الاهرام 20/3/209 في هذه البقعة من العالم تموت الأحلام, إلا أن الماضي لا يموت والخرافة أكبر من الموت والحياة معا, لذا لم يكن غريبا أن ينفق العالم العربي أكثر من عشرة مليارات دولار علي الخرافة والدجل وأن تشتري الأنظمة العربية بمئات المليارات من الدولارات أسلحة يصدأ معظمها قبل أن يتم استخدامه وأن تبخل هذه الأنظمة في الإنفاق علي البحث العلمي في حين لا تتورع عن صرف المليارات علي إعلام لا ينشر العلم, بل يحتفي بالخرافة! ولعمري أن الشعوب والنخب التي تغط في نوم عميق وسط أحلام مزيفة ينشرها إعلام الخرافة! لن يكون بمقدورها سوي الاستيقاظ علي كارثة أو سقوط عاصمة عربية أو اعتقال رئيس عربي قبل أن تذهب في خدرها الجميل! قد يتصور البعض أن النخب الحاكمة تفضل شيوع الخرافة أو أنها تختار بعناية الجهلاء في المفاصل الحساسة من أجهزتها, إلا أن الواقع يقول إن إعلام الخرافة نجح وبامتياز في أن يشيع هذا الخدر الجميل, ليس فقط بين العامة, بل بين من يفترض فيهم أن يكونوا حراسا علي الأمة والنظام وهنا لا فرق بين إعلام الريادة والإعلام البديل فلكل منهما خرافته فقد خرجت إحدي صحف الإعلام البديل لتقول لنا إن حاخامات إسرائيل قتلوا الرئيس عبدالناصر بالسحر! ولا تتورع بعض القنوات الفضائية عن نشر خرافة السحر أيضا أو علاج المرضي من خلال الدجل الفضائي, وفي المقابل فإن الإعلام الحكومي لا يتوقف عن إشاعة خرافة أزهي عصور الحرية والديمقراطية, كما أن إعلام المقاومة هو الآخر لا يرغب في المراجعة, فهذا ليس وقت الأسئلة وفي دولة السودان الشقيق لا يتورع الزول مصطفي عثمان ان إسماعيل يشبه شعبه بالشحاتين قبل مجيء الرئيس عمر البشير! وأحسب أن هذا كله ليس غريبا, فقد سبق لزعيم كبير أن خاطب شعبه بقوله: أنا الذي علمتكم الكرامة, كما أن الكاتب البريطاني باتريك سيل كتب يوما يستغرب من ذلك الولع الشعبي بحافظ الأسد لحظة رحيله برغم أنه لم يكن بطلا لا في الحرب ولا في السلام, ووسط هذا الجو الخانق بإحباطات الماضي والحاضر, وبسلسلة لم تتوقف من الهزائم فإن الإخوة السودانيين الذين بعثوا لي بخطابات محملة بسيل من الشتائم لمجرد أن ذكرنا هنا أن العنتريات ولي زمانها فإنني أعذرهم, فقد خرج مصطفي إسماعيل مستشار البشير عن وقاره لينفي تهمة العنترية, لكن ليصم شعبه بالتسول! ولعمري ما أتعس شعوب مستعدة لتفتدي بأرواحها مثل هؤلاء! إلا أن التاريخ يعلمنا ألا نصدق كثيرا مما يقال بالشرق الأوسط, فهذه مجرد خرافة!