لا تزال الولاياتالمتحدة هي نفس الدولة التي كانت عليها قبل اربع سنوات، لكن الحملة الدولية التي يقودها رئيسها الجديد باراك اوباما مختلفة جدا عما مضى بحيث يتعين ان تلتمس العذر للعالم اذا ما تردد في رد فعله عليها. نعم، لقد اختفت معظم سمات السياسة الخارجية الامريكية التي انتهجها الرئيس السابق جورج بوش، فالفكرة المحافظة القديمة التي كانت تؤكد على «الاستثنائية الامريكية» التي وضعت امريكا فوق بقية بلدان العالم كمنارة فريدة للديموقراطية وكقوة مالية لا مثيل لها تبددت الآن واصبحت شيئا من الماضي، اذ في كل محطة توقف فيها، اوضح اوباما ان الولاياتالمتحدة ليست سوى لاعب بين بقية اللاعبين الآخرين على الساحة الدولية. وتم استبدال الحديث حول التفوق الاقتصادي الامريكي بالدعوة للعمل من اجل المزيد من النمو في البلدان المتطورة بل وحتى المزاعم التي كانت تطلقها الادارة الامريكية السابقة بشأن التفوق العسكري الامريكي في مختلف المجالات تم استبدالها بالتأكيد على التعاون والعمل الدبلوماسي الدؤوب. والحقيقة ان سمة الخطاب الامريكي الجديدة كانت ظهرت من اول تعليقات علنية ادلى بها اوباما في لندن خلال مؤتمر صحافي جمعة يوم الاربعاء الماضي مع رئيس الحكومة البريطانية غوردن براون حيث قال: لقد اتيت لاستمع اليكم وليس لالقاء محاضرة عليكم. وعندما ظهر مع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل في بادن - بادن يوم الجمعة الماضي طرح احد الصحافيين السؤال التالي عليه: ما مخططاتكم بشأن حلف شمال الاطلسي؟ ورد اوباما قائلا ومتخليا عن الدور القيادي الذي كانت تقوم به امريكا خلال الحرب الباردة: لم آت حاملا لأية مخططات عظمى بل انا هنا لاستمع ولاشارك في طرح الافكار، واساعد كأي عضو آخر في الحلف في صياغة رؤيتنا المشتركة للمستقبل. وبعد انتهاء قمة «مجموعة العشرين» تلقى اوباما الكثير من اسئلة الصحافة الاجنبية بما في ذلك مراسلون من الهند، الصين وبريطانيا لم يكفوا عن التصفيق له حتى بعد ان غادر المنصة. وعندما سأل صحافيان امريكيان اوباما حول رده على قول غوردن براون بأن موافقة واشنطن على القرارات اصبحت غير مهمة، وافق اوباما ملاحظا ان اسباب هذه العبارة تعود لجملة من السياسات الاقتصادية التي لم تكن سليمة ثم مضى متحدثا حول فوائد التنافس الاقتصادي مع الولاياتالمتحدة وقال بشأن القوى الاقتصادية الاخرى الصاعدة: ان هذا لا يشكل خسارة لامريكا بل انه شيء يدعو الى الاعجاب ان تتمكن كل من اوروبا، اليابان من بناء اقتصادهما من جديد وان تسير الصين والهند على نفس هذا الطريق فهذه البلدان تتحرك الآن الى الامام وهذا شيء طيب. وامام حشد كبير من مستمعيه في مبنى دار البلدية في ستراسبورغ وكان معظمهم من الشباب الفرنسيين والالمان، اعترف اوباما بأن على الولاياتالمتحدة ابداء احترام اكبر لاوروبا قائلا: ليس هناك تقرير في امريكا لدور اوروبا القيادي في العالم بل ومرت اوقات كانت فيها امريكا متكبرة ومتعجرفة بشكل يدعو الى السخرية. ولا شك ان هذا تباين واضح، فقبل اربع سنوات فقط، وصف جورج بوش خلال خطاب تنصيبه رئيسا للمرة الثانية ما دعاه «نفوذ امريكا الهائل» بالقول: سوف نستخدم هذا النفوذ بثقة من اجل قضية الحرية. من الواضح ان رؤية بوش لقوة امريكا كانت هجومية بل وتتسم بالعدائية، فقد اكد قائلا: سوف نسعى وندعم نمو الحركات والمؤسسات الديموقراطية في كل بلد وكل ثقافة، ونحن ماضون للامام وعلى ثقة بانتصار الحرية بالنهاية. وبالمقابل، نجد اوباما يبحث عن التعاون ويتطلع لتكوين رؤية مشتركة وليس لفرض اخرى امريكية، وهذا ما جعل الرد الاوروبي ايجابيا وواضحا من خلال آلاف المستقبلين الذين اصطفوا على طول الشوارع التي مر بها موكبه للترحيب به، مثل هذا الترحيب ظهر ايضا خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مع اوباما وقال فيه: انه لامر طيب ان نتمكن من العمل مع رئيس امريكي يريد تغيير العالم، ويدرك ان هذا العالم لا يقف ببساطة عند حدود امريكا، ولا يقتصر فقط على تحقيق مصالحها.