لماذا لم يذهب الرئيس حسني مبارك إلي قمة الدوحة؟! سؤال ركزت عليه وسائل الإعلام بالأمس, وربما هذا ينبع من مدي تأثير مصر ونفوذها, لكن لماذا لم تشارك مصر علي مستوي القمة ؟! والتحركات التي تجريها القاهرة لحسم العديد من الملفات الشائكة في المنطقة العربية من السودان إلي فلسطين إلي العراق, وتمدد النفوذ الإيراني في المنطقة والأسباب التي تدفع مصر للإمساك بهذه الملفات, ومدي توظيف علاقاتها وقدراتها مع كل الأطراف, وهو ما يعطي الزخم للحركة السياسية والدبلوماسية المصرية, وهذه الحركة تدفع للتساؤلات المشروعة عن تعاظم الدور المصري وقوة تأثيره اقليميا ودوليا, ولماذا تتجه الانظار دوما إلي مصر, والأسباب التي تدفع البعض إلي التجريح والهجوم علي الدولة الكبري. تحركت مصر بهدف لم الشمل العربي.. وذهب الرئيس مبارك إلي الرياض بقلب مفتوح للمشاركة في القمة التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين, وهذه المصالحة التي تمت بين مصر وسوريا من ناحية, والسعودية وسوريا من ناحية ثانية سيكون الحكم عليها من الأفعال علي الأرض, وربما تكون قمة الدوحة الاختبار الحقيقي, فهل ستذهب سوريا إلي حضن قطر أم ستعود إلي جانب مصر والسعودية, فالمصالحة تمت بين الدول الثلاث, وهذا يعني أنه لا مصالحة مصرية قريبا مع قطر, وأعطت مصر رسالة إلي القطريين, وخفضت مستوي تمثيلها في القمة, حيث سيترأس الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والنيابية الوفد المصري مثلما حدث في قمة دمشق, وهذا يؤكد أن قطر عليها مراجعة مواقفها بالكامل تجاه مصر, وتدخلاتها في العديد من الملفات والقضايا. ومصر لديها العديد من التحفظات علي السلوك القطري, الذي ظهرت فجاجته خلال العدوان علي غزة, وليس من السهل أن يتناسي الشعب المصري الإساءات التي استهدفت رموزه وبلده, من خلال الحملات التي نظمت ورتبت من جانب مسئولين في تلك الدويلة, التي دفعت الأموال لمجموعة من الشتامين سواء من المعارضة وأعضاء الجماعة المحظورة أو إعلاميين ومفكرين عرب, وكان الهدف التأثير علي القرار المصري والتشكيك فيه, بل والتمادي في توجيه الاتهامات بالخيانة, وهناك الكثير من الأدلة علي هذا الدور القطري, ومن كان يدير تلك الحملات, وشارك في تأجيجها, ويبدو أن مصر لن تقبل إلا بمراجعة قطر لملفاتها السلبية, ومواقفها تجاه الدولة الكبيرة, والأكثر تأثيرا في هذه المنطقة, ولا يخفي علينا كيف رسمت قطر لنفسها الدور المطلوب منها أمريكيا وإسرائيليا, بعد أن حددت امكانية لعب دور دق أسافين بين الدول وتعكير الأجواء في العلاقات العربية العربية, لكن قطر اليوم تحترق بالنيران التي أشعلتها, ومازال أميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ينتظر منذ ثلاثة أشهر بجوار هاتفه لعل الرئيس الأمريكي أوباما يتصل به, ولو مرة واحدة, حتي الآن لم تحدث تلك المكالمة, فأمريكا أرادت تأديب قطر لارتمائها في حضن إيران. وما حدث من قطر ترك انطباعا سلبيا بأن هذه الدويلة لايهمها مصلحة العرب, بل يهمها مصلحة المقعد الذي يجلس عليه أميرها, ويريد تأمين مستقبله السياسي بتوفير حماية من الدولة العظمي للعرش القطري, فهناك نجله ولي العهد, ولضمان عدم خروج المقعد من عائلة آل ثاني الحاكمة سعت قطر للاحتماء بدولتين يمكنهما تهديدها, وهما الولاياتالمتحدةوإيران. فإيران تريد السيطرة علي المنطقة وإعادة الدولة الفارسية وليست الاسلامية, وهذا التوجه الايراني يهدد مصالح الدول العربية كافة, فالسعي لانتاج قنبلة نووية هو الهدف ليكون لدي النظام الايراني سلاح ردع لتخويف جيرانه ولتكريس فكرة السيطرة علي الدول المجاورة, ومنذ ثورة الخوميني وحتي اليوم لم تتراجع إيران عن امتلاك هذا السلاح مرورا برفسنجاني وخاتمي ونجاد, فعملية تخصيب اليورانيوم تتم ولن تتوقف, ورسالة الايرانيين أن يكون لهم دور في أي ترتيبات تحدث في المنطقة, فالغزو الأمريكي للعراق ساهم في زيادة النفوذ الايراني داخل الدولة العربية, لدرجة أن نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي, أصبحت موالاته لإيران أكثر من الولاياتالمتحدة والتي جاءت به لهذا المكان, وتحاول الولاياتالمتحدة تقديم عروضها السخية للنظام الايراني سواء بفتح الحوار معها أو منحها مهلة لتغيير مواقفها, والهدف واضح وهو التقارب كمصلحة استراتيجية بين البلدين, فأمريكا تريد سحب قواتها من العراق وأفغانستان بدون وقوع خسائر, بمعني ألا تحدث عمليات من الموالين لايران, علي غرار ما فعله حزب الله في جنوب لبنان ضد القوات الاسرائيلية, وحتي لا تخسر أمريكا سمعتها بأنها انسحبت نتيجة للهجمات ضد جنودها. إيران تريد في هذه المرحلة الحصول علي أكبر قدر من المكاسب في ظل نفوذها وتأثيرها علي حزب الله وحماس باعتبارهما شوكتين في ظهر إسرائيل, فإيران تدعم حزب الله ولم تفعل الشيء نفسه مع حركة أمل الشيعية في لبنان, فهي تستفيد من تحريك ميليشيات الحزب لخدمة مصالحها وقتما تريد ونفس الشيء فعلته مع الحمساويين, ومثل هذه الأوراق تضعها إيران في يدها خلال تحرك الملفات الدولية وتبحث عن دورها أيضا في منطقة الخليج وقدرتها علي التهديد بإغلاق مضيق هرمز لمنع وصول إمدادات البترول للولايات المتحدة, وفي ظل الحالة السيئة للوضع الداخلي لأمريكا مع قدوم الادارة الجديدة, أن يراهن الايرانيون علي كسب مزيد من الوقت لإنتاج سلاحها النووي. فالدولة المصرية تعرف ما تريده إيران بالضبط والمخاوف من الأطماع الايرانية تدفع إلي ضرورة اليقظة من جميع الدول العربية دون تراجع أو إمساك العصا من المنتصف, فالمد الإيراني الشيعي سيؤثر سلبا بالدرجة الأولي علي دول الخليج وأمنها, وهذا الأمن يرتبط مباشرة بالأمن القومي المصري, والعلاقات الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة وجميع الدول العربية تجعلها في موقف يتطلب إعادة الحسابات, ففتح الحوار مع إيران لا يكون علي حساب أي طرف عربي, ومن هنا فإن الدور المصري وإمساكه بالملفات المهمة يجعل منه رمانة الميزان في مثل هذه التحركات الاقليمية والدولية, ويظل الملف الفلسطيني من أصعب القضايا التي تواجه الادارة الأمريكيةالجديدة ورؤيتها بإقامة دولتين, وتتحمل مصر دورها في حل الخلاف بين الفصائل في ظل حوار القاهرة وتشكيل الحكومة التي سيتفق عليها, وليس صحيحا ما تداولته بعض الصحف الخاصة من أن وزير الخارجية أحمد أبو الغيط توجه إلي بروكسل الاسبوع قبل الماضي للالتقاء بنظرائه في الاتحاد الأوروبي لاقناعهم بمن يتولي رئاسة الحكومة الفلسطينية وكذلك ما نشر في نفس اليوم عن توجه الوزير عمر سليمان إلي الولاياتالمتحدة لنفس الغرض, وهذا الكلام لم يكن مبنيا علي أساس, فالاجتماع الذي حضره وزير الخارجية أبو الغيط كان مقررا منذ26 يناير الماضي, وتزامن مع حوار الفصائل بالقاهرة, ومهام الوزير عمر سليمان تكون دائما لها صفة السرية, ولا يتم الاعلان عنها مسبقا, لكن هناك من يحاول الايحاء بالدور الأمريكي, ويتناسي هؤلاء الجهد المصري الشاق لحل الملف الفلسطيني. ويظل تشكيل الحكومة الاسرائيلية من الأمور التي يترقبها الرأي العام, وكيفية التعامل مع حكومة تضم الاحزاب اليمينية والدينية, لكن المؤكد أن السياسة الخارجية والدبلوماسية المصرية تتعامل بحكمة ولصالح هذا الوطن وبدون عنتريات أو اطلاق تصريحات للرأي العام ويكن مردودها السياسي سلبيا, فلدي بلدنا معاهدة سلام مع اسرائيل وهو أمر يجعلنا نتعامل معها كدولة, وحسنا فعل وزير الخارجية أحمد أبو الغيط, بعدم الرد علي هؤلاء الذين يزايدون بين حين وآخر وأعتقد أن قوة الدبلوماسية المصرية في اختيار التوقيت لرد الصاع صاعين لمن يتطاول علي وطنه وقيادته, ولننتظر هل سيتولي أفيجدور ليبرمان حقيبة الخارجية الاسرائيلية, أم ستسند الي سلفان شالوم, وفي حالة ليبرمان ستكون هناك طريقة للتعامل مع هذا المتطرف, فالدبلوماسية المصرية يقودها رجل وطني يعرف متي يتكلم..! وكان الاربعاء الماضي يوما مهما مع مجيء الرئيس السوداني عمر البشير إلي القاهرة لمقابلة الرئيس حسني مبارك, فهدف القيادة السياسية الاستراتيجي من هذه الزيارة الحرص علي مصالح السودان وشعبه واستقراره, وحسب التقديرات المطروحة فإن مصر ترعي بوضوح المأزق الذي يواجه الرئيس السوداني في ظل قرار المحكمة الجنائية الدولية, ورغم إيفاد الرئيس قبل اسبوعين بكل من السيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية والوزير عمر سليمان إلي الخرطوم ومقابلتهما الرئيس البشير لنقل الرؤية المصرية عقب طرد السودان لعدد من منظمات الإغاثة العاملة في دارفور, فأرادت القيادة السياسية وضع الصورة الكاملة أمام البشير والخيارات المتاحة للخروج من هذه الازمة لتلافي التكاتف الدولي ضد السودان. وليس سرا القول إن الضرورات تقتضي من الرئيس السوداني ان يتخذ مجموعة من الإجراءات الفورية, والتي أراها في عدة نقاط: * ضرورة اتخاذ خطوات جادة لإجراء إصلاحات حقيقية نحو المواطنين السودانيين في دارفور. * تقديم متهمين فعليين إلي المحاكمة داخل السودان لمن يثبت ارتكابهم جرائم. * عدم طرد أي منظمات إغاثة أخري, بعد خطيئة طرد نحو13 منظمة, وما ترتب عليه من معاناة لأبناء دار فور, وقد يؤدي ذلك إلي تلقف وسائل الإعلام الغربية تلك المعاناة وتحدث الضغوط الدولية مما يدفع الدول الكبري إلي الذهاب إلي مجلس الأمن لتنفيذ قرار المحكمة الجنائية. وهنا تكمن المشكلة. فالرسالة أصبحت واضحة أمام الرئيس السوداني, لان الأمر يحتاج الكثير من العمل السياسي والدبلوماسي والحنكة, وهذا ما تفعله مصر مع كل الأطراف الدولية. وهنا تظهر قوة وتأثير القيادة السياسية فيما يتعلق بالقضايا الوطنية والقومية الفاصلة.