قبل عشر سنوات من الآن أو ربما أكثر قليلا كان بإمكان المشاهد المهتم بمتابعة مباريات كرة القدم إدارة مؤشر' الريسيفر' الخاص به علي أي قناة إيطالية أو فرنسية أو تركية لمشاهدة عدد كبير من مباريات الدوريات المحلي أو البطولات الكروية الأوروبية المهمة, إضافة إلي المباريات التي تبثها القنوات الأرضية ولكن الآن, لم يعد الأمر هكذا, فقد أصبح هناك احتكار من جانب قنوات بعينها وصراع بين هذه القنوات علي نيل حقوق بث مباريات وبطولات رياضية كبيرة لدرجة وصل معها الحال إلي أن جمهور البلد نفسه لا يستطيع مشاهدة عدد كبير من مباريات البطولات المحلية في البلد نفسه! وحاليا بات معروفا ومحفوظا لدي جماهير كرة القدم في مصر بصفة خاصة مثلا أن مباريات الدوري المصري متاحة بالكامل وبالمجان علي القنوات الأرضية فقط داخل مصر, مثل القناتين الثانية والثالثة وقناة النيل للرياضة, أما بالنسبة لبث هذه المباريات' المحلية' عبر الفضائية المصرية فهذه لها حسابات أخري, ولكن إذا كان هناك فريق مصري يلعب في بطولة أخري, فلكل بطولة من يحتكرها, فبطولات الأندية الأفريقية لا يمكن مشاهدتها إلا عبر راديو وتليفزيون العرب' إيه.آر.تي.', خاصة المباريات التي يكون أحد طرفيها فريق مصري, باستثناء المباريات التي تقام علي أرض مصر, فهي بالمجان وهناك مباريات بطولة أخري لا يمكن مشاهدتها سواء أقيمت في مصر أو خارجها وهي بطولة دوري أبطال العرب التي تحتكرها الشركة نفسها, وهناك أيضا التصفيات المؤهلة لكأس العالم, باستثناء المباريات التي يلعبها منتخب مصر علي الأراضي المصرية فقط, وتحدث إشكاليات كبيرة بين وسائل الإعلام العربية في حالة إذا ما أرادت محطة شراء حق البث من القناة المحتكرة, التي ترفض غالبا من أجل الاستفادة من ميزة ملكيتها للمباراة أو البطولة, وهذا ما حدث في بطولة الأمم الأوروبية الأخيرة وايضا بطولة كأس العالم بألمانيا2006, حيث أصرت الشركة المالكة علي عدم بيع المباريات في البطولتين لأي قناة أخري مهما يكن المقابل المادي المعروض وأصرت علي أن المشاهد الراغب في متابعة هاتين البطولتين يجب عليه أن يشتري البطاقة الخاصة بهذه القناة وحدها دون غيرها لمتابعة ما يريده من مباريات وبرامج تحليلية. ونذكر أن المشاهد المصري اضطر إلي متابعة مباريات كأس الأمم الأفريقية الأخيرة في غانا باللغة الفرنسية فقط لأن الشركة صاحبة حقوق النقل وافقت علي بث المباريات إلي الدول المشاركة في البطولة بهذا الشرط, وأن يكون التعليق مصحوبا باللغة الفرنسية, وليس بالعربية! ونذكر أيضا أن المشاهد المصري اضطر إلي متابعة مباريات الأمم الأوروبية الأخيرة باللغة الألمانية لأن القناتين الوحيدتين اللتين كانتا تبثان المباريات بالمجان وبدون تشفير هما محطة زد.دي.إف الألمانية ومحطة إيه.آر.دي الألمانية أيضا. وسيواجه المشاهد المصري مشكلة الاحتكار هذه أيضا في مباريات بطولات قادمة مهمة أولها بطولة العالم للأندية في اليابان في حالة تأهل الأهلي لها, وثانيتها مباريات بطولة العالم للقارات التي ستقام في جنوب أفريقيا العام المقبل وتشارك فيها مصر بصفتها بطل أفريقيا. والحقيقة أن احتكار مباريات الكرة لم يكن هو البداية أو بمفرده, بل كانت البداية الحقيقية هي احتكار قنوات عربية لحق عرض مجموعة كبيرة من الأفلام العربية التي اشترت النسخ الأصلية لها, بينما لم تكن بطبيعة الحال قادرة علي شراء حق عرض الأفلام الأجنبية, باستثناء القديمة منها, إلي أن ظهرت في السنوات الأخيرة قنوات متخصصة في عرض الأفلام الأجنبية الحديثة, لا يشترط أن تكون هذه الأفلام تعرض في توقيت عرضها في دور السينما العالمية نفسه, ولكنها تشتري حق عرض الفيلم الذي مضي علي عرضه عامان أو ثلاثة أعوام مثلا. ولهذا, فقد بدأت قنوات فضائية عربية عديدة تخرج إلينا يوما بعد آخر تحمل أسماء قنوات الأفلام العربية وقنوات الأفلام الأجنبية, وهناك أيضا قنوات للدراما أي المسلسلات, وأخري للبرامج المنوعة, وأخري لبرامج ومواد الأطفال, ولكنها في النهاية لا تمثل قنوات محتكرة بقدر ما هي قنوات نوعية متخصصة تدفع مبالغ طائلة في سبيل الوصول إلي حق عرض المواد الفنية التي تقدمها للمشاهد, ولكن الاحتكار بمعني عرض فيلم لا تعرضه قناة أخري, فهذا غير موجود في منطقتنا العربية حتي الآن, والأمر مازال مقتصرا علي الاحتكار الرياضي فحسب. وإلي جانب الاحتكار الفضائي للمباريات, فقد بدأنا نسمع عن احتكار بعض الفضائيات لمطربين بعينهم, بحيث لا يتم عرض أو إذاعة أغاني مطرب أو مطربة معينين إلا عبر هذه القناة وحدها ويكون هذا بموجب عقد مبرم بين القناة والمطرب أو وكيل أعماله وهو ما يثير إشكاليات عديدة إذ أصبح من حق الشركة المحتكرة أن تقوم ب'تسقيع' أعمال مطرب أو مطربة حسب أسباب ومعايير خاصة بها وفي المقابل يمكنها زيادة شهرة مطرب أو مطربة علي حساب آخرين! اما علي الصعيد الإخباري فالاحتكار يبدو صعبا أو ضربا من ضروب الخيال, وكم يكون مضحكا عندما يصف أحد البرامج الفضائية نفسه علي أنه يقدم هذه الفقرة أو هذه التغطية لحدث أو موضوع ما بشكل' حصري' دون أن يعرف أن المادة التي يقدمها متاحة لكي تقدمها قنوات أخري ربما تعرضها في توقيت واحد معه, ولذلك فالاحتكار في التغطية الإخبارية صعب المنال, اللهم إلا في حالة قيام قناة فضائية معينة بإرسال موفد لها إلي مكان أو لإجراء حوار بشكل منفرد, كما فعلت إحدي القنوات التليفزيونية العربية التي غطت أحداث مهرجان كان السينمائي الأخير وحفل توزيع جوائز أوسكار. وإذا كان المشاهد قد عاني الأمرين من كثرة ما لا يقدر علي مشاهدته بسبب غول الاحتكار, فقد تسبب انتشار وسائل المالتي ميديا الحديثة مثل الهاتف المحمول المزود بالشاشات والمتصل بالإنترنت وكذلك انتشار الإنترنت نفسه في' نكبة' كبيرة لهذه الفضائيات التي لا تكاد تقدر علي مطاردة من يقوم بإعادة بث أهداف الكرة أو الأغنيات أو الأفلام الجديدة عبر مواقع الإنترنت التي لا يمكن حصرها, وإذا كان الذي بدأ هذه الحملة المضادة هو موقع' يو تيوب' الشهير علي الإنترنت المتخصص في عرض الفيديوهات المنتقاة من الجماهير من أهداف ولقطات رياضية أو أفلام أو مسرحيات, فإن مواقع أخري تقدم ما لذ وطاب من أفلام عربية وأجنبية حديثة وبعضها معروض في دور السينما, وبعضها تم تصويره بكاميرا هاتف محمول ليشاهد من يريد وبالمجان وبعيدا عن احتكار الفضائيات وإذا كانت هذه الوسائل غير قانونية فإن ملاحقتها أمر مستحيل وإقناع صاحبها بأنه يقوم بفعل غير قانوني أكثر استحالة. وستظل حماية حقوق الملكية الفكرية أصعب مهمة تواجهها الفضائيات العربية والعالمية معا, لأنها شرط أساسي لبقائها علي قيد الحياة.