بعيدا عن الأسباب الأقتصادية, اكد العديد من الدراسات و الأبحاث الاجتماعية وصول معدلات الزواج العرفي بين الشباب خاصة طلبة الجامعات' الخاصة' الي حوالي30% بعد ان كانت حوالي17% منذ فترة قصيرة لا تتعدي السنوات الثلاث. يأتي ذلك في الوقت الذي قتلت فيه وسائل الأعلام بمختلف انواعها هذه الظاهرة بحثا خاصة بعد هوجة قضية هند الحناوي الشهيرة, متناولة السلبيات التي لا تعد و لا تحصي عن هذا النوع من الزيجات الذي استخدم كوسيلة اما لإطفاء رغبة جنسية بطريقة اعتبرها الشباب من وجهة نظرهم المحدودة' مشروعة' نتيجة لتغليفها بستار ديني مغلوط او كوسيلة للهروب من بعض الاستحقاقات والالتزامات القانونية. لذا تقدمت ابتسام حبيب عضو مجلس الشعب ورئيسة مصلحة الشهر العقاري السابقة منذ ايام بمشروع قانون يقضي بحبس المتزوجين عرفيا مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تتجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحداهما في محاولة للحد من ظاهرة تفشي الزواج العرفي بين الشباب منذ نحو عامين أعلن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف أنه بصدد إصدار فتوي مفصلة حول موضوع الزواج العرفي, تتضمن تجريما له واعتباره زنا; لأنه يفتقد الأركان الشرعية للزواج الصحيح الذي أحله الله عز وجل خاصة مع تزايد حالات الزواج العرفي داخل المجتمع, وجنوح البعض إلي التعامل به علي اعتبار أنه زواج مكتمل الأركان في حين أنه غالبا ما يتم بدون ولي بالرغم من أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال:' لا نكاح إلا بولي'. فيما ذكرت مصادر أخري من داخل الأزهر الشريف أن سبب إثارة قضية الزواج العرفي مرة أخري هو إجازة كتاب' الزواج العرفي.. حلال حلال' الذي يؤكد أن الزواج العرفي حلال, حتي إن تم بلا ولي, كما ألمح الكتاب كذلك إلي أنه من الخطأ التوسع في تحقق أمر الباءة علي اعتبار أنه يجوز أن يتزوج الشاب بمصروفه الخاص الذي يأخذه من والده, بالإضافة إلي مصروف الفتاة الخاص كذلك, ويسكنا في بيت أي من أسرتيهما. تمت اثارة الموضوع كالعادة دون الوصول الي حل جذري وقاطع الي ان تقدمت منذ ايام النائبة بمجلس الشعب' ابتسام حبيب' بمشروع قانون يتضمن تعديل بعض أحكام قانون التوثيق لمواجهة حالات التسيب في توثيق عقود الزواج بين المصريين أو بين المصريين والعرب والأجانب حيث يعاقب القانون المقترح طرفي الزواج العرفي بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تتجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحداهما. ولقد اوضحت النائبة بمجلس الشعب أن القانون الجديد يعاقب كاتب وشاهدي أي عقد زواج لا يتم توثيقه وفقا لأحكام القانون أو وفقا للائحة المأذونين الصادرة بقرار من وزير العدل, كما يلزم الزوجين بتقديم شهادة طبية من جهة حكومية معتمدة يحددها وزيرا العدل والصحة, تؤكد خلو الزوجين من الأمراض الوراثية. يأتي ذلك في الوقت الذي طالب فيه ايضا حقوقيون وبرلمانيون بسرعة التصدي لظاهرة الزواج العرفي بعيدا عن اقرار شرعية الزواج أو عدمه بقدر ما هي مجرد محاولة لتوثيقه وإضافة الإطار القانوني له ولمعالجة الأزمات الناتجة من هذه التصرفات غير المسئولة. فمن الواضح أن الظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد ليست هي السبب الرئيسي فنجد أيضا أن الظاهرة منتشرة في الجامعات الخاصة والطبقات العليا من المجتمع ممن تتوافر لديهم الإمكانيات المادية. ولذا كان إيجاد شرعية قانونية علي هذه العلاقات والتي تتنافي مع أخلاقيات المجتمع هو الأمر المطلوب بعيدا عن مسألة الحرام والحلال. العرفي..حلال...السري...حرام! من جانبها اشارت د. آمنة نصير- استاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر ان الزواج العرفي إذا استكمل أركانه وشروطه من الولي والإيجاب والقبول والإشهاد علي العقد والمهر فهو زواج صحيح حتي ولو لم يوثق لدي جهات التوثيق الرسمية, ولكن يجب شرعا تسجيل الزواج بوثيقة رسمية ومن لم يفعل ذلك فهو مخطيء, و اضافت د.آمنة نصير, أما الزواج العرفي الذي يكتفي فيه الطرفان بكتابة ورقة يعترفان فيها بالزوجية فلا خلاف في حرمته, ولا يسمي زواجا, ولا تترتب عليه آثار الزواج الشرعية, ويضاف إلي ما سبق أنه يجب علي الناس الالتزام بما نص عليه قانون الأحوال الشخصية لأنه مستمد من الشريعة الإسلامية فيجب الالتزام به شرعا. هذا وقد اصدر المجلس القومي للمرأة وبالتحديد مكتب شكاوي المرأة ومتابعتها نشرة وبيانا مفصلا عن الزواج العرفي كظاهرة مجتمعية قد تؤثر علي النهوض بالمرأة و كمخرج تحليلي متكامل يسهم في التوصل لحلول جذرية. عن مشروعية الزواج العرفي اوضحت د. نجوي الفوال, مدير مكتب شكاوي المرأة و متابعتها ان الزواج العرفي نوعان, نوع يكون مستوفيا للأركان والشروط, يحل به التمتع وتتقرر الحقوق للطرفين وللذرية الناتجة منهما, وكذلك التوارث, وكان هذا النظام هو السائد قبل أن توجد الأنظمة الحديثة التي توجب توثيق هذه العقود. أما النوع الثاني من الزواج العرفي فله صورتان: صورة يكتفي فيها بتراضي الطرفين علي الزواج دون أن يعلم بذلك أحد من شهود أو غيرهم( زواج سري), وصورة يكون العقد فيها لمدة معينة كشهر أو سنة, وهما باطلان باتفاق مذاهب السنة. واضافت د. نجوي الفوال ان للزواج العرفي أضرارا ومساويء ومنها أن فيه مخالفة لأمر ولي الأمر, وطاعته واجبة فيما ليس بمعصية ويحقق مصلحة والله يقول:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم), كما أن عدم توثيقه يعرض حق المرأة للضياع كالميراث الذي لا تسمع الدعوي به بدون وثيقة وكذلك يضيع حقهما في الطلاق إذا أضيرت, ولا يصح أن تتزوج بغيره لم يطلقها, وربما يتمسك بها ولا يطلقها. ومن أجل هذا وغيره كان الزواج العرفي الذي لم يوثق ممنوعا شرعا مع صحة التعاقد وحل التمتع به, فقد يكون الشيء صحيحا ومع ذلك يكون حراما. أسباب اللجوء للزواج العرفي من جانبها أوضحت د. فرخندة حسن, الأمين العام للمجلس القومي للمرأة ان التقرير الصادر من مكتب شكاوي المرأة و متابعتها اوضح ان من اهم اسباب اللجوء للزواج العرفي ما يتطلبه توثيق الزواج من قيود و اعباء مالية بالإضافة الي العادات و التقاليد القبلية و الاكتفاء بما يطلق عليه زواج السنة و الذي لا يوجد فيه أي مستند يدل علي زواج فلانة من فلان ولا بنسب ابنائهم رغم وجود شهود حيث لا يؤخذ بشهادتهم لعدم وجود اوراق رسمية. كما ان ايضا الجهات الحكومية لم تلتفت الي تسجيل حالات الزواج في المناطق النائية و هي مشكلة تراكمت علي مر العقود حيث يتم هناك الزواج دون الوصول للسن القانونية بالإضافة بالطبع الي اخفاء الزواج من البعض طمعا في معاش من زيجة سابقة او من والد. اضافت د.فرخندة حسن و لعل من اهم الآثار المترتبة علي ظاهرة الزواج غير الموثق أهمها ضياع حقوق الزوجة حيث إن دعواها بأي حق من حقوق الزوجية لا تسمع أمام القضاء إلا بوجود وثيقة الزواج الرسمية معها_.._ كما أن الأولاد الذين يأتون عن طريق الزواج العرفي قد يتعرضون لكثير من المتاعب وإنكار نسبهم. الإحصائيات تقول هذا و لقد أشارت الإحصائيات الصادرة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام2007 الي ان ظاهرة الزواج العرفي والذي جاء تحت بند كلمة' التصادق' وهو الزواج العرفي المسجل بين زوجين بتاريخ حدوثة بينهما مهما طالت مدته لتكتسب الزوجة حقوقها الشرعية موجود بين الشباب والكبار والفقراء والأغنياء والمتعلمين وغير المتعلمين_..._ حاصلين علي شهادات متوسطة و فوق متوسطة و شهادات جامعية و شهادات عليا بلغت في2007 نحو7261 زيجة. المفزع في الأرقام لم يكن عدد الزيجات العرفية لأنها لو لم تكن موثقة لما تم تسجيلها في احصاء رسمي و لكن كان في معدلات الطلاق التي بلغت عام2007 حوالي77878 حالة من جميع الفئات والاعمار من18 الي75 سنة حيث تركزت نسبة الطلاق الاكبر في الاعمار من25 الي45 سنة مما يشجع بصورة او بأخري علي زيجة اخري ربما تكون افضل لو كانت عرفية تجنبا للفشل من التجربة الأولي. او اللجوء للزيجات ذات المسميات الغريبة و المستفزة التي اصبحت تصم الأذن عن صوت العقل و تعمي الأعين عن صوت الكرامة ومنها زواج المسيار وهو أن يعقد فيه الرجل زواجه علي امرأة عقدا شرعيا مستوفيا الأركان لكن مع تنازل المرأة عن السكن والنفقة أو زواج المتعة حيث يتزوج الرجل المرأة بشئ من المال مدة معينة, وينتهي النكاح بانتهائها من غير طلاق, وليس فيه وجوب نفقة ولا سكني, ولاتوارث. الوثيقة الرسمية شرط لسماع الدعوي من جانبه اشار محمد ولاء, المحامي بالنقض إلي ان الزواج العرفي سواء كان محررا في ورقة او تم شفاهة لا تسمع الدعاوي الناشئة منه وبالتالي لا يترتب عليه ايه حقوق من المترتبة علي عقد الزواج الرسمي فلا تجب نفقة الزوجة علي زوجها و لا حق لة في طاعتها و لا يرث احدهما الأخر الا اذا اقر الزوجان امام القضاء. واضاف محمد ولاء أن بعض قوانين الأحوال الشخصية قد ألزمت المحاكم القضائية بعدم سماع دعوي الزوجية أو الإقرار بها إلا عند تقديم وثيقة رسمية, وهذا ما استقر عليه القضاء المصري منذ عام1931, ونصت عليه المادة(99) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والمعدلة بالقانون رقم(78) لعام1951, كما ان القانون المصري بموجب المادة17 من القانون رقم1 لسنة2000 يسقط شهادة الشهود في الزواج العرفي ولا يعتد بالزيجة و بالتالي لا يترتب علية اية حقوق ولذا فية اجحاف شديد وضياع لحقوق المرأة من مؤخر صداق او نفقة متعة او عدة او معاش او نسب و ايضا ميراث. واخيرا طالب المجلس القومي للمرأة كإجراء وقائي من باحثي الجهاز المركزي للتعبئة والأحصاء بمحاولة حصر حجم المشكلة في المناطق العشوائية و المحافظات وخاصة التي تضم قوامة المجتمع القبلي مثل مطروح وشمال و جنوبسيناء و الواحات واقاصي الصعيد والنوبة لحصر حجم المشكلة. كما من المقترح ندب العدد الكافي من المأذوين الشرعيين لعمل عقود تصادق علي الزيجات السابقة و شهادات الطلاق لتسجل بالدفاتر الرسمية حيث وصل عدد المتضررين من عدم التوثيق بالمكتب المركزي بالقاهرة فقط في الفترة من2006-2008 إلي نحو103 حالات. كما يحاول المجلس حاليا عمل بيان قيد عائلي لكل اسرة علي حدة و ايفاد مأموريات مجهزة بإمكانية التصوير لعمل بطاقات الرقم القومي للمرأة البدوية. و نختتم كلامنا بقوله تعالي حيث أمر الله جل جلاله بتوثيق الدين:( يا أيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين إلي أجل مسمي فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل إلي قوله.( ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلي أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدني ألا ترتابوا) سورة البقرة الآيتان282-283