الأهرام: 24/12/2008 مع سيطرة التكنولوجيا علي جوانب مختلفة من الحياة, أصبح الكمبيوتر أداة تطوير أساسية في مجالات عديدة من أهمها مجال التعليم. ومع تبني وزارة التربية والتعليم استخدام التكنولوجيا الحديثة في تطوير التعليم, وبفضل المبادرات التي تنادي بتوفير جهاز كمبيوتر لكل طالب, ازدادت في الآونة الأخيرة نسب استخدام الأطفال للكمبيوتر في المنازل والمدارس. وعلي الرغم من الاتجاه القومي الذي يشجع استخدام الطالب للكمبيوتر والإنترنت لتحقيق تعلم أفضل, نجد أن واقع استخدام الطفل للكمبيوتر مازال في أغلبه مقصورا علي الألعاب الترفيهية, حتي إن بعض الدراسات أشارت إلي أن الكمبيوتر أوشك أن يحل محل التليفزيون كأداة ترفيه يجلس الطفل ساعات طويلة أمامها. وعلي الرغم من قلق الآباء من وجود أبنائهم لفترات طويلة أمام شاشات الكمبيوتر, فإننا نجد الآباء يقبلون علي شراء أجهزة الكمبيوتر لأبنائهم رغبة منهم في إعدادهم للمستقبل, أو تشجيعهم علي استخدامه في التعليم, أو تنمية مهاراتهم التكنولوجية, خاصة مع الآراء التي تنادي بوجوب تشجيع الطفل علي التعامل مع الكمبيوتر بشكل مستمر ويومي, انطلاقا من الآتي: 1 استخدام الطفل للكمبيوتر في تعلم مادة دراسية ما, ينمي اتجاه الطفل وميوله نحو هذه المادة, لأنه يتعلمها بأسلوب أكثر تشويقا من الأسلوب التقليدي. 2 استخدام الأطفال للكمبيوتر في مجموعات, يؤدي إلي تنمية مهارات العمل الجماعي, والتعلم التعاوني, وزيادة القدرة علي المشاركة والقيادة وإدارة العمل. 3 تعامل الطفل مع الكمبيوتر يزيد من ثقته بنفسه, لأنه يشعر بمدي تحكمه في أفعاله, وسيطرته علي تعلمه, ويمارس إصدار الأوامر وتلقي الاستجابات. 4 الألعاب التعليمية الترفيهية التي يمارسها الطفل باستخدام الكمبيوتر تساعد علي تنمية قدرة الطفل علي حل المشكلات, لأنها توفر له خبرات ومواقف يصعب توفيرها في الحياة, لخطورتها أو لتكلفتها, وبذلك فهي تنمي قدرة الطفل علي حل المشكلات, وإبداع الحلول, ومواجهة التحديات, وتساعد علي تنمية ذكاء الطفل, خاصة الذكاء البصري, ويعني به قدرته علي إدراك الأشياء والصور, والتعامل معها, وإدراك أبعادها. وعلي الرغم من الإيجابيات السابقة, نجد أنه في المراحل العمرية المبكرة, يجب تجنب الإفراط في استخدام الطفل للكمبيوتر, وتقنين هذا الاستخدام والسيطرة عليه, حيث يري الخبراء أن هناك بعض المخاطر التي قد تنتج عن تعامل الطفل مع أجهزة الكمبيوتر لفترات طويلة, منها الميل الي الانطواء والعزلة, خاصة إذا كان الوقت الذي يمضيه مع الكمبيوتر يفوق ما يمضيه في ممارسة الأنشطة الأخري, كاللعب مع الأصدقاء, أو ممارسة الرياضة. كذلك ثبت أن ألعاب الكمبيوتر التي تظهر مواقف العنف والقتال, تؤدي إلي زيادة العنف عند الأطفال,. ومن هنا تبرز الحاجة الي تغيير الثقافة التكنولوجية السائدة لدي أطفالنا, والتي ينظرون من خلالها الي الكمبيوتر علي أنه لعبة, ووسيلة للترفيه, وتشكيل ثقافة تكنولوجية جديدة تنظر للكمبيوتر علي أنه جهاز, ينبغي تنظيم استخدامه, والتعامل معه بحذر, واستغلاله في تحقيق تعلم أفضل, ويمكن هنا الاستفادة من التجارب العالمية التي سعت لنشر مثل هذه الثقافة, مثل تجربة الولاياتالمتحدة في2002 والتي حددت اهداف استخدام الطفل للكمبيوتر والتكنولوجيا بوجه عام في عدة محاور من أهمها, الحصول علي المعلومات وتنظيمها والاستفادة منها, والتواصل مع الآخرين, وتنشيط التعلم. وهناك عدد من المقترحات التي يمكن تبنيها علي المستوي القومي للمساهمة في نشر الثقافة التكنولوجية الصحيحة لدي أطفالنا, وتجنب السلبيات التي قد تنتج عن السلوكيات الخاطئة: 1 أن تتبني وزارة التربية والتعليم, والهيئات المختصة تصويب الثقافة التكنولوجية الموجودة لدي أطفالنا, بحيث تتضمن السياسة التعليمية وضع إطار عام لأوجه تعامل الطفل مع الكمبيوتر, لتتغير من اعتباره وسيلة للعب, إلي وسيلة للتعلم, ويبرز هنا دور الآباء في ترسيخ هذه الثقافة لدي أبنائهم, بتعويد الطفل الاستعانة بالكمبيوتر والإنترنت لإيجاد الحلول, والبحث عن المعلومات, ومعاونتهم في ذلك, وربط ذلك بالمواد الدراسية كالاستعانة بالموسوعات العلمية الإلكترونية مثلacademickids.com والبحث عن مرادفات الكلمات وصور الأشياء في المواقع المخصصة لذلك. 2 أن يساعد المعلم علي ترسيخ الثقافة التكنولوجية الصحيحة للطفل, بأن يشجع التعامل المثمر مع الكمبيوتر لإنجاز المهام الدراسية, والحصول علي معلومات إضافية, وإثابة الطلاب علي ذلك. 3 أن تشارك الوزارات المختصة, وشركات الكمبيوتر الكبري في توصيل المفاهيم الصحيحة والعادات التكنولوجية السليمة للأطفال والآباء, فعلي سبيل المثال يمكن طبع دليل للاستخدام الأمثل للكمبيوتر, يوزع مجانا مع كل جهاز, ويتم فيه توضيح أسلوب الجلوس الصحيح, وعدد ساعات الاستخدام اليومي, كما يمكن أن تعقد هذه الهيئات دورات تدريبية للمعلمين, وللآباء والأبناء لتدريبهم علي هذه السلوكيات. 4 أن تهتم المناهج الدراسية بربط استخدام الكمبيوتر بالأنشطة التي لا تتطلب من الطفل النظر إلي الشاشة, أو القراءة لفترات طويلة, كان يستمع إلي قصة, أو أغنية, أو يتدرب علي نطق الكلمات. 5 أن تتضمن المناهج التعليمية تدريب الطفل علي أسلوب الكتابة الصحيحة علي لوحة المفاتيح, حيث أثبتت الدراسات أن جانبا كبيرا من الأضرار التي تصيب اليدين والظهر والرقبة, تنجم عن استخدام غير سليم للوحة المفاتيح. 6 الاستفادة من مبدأ التعليم باللعب وميل الطفل إلي التعامل مع الكمبيوتر في إعداد مكملات للمناهج التعليمية للأطفال في صورة العاب تعليمية تجذب الطفل وتشركه مع زملائه في أنشطة تعليمية, وتقدم له خبرات جديدة مشوقة يتعلم من خلالها, وتفعيل هذه البرمجيات بربطها بالمناهج التعليمية ربطا مباشرا, بحيث تصبح جزءا من أنشطة التعلم التي يمارسها الطفل في المدرسة والمنزل. إن الثقافة التكنولوجية الصحيحة الواجب ترسيخها لدي أطفالنا, هي التي تحول الكمبيوتر من أداة ترفيه الي وسيلة تعلم, تقدم للطفل ما تعجز أساليب التعليم التقليدية عن توفيره, فيتغير دور الكمبيوتر في حياة الطفل, ليصبح رفيقا حسنا يساعده علي اكتشاف الجديد, ويمزج له التعليم بالترفيه, وليس صديقا سيئا يضيع معه وقته هباء, في ترفيه سلبي, تغيب فيه الاستفادة الحقيقية, وتتضاءل معه فرص التعلم.