطعام الحلال الممتاز." وأشارت صوفيا ثابت المسلمة التي بدات تتناول الطعام الحلال منذ عام واحد إلى أنه "كان هناك عدد قليل من هذه المطاعم لكن الكثير منها يفتح ابوابه الان وسط باريس." وربما كان مطعم ووك اقوى برهان على القفزة الكبيرة لاعلى التي حققها المطبخ الحلال في باريس. يقع المطعم في قلب الحي اللاتيني بباريس ويضاهي بعضا من احدث المطاعم الفاخرة في الأحياء التي يتوجه اليها الفرنسيون في عطلات نهاية الاسبوع. وافتتح ديب لانياب مطعمه منذ عام، وقال ان الجيل الاول من المهاجرين الذين جاءوا الى فرنسا بعد ان امضوا فترة شبابهم في اوطانهم لاقوا مصاعب عدة عند وصولهم. وقال "ولدنا هنا ونتحدث الفرنسية وتلقينا نفس التعليم مثل المواطنين المحليين، وانا كفرنسي بدلا من ان اقارن نفسي بجيل والدي اللّذين هاجرا الى هنا فأنا اقارن نفسي بفرنسيين من جيلي ليس لهم خلفية كالمهاجرين والذين يفتحون مطاعم اسيوية، انا مثلهم." ويعد هارون مولاي عادل نموذجا للزبائن الذين اصبحوا يترددون على المطاعم الحلال الجديدة في باريس وهو محلل اقتصادي للسوق في ال30 من عمره من اصل شمال افريقي وكان يتناول طعامه هناك مع اصدقاء غير مسلمين. وقال "لدينا الآن مطاعم تلبي احتياجات الطائفة التي اصبحت جزءا من المجتمع الفرنسي منذ عدة اجيال." واضاف "هؤلاء الناس من افراد هذه الطائفة لا يريدون تناول طعام بلادهم الاصلي فقط، مثل اي مواطن فرنسي عادي. فالمواطن الفرنسي يمكنه ان يتناول الاطعمة التونسية او المغربية و أيضا المصرية والفرنسي المسلم لديه نفس الرغبة." وجدير بالذكر أن فرنسا لديها اعلى نسبة من السكان المسلمين في اوروبا ويصل عددهم الى نحو 6 ملايين مواطن.