الاهرام :27/3/2009 قبل نيف وستة عقود, ابي قطاع كبير من مسلمي شبه القارة الهندية إلا الانفصال عنها وتأسيس دولة باكستان علي اساس ديني بنكهة قبلية ومثلما لعب مؤسسو الدولة الجديدة بورقة الدين لتبرير ذلك الانفصال جنحت نخبها الحاكمة لاحقا مدنية كانت أو عسكرية للعب بذات الورقة قاصدين السلطة والحكم, وهو ما افضي إلي تكرار السيناريو الانفصالي عينه ولكن داخل الدولة الباكستانية هذه المرة لتنبثق عنها دولة جديدة هي بنجلاديش ولتجد باكستان نفسها علي موعد مع مآل نذر باتت خلاله مع التنمية في خصومة وحيال الديمقراطية في جفاء وان ابتليت بتصالح مع التأزم الاقتصادي المزمن وتآلف ممقوت مع غياب الأمن والاستقرار. وتميط الازمة السياسية التي تجتاح باكستان حاليا اللثام عن حزمة من العوامل التي نسجت خيوط تلك المعضلة فإلي جانب تواضع ما بحوزتها من متطلبات الديمقراطية والتنمية فضلا عن عجز علماء السياسة الباكستانيين عن صوغ اطروحة عصرية تعمل علي تبيئتهما ببلدهم في الوقت الذي تبارت قيه النخب المدنية والعسكرية في ممارسة التسلط ومباشرة الفساد, لم تكن الديمقراطية تمثل أولوية لدي غالبية الشعب الباكستاني. وشأنها شأن غالبية دول العالم النامي وقعت باكستان في براثن الدور المتعاظم للعسكر علي حساب ضمور وموسمية حضور القوي المدنية والليبرالية التي اخفقت بدورها في تشكيل قوة ضاغطة تعمل بدأب لاقرار الديمقراطية مثلما عجزت عن حلحلة الازمات الاقتصادية والاجتماعية المزمنة بعد ان غرقت في خلافاتها البينية وانهكتها صراعاتها علي السلطة إلي الحد الذي جعلها تعيد انتاج تلك الخلافات والصراع بمجرد انقضاء اي تحالف اضطراري آني فيما بينها فور بلوغ مقاصده وبقدر ما أسهم تصدر باكستان لقائمة أكثر دول العالم فسادا بحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية في تعويق الديمقراطية وتأخير التنمية فانه اوجد من جانب آخر مسوغات لترسيخ دعائم الحكم العسكري فكثيرا ما اتخذ الجيش من فساد النخب المدنية تكئة للانقلاب عليها وانتزاع السلطة عنوة بل التنكيل بقياداتها. ولعلنا لانبالغ اذا زعمنا أن الجيش الباكستاني قد اضحي بمثابة الحزب الثالث الذي يتناوب علي السلطة مع الحزبين الكبيرين الشعب والرابطة الإسلامية فلقد أتاحت خصوصية التجربة الباكستانية للجيش فرصة الاستحواذ علي السلطة مدة تربو علي نصف عمر الدولة الباكستانية منذ تأسيسها في عام1947 جاءت في ثلاث فترات متقطعة استهلها الجنرال ايوب خان في اواخر ستينيات القرن الماضي, بينما توسطها الجنرال ضياء الحق بانقلابه العسكري في الثمانينيات ثم استكملها الجنرال برويز مشرف بانقلاب اخر عام1999 كما احتفظ العسكر بحق التدخل في الفترات الاستثنائية التي تركوا خلالها مقاعد الحكم لنخب مدنية تنتمي لذات الحزبين الكبيرين. وبموازاة ذلك القت ظروف الصراع الممتد مع الهند بظلالها علي التجربة الباكستانية إلي الحد الذي ادي إلي عسكرة المجتمع والدولة في آن, بحيث طغت الرؤية الامنية علي الاعتبارات التنموية أو الديمقراطية, حتي ان النخب المدنية التي كان يعول عليها لم تتورع عن الانزلاق إلي عملية انفاق محموم علي التسلح عموما والسلاح النووي وادوات توصيله علي وجه التحديد, اعتصرت علي اثرها موارد الدولة وانهكت الشعب بينما فاقمت من قوة ونفوذ المؤسسة العسكرية حتي غدت الأكثر جاهزية للحكم والسيطرة علي البلاد لاسيما انها تحتكر المسئولية الكاملة عن الترسانة النووية الباكستانية وهو الأمر الذي وضح جليا خلال الازمة السياسية التي تعصف بالبلاد هذه الايام, اذ شكل موقف قائد الجيش الجنرال اشفاق كياني الذي يحظي برضا واشنطن كونه يبلي بلاء حسنا في الحرب علي الإرهاب قوة ضغط لافتة علي الحكومة حينما طالب رئيسها بممارسة صلاحياته الدستورية واقناع زرداري بالموافقة علي طلب المعارضة باعادة القضاة المعزولين قبل وصول المسيرة الطويلة للمحامين وانصار شريف إلي إسلام اباد حقنا لدماء ابناء الامة, وهو ما اعتبره مراقبون تحذيرا مبطنا من كياني من امكان تدخل الجيش لحسم الامر بموافقة غربية. ويدلف بنا ذلك المشهد إلي عامل آخر يضاف إلي حزمة العوامل التي آلت بباكستان إلي هذا المآل حيث يمكن الادعاء بان تواضع نصيبها من الدعم الدولي للتحول الديمقراطي المتعثر فيها قد شكل معوقا مهما للديمقراطية والتنمية في هذا البلد الذي انحصرت اهميته بالنسبة للدول الغربية عموما وللولايات المتحدة علي وجه الخصوص, وفي وظيفة جيواستراتيجية محددة ثلاثية الابعاد هي: استمرار تركيز الجيش الباكستاني في الاضطلاع بدوره الحيوي بالصفوف الامامية للحرب الأمريكية ضد الإرهاب, وتأمين الترسانة النووية الباكستانية ثم الحيلولة دون تعاظم نفوذ ونشاط تنظيمي القاعدة وطالبان بما يعضد قدرتهما علي مواصلة تهديداتهما لخطوط امداد القوات الدولية في افغانستان عبر الاراضي الباكستانية وهي الوظيفة التي سوغت لواشنطن غض الطرف عن انتهاكات نظام مشرف للدستور وتقويضه للديمقراطية مغدقة عليه مساعدات اقتصادية وعسكرية سخية ناهزت الأحد عشر مليار دولار خلال الفترة من عام2000 إلي2007 واقترحت إدارة اوباما مضاعفتها ثلاث مرات مؤكدة ان جل ما يعنيها من امر باكستان هو تأمين ترسانتها النووية والحيلولة دون تسربها إلي أية جهة متطرفة أو مناهضة لواشنطن.