كشفت الازمة المالية فضائح ومخالفات كان يسهل اخفاؤها في الاوضاع الاقل اضطرابا، بل من المرجح ظهور مزيدا منها خلال 2009 خاصة في الدول الكبرى التي تتراجع فيها معايير المراقبة مقابل الصاعدة التي تشدد الرقابة في مسعى لجذب رأس المال. ورغم تفاوت المعايير التنظيمية بين الدول الغنية والفقيرة، الا ان الخبراء يؤكدون انه لا يوجد مكان آمن في العالم من فضائح الاحتيال بالشركات. ويجمع الخبراء على فشل اجراءات الحوكمة ومكافحة الفساد التقليدية في أن تعكس مخاطر التلاعب بالشركات. وعلى سبيل المثال يرون ان الكشف عن فضيحة احتيال بقيمة مليار دولار بشركة تكنولوجيا المعلومات الهندية ساتيام كومبيوتر سيرفيسيز لا يشير بالضرورة الى احتمال حدوث فضائح محاسبية أكثر في النظام بأكمله أو حتى في الاسواق الصاعدة مقارنة مع الاقتصادات المتقدمة. ففي تقييمها لسلامة الممارسات المحاسبية منحت وحدة المعلومات التابعة لمجلة ايكونوميست الهند تصنيف 2 على مقياس من صفر حتى 4 حيث صفر هو المستوى الافضل وذلك مقارنة مع كل من الصين والفلبين وفيتنام التي حصلت على تصنيف 3 واندونيسيا التي جاءت في المرتبة الاخيرة. غير أن هذا ليس سوى جزء من القصة اذ أن من المرجح أيضا أن تتكشف فضائح في أماكن يفترض أن يتسم أداء الشركات فيها بالاستقامة. وفي الغرب أظهرت فضائح مادوف - الذي ظل لعشرات السنين من الشخصيات البارزة في وول ستريت قبل ان توجه اليه تهمة الاحتيال بادارة خطة استثمار وهمية بلغ حجم الخسائر فيها 50 مليار دولار - مدى عرضة الولاياتالمتحدة للاحتيال بالشركات. وشهدت المانيا سلسلة من الفضائح كذلك، كما أن لكوريا الجنوبية التي يفترض أنها بين أفضل الاقتصادات في اسيا فيما يخص حوكمة الشركات تاريخا طويلا من السلوكيات المريبة من جانب بعض المجموعات الكبرى. وارجعوا صعوبة التنبؤ بالفضائح المحاسبية الى اختلاف الظروف من اقتصاد لاخر، فبينما تقل الرشوة الصريحة في الدول المتقدمة الا أن الشركات يمكنها في بعض الاحيان الاستفادة من "فساد قانوني" من خلال ممارسة نفوذ على القواعد التنظيمية وصنع القرار، وفي مثل تلك الاجواء يمكن توقع وجود ضعف في الرقابة وظهور فضائح شركات. وهو ما اكده دانييل كوفمان خبير الحوكمة لدى معهد بروكينجز، قائلا أن الفساد يشمل بعض الاعمال التي ربما تكون قانونية بمفهوم ضيق للغاية.. غير أن قواعد اللعبة وقوانين الدولة وسياساتها وقواعدها المنظمة ومؤسساتها ربما يتم تشكيلها جزئيا بتأثير أشخاص لهم مصالح شخصية. واوضحت ورقة بحثية عام 2004 استخدم كوفمان بيانات المنتدى الاقتصادي العالمي لتصنيف الدول من حيث انتشار مثل هذا "الفساد القانوني" وأيضا اجراءات مكافحة الفساد التقليدية. غير أن البحث أظهر صورة شديدة الاختلاف، فقد جاء تصنيف الولاياتالمتحدة ضعيفا للغاية من حيث انتشار الفساد القانوني وتساوت تقريبا مع الهند وكوريا الجنوبية لكنها جاءت أضعف بكثير من الصين التي جاء تصنيفها جيدا نسبيا. ومن خلال جمع تقديرات بشأن الفساد القانوني وغير القانوني يعد كوفمان "المؤشر الاخلاقي للشركات" الذي يمكنه تحقيق بعض الانجاز في توقع الدول الاكثر عرضة لحدوث مخالفات بشركاتها. ومن بين 104 دول صنفت الهند في المرتبة 57 وتايلاند 70 وباكستان 88 بينما تذيلت بنجلادش والفلبين التصنيف. ويذهب محللون الى انه في حين لا تزال اندونيسيا عرضة لسيطرة المصالح الخاصة على سياسة الدولة فان حقيقة تحرك الحكومة لازالة كثير من القواعد التي كانت محابية لامبراطورية الاعمال التي تواجه مصاعب والمملوكة لابو رضا البخاري الذي كان في السابق أغنى رجل في البلاد تظهر أن حوكمة الشركات ربما بدأت تتحسن. وبالنسبة للصين يقول محللون ان قواعد الاشراف غير المحكمة نسبيا على الشركات تعد مبعث قلق في آسيا وان شهدت الدولة عددا قليلا من الفضائح. غير أن العقوبات الصارمة للمسؤولين التنفيذيين الذين يدانون بارتكاب مخالفات والتي تصل أحيانا الى الاعدام تجعل الصين اقل عرضة للمخاطر مما قد يشير اليه تصنيفها فيما يتعلق بحوكمة الشركات. وفي حين انعكس ضعف الحوكمة بالفعل على أسعار الاسهم في تلك الاسواق فان ظهور فضيحة احتيال يمكن أن يقوض ثقة المستثمرين في البلاد. وفي المقابل يتخوف محللون من الافراط في فرض قواعد تنظيمية في الدول التي تظهر بها فضائح مما ينعكس سلبا على الاستثمار. ووصفت مجموعة يوراسيا في مسح بشأن أكبر المخاطر السياسية في 2009 الافراط في فرض القواعد التنظيمية بأنه مصدر قلق رئيسي، حيث يعوق حرية تدفق رأس المال وبالتالي يعيق الاستثمار الاجنبي والنمو العالمي لسنوات. ويذكر، أن خبراء الحوكمة يتفقون على ان الافراط في فرض القواعد يعد خطرا لا يقل عن خطر نقص القواعد. وقال كوفمان إن أحسن السبل لضمان سلوك أفضل من جانب الشركات لا يكمن بالضرورة في فرض مزيد من القواعد التنظيمية وانما في بذل أكبر جهد ممكن لتعزيز الشفافية التي يمكن أن تكون أقوى سلاح في مواجهة الاحتيال. (رويترز)