طوال 15 عاماً، ظل حمد الغامدي يُدخن السجائر صباحاً، والشيشة مساءً، قبل أن يُقرر أن يقلع عن التدخين في شكل مفاجئ، في خطوة ادهشت جميع أصدقائه وذويه، قبل تأييدهم لها، من منطلق ضرورة «ترك هذه العادة السيئة، اليوم قبل الغد». حمد الذي أكمل عامه ال30، لم يكن وراء قرار إقلاعه عن التدخين عارض صحي قوي، أتبعه تحذير طبي، بترك التدخين الفوري، وإنما الباعث كان رغبته في الزواج، ليس أكثر. وعرف حمد طريق التدخين عندما أنهى المرحلة المتوسطة، فبدأ يدخن السجائر التي كان يحصل عليها، على سبيل الهدية، من «رفاق السوء»، الذين أوهموه أن التدخين «من علامات الرجولة المبكرة»، وأن نفث دخان السيجارة من فتحتي الأنف، إلى أعلى، دليل على أن الشاب «ذو شخصية قوية ومؤثرة في محيطه» كما يقول. ولم تمض أسابيع قليلة، حتى دشن حمد مرحلة شراء عُلب السجائر الخاصة به، وراح يدخنها خلسةً خلال فترة وجوده في مدرسته صباحاً، وعندما اشتد عوده، والتحق بالجامعة، شارك زملاءه في تدخين الجراك (نوع من أنواع الشيشة) مساءً في المقاهي، أو خلال سهراتهم شبه اليومية، في منزل أحدهم. في المقابل، تتوارى المعلمة خلود عبدالرحمن عن الأنظار، عندما تفكر في تدخين سيجارة في مدرستها، فتُخرج علبة السجائر من حقيبة يدها، وتلتقط منها سيجارة، تُشعلها في حركات بهلوانية سريعة، وهي تتلفت يميناً ويساراً، تحسباً من أن يلمحها عابر أو متطفل، فيتطاير الخبر في كل أرجاء المدرسة التي تعمل فيها. وعندما شعرت خلود بهمس وغمز بين طالباتها وزميلاتها، بأنها امرأة «مُسترجلة»، وإنها تتشبه بالرجال في تدخين السجائر، قررت ترك هذه العادة نهائياً في محيط المدرسة على الأقل، عل وعسى تتغير النظرة المأخوذة عنها، وتقنع المحيطات بها بأنها ما زالت امرأة لها أنوثتها وتوافق ضمناً المجتمع رأيه الرافض لرؤية امرأة تضع سيجارة بين شفتيها. وتلعب طبيعة الحياة الاجتماعية في السعودية، بما تمتلك من عادات وتقاليد «خاصة»، دوراً كبيراً في ترغيب الشبان والفتيات المدخنين، في الإقلاع عن التدخين طواعية، من دون إجبار من أحد. إذ ما زالت غالبية السعوديين تنظر إلى الدخان على أنه «عادة دخيلة في أوساط الشباب العارف بواجباته نحو ربه ودينه» كما يحكى كثيرا، على رغم الإحصاءات العالمية، التي تضع السعودية في مقدم الدول المستهلكة عربياً للتبغ. وينظر المجتمع إلى المدخنين على أنهم «عصاة، ومخالفون لبعض تعاليم الإسلام»، الذي يأمر المسلمين بعدم إلقاء أنفسهم في التهلكة، وليس من الصعب هدايتهم وإعادتهم إلى طريق الرشد. ويرى المشرف العام على جمعية مكافحة التدخين في المنطقة الشرقية صالح العباد، أن «العادات الاجتماعية في السعودية تحفز وتدفع فئة المدخنين إلى الإقلاع عن هذه العادة في أسرع وقت، حتى لا يصنفهم المجتمع في خانة ناقصي الدين والهداية». ويضع العباد، في حديث إلى «الحياة»، سبب إقلاع الشاب السعودي المدخن عن هذه العادة، من أجل الحصول على زوجة صالحة، في مرتبة «مساوية تماماً مع السبب الصحي الدافع للإقلاع عن التدخين، إذ تحرص الأسر السعودية التي لديها فتيات في سن الزواج، على اختيار شبان صالحين لبناتهن، ومن شروط الصلاح، في نظرها، ألا يكون الشاب مدخناً سواءً للسجائر أم الشيشة والجراك، أم غيرها من أنواع التبغ». ويشير العباد، إلى أن نسبة الذين يقلعون عن التدخين، لإصابتهم بأمراض التدخين القاتلة من ضيق الشرايين، أو الالتهابات الرئوية، أو السرطانات، «تصل إلى 50 في المئة، وهي النسبة ذاتها لعدد المُقلعين بداعي الزواج». ولفت إلى أن «هذه النسبة خاصة بالمجتمع السعودي ربما من دون غيره، مقارنة بعادات مجتمعات أخرى لا ترى مانعاً من تزويج الفتاة لشاب مُدخن، وتستبدل هذا الشرط بآخر، مثل القدرة المالية، أو امتلاك مسكن لعش الزوجية». ويلتمس العباد العذر للمرأة السعودية المدخنة إذ يرى أنه «ما زالت النظرة السلبية تُحيط بالمرأة السعودية المدخنة، فتقسو عليها كثيراً، وتعدها في بعض الأحيان بأنها سيئة السمعة، فلا يقرب منها الخطّاب، وتتجنب النساء صداقتها، خوفاً من إلصاق التهم بهن». ولاحظ أن «الأسرة التي تعرف أن ابنتها تُدخن، تضغط عليها من أجل التوقف الفوري عن هذه العادة، لتجنب التعليقات التي قد تُقال في حق الفتاة نفسها، أو أسرتها، من المحيطين بها». وقال: «تنامي النظرة السلبية إلى النساء المدخنات، يدفع عدداً منهن إلى الإقلاع الطوعي عن التدخين، من دون الخضوع إلى أي علاجات في هذا المجال، وإن حدث وخضعن للعلاج، فيكون في شكل سري، خوفاً من افتضاح أمرهن أمام الآخرين، بعكس الرجل المدخن، الذي قد تسمح ظروفه الاجتماعية بتلقي العلاج المناسب للإقلاع عن التدخين، في شكل علني، من دون حرج».