قبل إنطلاق المرحلة الأولى.. قواعد يجب مراعاتها في تنسيق الجامعات 2025    25 يوليو 2025.. أسعار الذهب تتراجع 20 جنيها    الكويت ترحب بإعلان فرنسا عزمها الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين    «العربي للعدل والمساواة»: موقف ماكرون تجاه فلسطين يمثل تحولًا في الرؤية الغربية    استشهاد شخص في استهداف طائرة مسيرة إسرائيلية لسيارة في جنوب لبنان    الزمالك يُعيّن محمد علاء مترجما لفيريرا    بيراميدز يتجه إلى إسطنبول لمواجهة قاسم باشا    رحيل هالك هوجان| جسد أسطوري أنهكته الجراح وسكتة قلبية أنهت المسيرة    إيجابية عينة المخدرات ل 295 سائقًا وتحرير 113 ألف مخالفة مرورية    حريق يلتهم وحدة سكنية في عقار من 4 طوابق بالعاشر من رمضان    مصرع شخصين إثر حادث تصادم أعلى الطريق الإقليمي في الشرقية    فيلمان تسجيليان عن الخيامية والأوانى التراثية بأوبرا دمنهور    نائب وزير الخارجية الإيراني: أجرينا نقاشا جادا وصريحا ومفصلا مع "الترويكا الأوروبية"    الدفاع الروسية: تدمير 4 منصات إطلاق لمنظومة "باتريوت" في أوكرانيا    "الإصلاح والنهضة" ينظم برنامجا تدريبيا لتعزيز جاهزية الأعضاء الجدد للعمل الانتخابي    باستقبال حافل من الأهالي: علماء الأوقاف يفتتحون مسجدين بالفيوم    «الرعاية الصحية» : تقديم 112 ألف جلسة غسيل كُلوي بأسوان ب«التامين الشامل»    «100 يوم صحة» تقدّم 14.5 مليون خدمة طبية مجانية خلال 9 أيام    Stray Kids يعلنون عن عودتهم المرتقبة بألبوم Karma (فيديو)    شقيقة مسلم: عاوزة العلاقات بينا ترجع تاني.. ومستعدة أبوس دماغة ونتصالح    محافظ أسيوط يشهد الكرنفال السنوي لذوي الهمم بدير العذراء والأمير تادرس (صور)    ضبط 596 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة خلال 24 ساعة    جامعة القناة تنظم دورة عن مهارات الذكاء العاطفي (صور)    طريقة عمل العجة فى الفرن بمكونات بسيطة    الوقار الأعلى.. أسعار الأسماك اليوم في مطروح الجمعة 25 يوليو 2025    وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدى الحاسم لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر    هل رفض شيخ الأزهر عرضا ماليا ضخما من السعودية؟.. بيان يكشف التفاصيل    بعد تكرار الحوادث.. الجيزة تتحرك ضد الإسكوتر الكهربائي للأطفال: يُهدد أمن وسلامة المجتمع    تقارير: الفتح يستهدف ضم مهاجم الهلال    الحكومية والأهلية والخاصة.. قائمة الجامعات والمعاهد المعتمدة في مصر    واشنطن تدعو إلى وقف فوري للاشتباكات بين تايلاند وكمبوديا    انطلاق مهرجان «ليالينا في العلمين» بمشاركة واسعة من قطاعات «الثقافة»    بعض الليالي تترك أثرا.. إليسا تعلق على حفلها في موسم جدة 2025    بطابع شكسبير.. جميلة عوض بطلة فيلم والدها | خاص    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    حكم الصلاة خلف الإمام الذي يصلي جالسًا بسبب المرض؟.. الإفتاء تجيب    إزالة 196 حالة تعدٍ على أراضي أملاك الدولة بأسوان خلال 20 يومًا - صور    حفر 3 آبار لتوفير المياه لري الأراضي الزراعية بقرية مير الجديدة في أسيوط    مصرع وإصابة 14 شخص فى تصادم مروع بين ميكروباص ولودر بطريق الشلاتين    ملحمة طبية.. إنقاذ شاب عشريني بعد حادث مروّع بالمنوفية (صور)    تقنية حديثة.. طفرة في تشخيص أمراض القلب خاصة عند الأطفال    أسعار النفط تصعد وسط تفاؤل بانحسار التوتر التجاري وخفض صادرات البنزين الروسية    الليلة.. الستاند أب كوميديان محمد حلمي وشلة الإسكندرانية في ضيافة منى الشاذلي    بعد إثارته للجدل.. أحمد فتوح يغلق حسابه على "إنستجرام"    مواعيد مباريات الجمعة 25 يوليو - الأهلي ضد البنزرتي.. والسوبر الأردني    عالم أزهري يدعو الشباب لاغتنام خمس فرص في الحياة    صفقة الزمالك.. الرجاء المغربي يضم بلال ولد الشيخ    وزير الخارجية يسلم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى نظيره السنغالي    انخفاض أسعار الحديد وارتفاع الأسمنت اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    أسعار البيض اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    إلكترونيا.. رابط التقديم لكلية الشرطة لهذا العام    نجم الزمالك السابق يوجه رسالة خاصة ل عبد الله السعيد    شديد الحرارة والعظمى 44.. حالة الطقس في السعودية اليوم الجمعة    لا ترضى بسهولة وتجد دائمًا ما يزعجها.. 3 أبراج كثيرة الشكوى    الآلاف يحيون الليلة الختامية لمولد أبي العباس المرسي بالإسكندرية.. فيديو    سعاد صالح: القوامة ليست تشريفًا أو سيطرة وإذلال ويمكن أن تنتقل للمرأة    تفاصيل صفقة الصواريخ التي أعلنت أمريكا عن بيعها المحتمل لمصر    دعاء يوم الجمعة.. كلمات مستجابة تفتح لك أبواب الرحمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة الرعب من الحرية والخوف من المسئولية
نشر في أخبار مصر يوم 18 - 12 - 2008


الأهرام: 18/12/2008
ولدتنا امهاتنا احرارا‏!‏ مقولة مجازية شائعة قيلت وتستعاد من موروث لغة مقاومة الاستبداد لفظيا‏,‏ ولكن السؤال الذي نطرحه بعد ستين عاما علي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان‏,‏ هل ولدنا احرارا بالفعل؟ أم ولدنا عبيدا لموروثات من القيم ولغة الوصاية وثقافة انتهاك الحريات الشخصية في غالب تفاصيل حياتنا؟ هل ولدنا كي نتحول إلي رهائن الدولة‏,‏ وثقافة انتهاك الحريات في غالب تفاصيل حياتنا؟
هل ولدناكي نتحول إلي رهائن الدولة وثقافة الاجماع والقطيع‏,‏ ومنطق الاتباع والنقل؟ هل أنت حر أم عبد؟ هل تشعر بوجودك الحر في الوسط الأسري‏,‏ أو في إطار علاقات العائلة‏,‏ والقبيلة والجيرة‏,‏ والزمالة؟‏.‏
هل تشعر بالحق في الخصوصية في المنزل‏,‏ وفي تفاصيل حياتك؟ هل تمتلك القدرة علي الاختيار الحر؟ غالبا الإجابة ستكون تعبيرا عن الوعي المستلب أو الغائب لدي غالب الجمهور‏,‏ وقد يعتقد كثر أو بعض منهم أنهم أفراد‏!‏ أحرار‏!‏ وذوو ارادات مستقلة فعلا‏!,‏ ولكن القلة ستعترف أمام مرايا الذات أنهم بلا حرية حقيقية‏,‏ أو إرادة فردية حرة‏,‏ وأنهم ضائعون في متاهات ثقافة الرعب من الحرية‏,‏ والخوف من المسئولية معا‏!!‏ تتراجع مستويات التمتع بالحريات والحقوق العامة والشخصية‏,‏ ويتدهور احترام جوهر الشرط والوجود الانساني من الدولة‏,‏ والأخطر المجتمع وجماعاته‏,‏ بينما تبدو أجيال حقوق الانسان علامة علي عصرنا وسياساته‏.‏ ركزت خطابات الانتهاكات الحقوقية علي مسئولية الدولة أساسيا‏,‏ وعلي الحقوق الواردة بالإعلان العالمي‏,‏ بينما الأمور باتت أكثر تعقيدا من ذي قبل‏.‏
لم تعد حقوق الانسان مقصورة علي الإعلان العالمي زائع الصيت‏,‏ ولا الحقوق السياسية والاجتماعية‏,‏ والاقتصادية‏,‏ وإنما أصبحت منظومات وأجيالا‏,‏ وباتت بمثابة أيديولوجيا‏,‏ وفلسفة وثقافة معولمة‏,‏ وسياسات للتدخل الانساني وأحيانا قناع نفاقي لاضفاء مشروعية علي الاحتلال والعدوان الأمريكي والغربي‏,‏ وازدواج المعايير‏..‏إلخ‏!‏ معايير وحقوق كونية تدور حول مركزية الإنسان ووجوده الحر والفعال وحقوقه المتكاملة علي اختلافها التي لا تقبل التجزئة أو الانتقائية سواء إزاء الدولة‏,‏ أو سلطاتها وأجهزتها‏,‏ أو إزاء المجتمع وتنظيماته‏,‏ وروابطه الأولية‏,‏ أو الأكثر تعقيدا‏.‏ مرت ستون عاما علي الإعلان العالمي ولا نزال نعاني كأشخاص‏,‏ أو جماعات من سحق الحريات والإرادة الفردية‏,‏ ومع ذلك‏,‏ تطورت الأوضاع الحقوقية نسبيا عن ذي قبل وباتت لغة وإصطلاحات اجيال حقوق الإنسان الثلاثة وما بعدها جزءا من اللغة الكونية الجديدة المتعدية للغات العالم علي اختلافها‏,‏ ومخترقة قلب الخطابات السياسية والدبلوماسية والدينية‏,‏ وباتت علامة علي الحداثة‏,‏ وما بعدها ورمزا علي المفردات القيم التي يتم تداولها واستهلاكها في السوق العولمية للغة والقيم‏.‏
شاع خطاب حقوق الإنسان بحيث تجده حاضرا في لغة الطغاة والديكتاتوريين وحراس ثقافة القمع تحت شعارات الخصوصية والأصالة والهويات الأحادية والسرمدية التي اعطيت لمرة واحدة وللأبد‏!‏ لم تعد نظم الحكم التسلطية‏,‏ وأجهزة القمع وإشاعة الخوف والرعب تملك سوي الخطابات الاعتذارية أو التبريرية إزاء انتهاكات الحقوق والحريات علي اختلافها‏,‏ حتي لا تتعرض لبعض الجزاءات الدولية‏,‏ أو تشويه صورتها‏,‏ ومن ثم التأثير علي مكانتها الدولية‏.‏ مازال الخطاب الحقوقي يدور أساسا حول مركزية انتهاكات الدول والنظم التسلطية‏,‏ أو الديمقراطية للحقوق أيا كانت‏,‏ تركيز خطاب النشطاء علي انتهاكات الدول وأجهزتها يرجع لعدد من الأسباب نذكر بعضها علي سبيل التمثيل لا الحصر فيما يلي‏:‏
‏1‏ هيمنة النظم التسلطية وثقافتها السياسية القمعية واستمرارية شيوع انتهاكاتها للحقوق السياسية والاقتصادية والدينية‏,‏ والثقافية والعرقية‏,‏ وذلك لحماية فسادها السياسي‏.‏
‏2‏ غلبة دور النشطاء من ذوي الانتماءات الأيديولوجية الشعبوية‏,‏ وجرحي الحياة السياسية السرية‏,‏ علي عمل نشطاء حقوق الانسان كمنظومات وثقافة وقيم تدور حول مركزية ومطلق الوجود الحر للإنسان وغالبا ما يميل هؤلاء إلي إسناد جميع الانتهاكات إلي السلطة السياسية وأجهزتها‏.‏
‏3‏ الميل للخلط بين مطالب تغيير السلطة السياسية‏,‏ وبين منظومة حقوق الانسان واستخدامها كجزء من الخطاب الهجائي لها‏,‏ من قبل بعض النشطاء‏.‏
أن غالب خطابات رصد ونقد الانتهاكات‏,‏ باتت تفتقر إلي عمق المعالجة السوسيو ثقافية‏,‏ والسياسية‏,‏ وترمي لايجاد تبريرات لإنفاق التمويل الدولي في غير مواضعه‏,‏ وستر بعض من الفساد داخل بعض المنظمات‏.‏ وثمة ممارسات تفتقر للمعايير والقواعد الديمقراطية في بعض المنظمات الدفاعية‏,‏ سواء استمرارية بعضهم علي رأسها لمدد طويلة‏,‏ أو شيوع الطابع الشخصاني‏,‏ والبطريركي في إدارة بعضها الآخر‏!.‏
الوجه الآخر للقمع السلطوي للانسان العربي يتمثل في منظومات القمع المجتمعي علي اختلافها‏,‏ بحيث يولد الفرد حرا علي نحو مجازي‏,‏ وتتحول الحريات والحقوق والمعتقدات إلي لغة مجازات ورغبات وأمنيات فكرية لا ظل لها في حياة الناس‏!.‏
هل أنت حر فعلا؟ هل تمتلك إرادتك الحرة؟ هل يحترم الآخرون خصوصيتك‏.‏ وقراراتك‏,‏ وضميرك ومعتقداتك وخياراتك الحرة؟‏.‏
هل تمتلك حرية نقد ورفض آراء الأب والأم والمدرس والأستاذ في الجامعة‏,‏ أو رئيسك في العمل أو رئيس الحزب أو الحكومة؟‏...‏الخ‏!‏
الانسان في مجتمعنا يعاني من ثقافة انتهاك واجتياح لخصوصياته‏,‏ وإرادته وحقوقه حيث يدور في إطار دوائر من التلصص والتنصت‏,‏ والاغتياب‏,‏ والنقل و الاتباع والأمر والنهي‏,‏ والحفظ والتلاوة والتكرار لمقولات تمييزية علي أساس الجنس‏,‏ أو الدين أو المذهب‏,‏ أو العرق‏,‏ وحيث يشيع الخوف وعدم التسامح‏,‏ واحتقار المرأة الأضعف اجتماعيا وسياسيا وتعليميا‏!.‏ إن إعاقات حقوق وحريات المصري عديدة ومركبة وذات جذور ثقافية وقيمية وسياسية ودينية‏,‏ تستند اليها ثقافة الدولة التسلطية‏,‏ وتتغذي عليها‏,‏ بل تمثل وجهها الآخر الأكثر سوداوية وقبحا‏,‏ ولا تزال تأسر حاضرنا ومستقبلنا في عالم ماضوي لايزال يشل إرادتنا الفردية والجماعية عن الوجود والفعل الحر والمبدع لحياتنا وعالمنا‏!.‏
ان ثقافة انتهاك الحرية والوجود الحر الفعال للانسان‏,‏ تبدو أكثر رسوخا في تاريخنا وموروثاتنا وتقاليدنا‏,‏ خذ مثلا انتهاك حقوق المرأة‏,‏ والتحرش والعنف الجنسي‏,‏ وقمعها باسم سلطة الذكورة في الأسرة والعائلة والعمل والسياسة‏,‏ ومجموعة من القيم والعادات والتقاليد المحافظة‏,‏ التي يحاول بعضهم تبريرها باسم تأويلات دينية وضعية‏.‏ خذ أيضا عمليات قمع حرية التدين والاعتقاد الديني والمذهبي باسم بعض التفسيرات الفقهية المحافظة التي تحاول احتكار النطق باسم صحيح الدين والمذهب أيا كان‏.‏ خذ أيضا ضرب وتعذيب الأطفال في الأسرة والعائلة والمدرسة والشارع باسم التربية والتعليم والأخطر إسناد ذلك إلي القيم الدينية الإسلامية والمسيحية‏!.‏ خذ الاعتداءات البدنية والمعنوية‏,‏ والجنسية علي أطفال الشوارع‏,‏ التي أصبحت عادية وطبيعية ولا تستثير أحدا‏!‏ الأخطر أنها تعبير عن نزعة التلقين والتكرار للمقولات والأمثولات الشعبية التمييزية إزاء الأطفال باسم الأصالة والدين والمذهب‏,‏ واعتبار ما يخالفها رجسا من عمل الشيطان‏,‏ أو من قبيل الخروج علي التقاليد والجماعة والأمة والوطن‏..‏ الخ‏.‏
ان ثقافة تحويل الانسان إلي مجرد رقم بلا هوية فردية أو ملامح أو وجه لصالح المقولات الكبري التي تمدح الذات وأساطيرها ومتخيلاتها‏,‏ هي إنتاج لثقافة الخضوع والانصياع والخنوع‏,‏ وهي وجه آخر لهيمنة قيم الجبر والانقياد والمسايرة للحاكم وذوي السطوة والمكانة والنفوذ السياسي والديني والمذهبي والمالي‏..‏الخ‏.‏ بعضهم يريدون المصري إنسانا مطيعا بلا إرادة حرة إلا فيما هو مطلوب منه انجازه فقط‏,‏ لا فيما يتصل بحقوقه وحرياته‏.‏ ومن ثم نستطيع رصد التواطؤات المريبة بين الجماعة الأسرة‏,‏ والعائلة‏,‏ والعشيرة‏,‏ والمهنة‏,‏ والديانة والمذهب والعرق والمنطقة وبين السلطة السياسية القمعية‏,‏ وبين ثقافة الاستبداد السياسي‏,‏ والمسايرة والنفاق والخضوع الاجتماعي‏.‏ غالب أنظمة التنشئة السياسية‏,‏ والاجتماعية في بلادنا تكرس ثقافة القطيع‏,‏ وانتهاك الوجود الحر والفعال للانسان‏,‏ ومن ثم تشكل البنية الأساسية للقهر وحراسة التخلف‏,‏ وانتهاك حقوق الانسان‏,‏ وإعاقة ميلاد الفرد والفردية‏,‏ ونشر الديمقراطية‏.‏ إنها ثقافة الرعب من الحرية وا أسفاه‏!!.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.