نشر الكاتب جابر عصفور بعض فصول سيرته الذاتية فى كتاب بعنوان "زمن جميل مضى" صدر عن سلسلة كتاب اليوم. وتضمن الكتاب مجموعة من المقالات المتفرقة التي نشرها عصفور في صحيفة البيان الإماراتية قبل سنوات وفي مجلة دبي الثقافية ويذكر فيها الكثير من تفاصيل سيرته الذاتية لاسيما سنوات نشأته الأولى في مدينة المحلة الكبرى (دلتا مصر). ويشير عصفور مدير المركز القومى للترجمة والناقد المصرى في مقدمة الكتاب الذي يقع في 195 صفحة من القطع المتوسط إلى أنه يستعيد في كتابه أياما جميلة تركت في النفس نوعا من البهجة وتركت أثرا طيبا في الوعي ولا يخلو استرجاع الذاكرة لبعض مشاهد الماضي في الكتاب من دلالة الخاص على العام . وتنطوي مقالات الكتاب على شعور من الأسى على الماضي الجميل الذي انتهى والذي يمنح فعل استرجاعه النفس على التشبث به والعودة إليه ولا يخلو تذكر الماضي في الكتاب من معنى الإدانة للحاضر والرفض للأسباب التي انقلبت بالجمال إلى قبح وبالمعرفة إلى جهل وبالاستنارة إلى الظلام. وهذا لا يعنى أن الكتاب يحمل دعوة إلى الماضي فالكاتب يؤكد انحيازه لمقولة الشاعر التركي ناظم حكمت "إن أجمل البحار ما لم نره بعد" فهو من الذين يسلطون أعينهم دائما على المستقبل. وفي الكتاب يكشف عصفور عن رحلته مع القراءة في مكتبة "البلدية" بالمحلة الكبرى وعن سر "العم كامل" الذي قاده إلى عالم القراءة ويتوقف كذلك أمام شخصية سعد السياجي الذي قاده إلى القراءة المنظمة. ويشير عصفور إلى الأسباب التي أوشكت أن تذهب به للانضمام إلى شعبة الإخوان المسلمين في بلدته من خلال صديقه زكريا التوابتي الذي مارس تأثيرا أكبر على نصر أبو زيد إتضح فيما بعد. ويعطي المؤلف في كتابه مساحة كبيرة لصحبة أصدقاء قصر الثقافة في المحلة التي ضمت معه الشعراء أحمد الحوتي ومحمد صالح ومحمد فريد أبو سعدة ومن الروائيين سعيد الكفراوي ومحمد المخزنجي ومحمد المنسي قنديل وجار النبي الحلو ورمضان جميل والدكتور نصر حامد أبو زيد الذي شغل حياته بكتابة شعر العامية كما يشير الكتاب. ويستعرض قيم التسامح الديني التي نشأ عليها في مدرسة الأقباط التي تلقى فيها تعليمه الأولي ويجيب عصفور عن سؤال في شأن نفوره من الرياضيات وغرامه بالأدب وعن دور أساتذة سنوات دراسته الابتدائية في تنمية هذا الغرام الذي انتهى به دارسا للأدب العربي في جامعة القاهرة. وبكثير من الأسى والزهو يتذكر عصفور الساعات التي كان يقضيها في كافيتريا كلية الآداب مع زملائه من الأقطار العربية في نقاشات لا تنتهي في فضاء أقرب إلى فكرة الجامعة الحرة. ويتحدث عصفور عن موقع أساتذته الكبار أمثال سهير القلماوي وطه حسين وشوقي ضيف وعبدالعزيز الاهواني وأدوارهم في حياته كما يتطرق إلى مشاكساته معهم ويرى طرائف خصومته مع شوقي ضيف التي انتهت بانتصار ضيف الأستاذ على تلميذه المشاكس في غرفة الامتحان. ويفرد جابر عصفور فصلا كاملا للحديث عن ذكرياته مع طه حسين وقصة أول لقاء معه في فيلته رامتان وكيف طلب منه عميد الأدب العربي أن يقرأ عليه أبياتا من شعر أبي العلاء المعري وكيف انتهى اللقاء بنبوءة أطلقها العميد في حضور سهير القلماوي بأن تلميذها سيكون "له انجاز في النقد الأدبي". ومن المفارقات التي يكشفها الكتاب أن عصفور هو من ألقى كلمة أحفاد العميد في حفل التأبين الذي أقامته الجامعة لطه حسين كما أن أول جائزة نالها المؤلف في الانجاز الثقافي مصريا وعربيا كانت عن كتاب حول طه حسين هو "المرايا المتجاورة". ومن المفارقات التي يتوقف أمامها الكتاب أيضا كيف أن عصفور أحب في مراهقته روايات يوسف السباعي الذي تولى بعد أكثر من 40 عاما نفس منصبه كأمين عام للمجلس الأعلى للثقافة (1994 - 2006) كما يتوقف أمام بحثه الأكاديمي الأول عن شوقي شاعر العصر الحديث. ويروي عصفور قصص لقائه الأول بصلاح عبد الصبور وفاروق خورشيد وعز الدين إسماعيل وعبد القادر القط وشكري عياد وبهاء طاهر وأمل دنقل مسترجعا بكثير من الأسى والحزن ما عاشه جيله من تحولات قاسية بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967 والمتغيرات التي جاء بها عصر السادات. ويخصص عصفور الفصول الأخيرة من كتابه لتذكر زمن عبد الحليم حافظ الذي يصفه ب` "زمن الحلم والرغبة في التوهج والخيال الأمل" أو زمن "حبيب الملايين" كما يصف الزعيم جمال عبد الناصر. ويكشف الكاتب في الصفحات الأخيرة من كتابه سر الخطاب الذي أرسله إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لكي يحقق له العدل الذي وعد به في خطبه وبفضل هذا الخطاب تمكن عصفور من الحصول على وظيفته كأستاذ في جامعة القاهرة بعد الظلم الذي لحق به وأدى إلى تجاوزه في حركة تعيينات المعيدين. (د ب أ)