يعتقد بعض الخبراء أن التغيرات البنيوية التي تحدث خلال فترة المراهقة ربما تفسر لنا توقيت ظهور بعض الأمراض العقلية الرئيسية مثل الفصام واضطرابات المزاج في مرحلة المراهقة، وتساهم إلى حد كبير في ارتفاع معدل حالات الانتحار. كوري وسكالر مان توأمان في السادسة عشر من عمرهما وشقيقاهما التوأمان أيضا أنطوني وبراندون (18 عاماً) والشقيق الأكبر كريستوفر (22 عاماً) هم خمسة اخوة متطوعين قدموا من مدينة أورين بولاية يوتاه، إلى المركز الصحي للدراسات الإكلينيكية في بيسيدا بولاية ميرلاند الأمريكية، للمشاركة في دراسة ضخمة بدأت منذ عام 1991 بهدف معرفة كيفية تطور الدماغ من مرحلة الطفولة إلى المراهقة وبداية البلوغ. هذه الدراسة هي المشروع الذي كرس الدكتور جاي جيد، رئيس قسم تصوير الدماغ في قسم علم نفس الأطفال في المعهد الوطني للصحة العقلية، حياته من أجلها. والدكتور جيد (43 عاماً)، أمضى الثلاث عشرة سنة الماضية في سبر أغوار أدمغة 1800 طفل ومراهق باستخدام أحدث تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي. ويحتفظ الدكتور جيد بألبوم صور خاص بكل متطوع حيث كان يلتقط لهم صورا بالرنين المغناطيسي كل سنتين وشكل منها سجلاً لمراحل تطور الدماغ. وقد بدأ الدكتور جيد بدراسة منشأ اضطراب نقص التركيز وفرط النشاط، ومرض التوحد، ولكنه سرعان ما اكتشف أن العالم لا يعرف سوى القليل عن كيفية تطور الدماغ وأنه من المستحيل التكهن بالأماكن التي يحتمل أن يحدث فيها الخلل. وبطريقة أو بأخرى، لم يعد مشروع الدكتور جيد الذي كرس حياته من أجله، يشكل سوى محاولة لتشكيل مجموعة ضبط عملاقة. وقال: “لقد تبين ان الدماغ الطبيعي بحد ذاته عضو محير ومثير، ونتائج الدراسات التي أجريت على مرحلة المراهقة هي الأكثر إثارة للدهشة”. وقبل الدراسات التي قام بها الدكتور جيد ومعاونه في جامعة كاليفورنيا في لوس انجلوس وهارفارد ومعهد مونتريال للعلوم العصبية في كندا وعشرات المعاهد الأخرى، كان معظم العلماء يعتقدون أن الدماغ يصبح مكتملاً في السنة الثانية عشرة ليس فقط من ناحية الحجم، بل والإدراك في أعلى درجاته أيضاً، بحسب أدبيات الطب النفسي والتي تعود جذورها إلى الخبير النفساني السويسري جين بياجيه. ولكن الدراسات التي أجراها الدكتور جيد على صور المسح الدماغي أظهرت أن دماغ المراهق لا يكون غير مكتمل فحسب، بل إن المادة الرمادية والمادة البيضاء (نسيجان عصبيان في الدماغ) يخضعان لتغيرات بنيوية حتى بعد انقضاء مرحلة البلوغ بفترة طويلة. وقال: “عندما بدأنا العمل كنا نتصور أننا سوف نتابع هؤلاء الأطفال حتى سن الثامنة عشرة فقط، ولكن على ما يبدو أننا سنضطر إلى متابعتهم ربما حتى الخامسة والعشرين”. والآن بعد أن فتحت دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي نافذة تتيح الإطلال على آلية تطور الدماغ، يعكف الخبراء على دراسة التغيرات الفيزيولوجية التي تم رصدها حديثا والتي قد تكون السبب الذي يكمن سلوكيات المراهقين المألوفة بالنسبة للآباء، بما في ذلك العواطف الجياشة، والتهور، وروح المغامرة، وحتى مخالفة القوانين والرغبات الجامحة، والمخدرات، والرقص على أنغام موسيقا الروك. وتبدأ بعض الأمراض العقلية الرئيسية مثل الفصام واضطرابات المزاج، بالظهور عادة في مرحلة المراهقة وتساهم إلى حد كبير في ارتفاع معدل حالات الانتحار.