في العام الماضي، وفي مثل هذا الوقت من السنة كتبت عن برد العجوز واوضحت بالشرح والتحليل عن هذا البرد ولا اريد ان اعيد واكرر ولكن للتذكير بأن برد العجوز موسمه اليوم العاشر من شهر مارس ومدته ثمانية ايام حسوما، كما قال الله في كتابه العزيز: «واما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية، سخرها عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما»(سورة الحاقة: 6 7). فبرد العجوز او الحسوم لا يستهان به اذا ما توافقت بشتاء بارد فإن بردها شديد وقد يضاهي برد المربعانية او اشد ومن قول ابائنا وامهاتنا في الماضي وعلى لسان برد العجوز انها قالت لو انني لحقت «ادركت» اول الشتاء لجعلت الشايب «الرجل المسن» يشعل النار في ركبتيه وتشعل المرأة العجوز النار في شيبها «اي شعر رأسها الابيض»، وذلك لشدة برد العجوز والحمد لله انها تأخرت الى عجز الشتاء ولم تدرك اوله، ومصداقا لما تقدم انه في ربيع عام 1989 كنا في مخيم ربيعي عائلي وهبت علينا رياح العجوز في مارس من ذلك العام مما ازعجنا وسرق النوم من عيوننا طوال الليل ونحن نضرم النار لاتقاء ذلك البرد الشديد وما ان شق نور الصباح وارتفعت الشمس في برجها حملنا انفسنا وركبنا سيارتنا مهرولين الى سوق الغربللي الذي هو اليوم شارع الملك سعود بن عبدالعزيز لشراء دفايات الكاز وعدنا الى المخيم متسلحين بتلك الدفايات لنعلن الحرب على برد العجوز التي غزتنا غدرا بتلك الليلة وذكرتني تلك الليلة ببرد العجوز في الخمسينات واوائل الستينات، وحقا ان برد العجوز لا يطاق اذا ما جد جدها وضاعفت بردها وان كان بردها يفسد في كثير من الاعوام لكن لا يؤتمن جانبه في اعوام اخرى. ويذكر بطرس البستاني في كتابه ادباء العرب في الجاهلية وصدر الاسلام الجزء الاول ص 71 عن تفاؤل العرب بالرياح اليمانيه التي تهب من الجنوب وتشاؤمهم من الرياح الشامية التي تهب من الشمال. ويشتد ابتهاجهم اي العرب عندما تهب الريح من جهة اليمن كما هبت ريح ملحة الجرمي من ناحية حضرموت فانها تأتي رخاء وتبشر بمطر غزير وخصب قريب، ولذلك اشتقوا معنى اليمن من الريح اليمانية، واشتقوا معنى التشاؤم من الريح الشامية، لانها تأتي بالبرد والصقيع، وتنذر بانقطاع المطر والقحط والجوع. وقال الشنفري: وليلة نحس يصطلي القوس ربها واقطعه اللاتي بها يتنبل اي تلك القوس والسهام التي يتنبل بها للصيد ويدافع بها عن نفسه، يضطره البرد لأن يحطمها ويجعلها حطبا ويشعل النار بها التماسا للدفء. فقد تبين لنا في ما تقدم ان برد العجوز شديد في السنوات العجاف التي تكون شحيحة المطر قليلة الكلأ (العشب) ومن طرائف اهل الكويت وعرب الجزيرة العربية انهم سألوا الحصيني (الثعلب) فقالوا: يا ابا الحصيني متى يكون الشتاء؟ فقال: اذا هبت رياح الشمال، وسألوه متى يكون الصيف؟ فقال: اذا هبت رياح الجنوب. وقد اطلق اهل الكويت على الدفء الذي يسبق برد العجوز بايام قلائل اسم بياع الخبل عباته وفي السنوات الاخيرة ومنذ الثمانينات كثر اصحاب الخبل ممن يبيعون عباءاتهم في مثل هذا الوقت وقد تشاهد الكثير منهم في ايامنا وهم يرتدون الملابس البيضاء قبل موسم برد العجوز فقلت حقا ان الكثير من اهل الكويت يحبون التقليد فقد قلدوا الخبل وباعوا عباءاتهم.