في أيام السماوات المفتوحة وفي عصر الأقمار الاصطناعية وفي زمن القرية الواحدة الكبيرة الذكية وفي نطاق العولمة وفي عهد الفضائيات اللا محدودة زاد عدد القنوات وتضاعف بشكل سرطاني علي كل الأقمار العامة والخاصة، المفتوحة منها والمغلقة لحين فك الشفرة، بل وتتقافز بين الأقمار بعضها البعض وبالتالي تلاحقك نفس القنوات تقريبا عند انتقالك بين القمر المصري والقمر العربي بل والأوروبي أيضا. وعلي سطح كل قمر منها بل قل علي محيط كل طبق لاقط مئات القنوات المعروفة وغير المعروفة، بعضها من المشاهير والبعض الآخر لايزال في مرحلة البث التجريبي!!، القنوات تحتل أكثر من قمر من الأقمار حتي تعطي الفرصة لمناطق جغرافية كثيرة من مشاهدة تلك المحطات. ومن الواضح أن هناك ازدحاما شديدا في الفضاء في مسارات تلك الأقمار، التي وصلت إلي بيوت الناس عبر ما يعرف باسم الوصلة وهي نوع من أنواع خدمة الكابل الذي يجمع بين عدة قنوات مشتقة من عدة أقمار يتم توصيلها للبيوت خاصة في الأحياء الشعبية نظير عدة جنيهات بدلا من تركيب الأطباق في تلك المناطق ولقد أثبتت التجربة أن الخصخصة أفضل من الحكم الشمولي لهيئة الإذاعة والتليفزيون المصري؟!. هناك أيضا حزمة من القنوات التي تصدر من موقع واحد نحو جمهور معين من القادرين علي الاشتراك في تكلفة تلك المجموعة مثل قنوات راديو وتليفزيون العرب وقنوات الشو تايم والمستقبل والأوائل وغيرها مما لا أتذكره الآن. والحقيقة أن كثرة عدد القنوات في يد الكل أدت إلي الزهد فيما تعرضه خاصة بعد فترة التعارف الأولية لها حيث يظهر عليها نفس العلامات من التكرار الممجوج ويتم إعادة الموضوع مرات ومرات سواء كانت من الأخبار أو الأفلام أو الحوارات وما نراه في المساء يتكرر عرضه في الضحي والظهيرة ومما يساعد علي حالة الرفض هذه هو تكرار الإعلانات بشكل سمج لموضوعات لزجة ومقززة. وسبق لي ولغيري نقد تلك الإعلانات ولكن بلا جدوي كما لو كنا نقيم الأذان في سويسرا بدلا من مالطة ؟! فعلي سبيل المثال في القنوات الرياضية العديد من الأسماء التي تبث برامج متعددة للرياضة منها المباريات المباشرة في كل الألعاب ومنها المسابقات والدورات الدولية بل والتحليل والتعليق والنقد ومع آراء الجمهور واللاعبين وكل من له صلة بالموضوع وعلي مدار الساعة، بعضها تتبع المحليات وبعضها ملك للقنوات العربية وغير العربية من بينها قناة الجزيرة وقناة الإمارات وقناة أبوظبي بجانب قنوات أخري غيرها، ويتم عرض المباريات مباشرة ثم علي مدار الساعة ما بين الإعادة وبين التعليق وما بين اتصالات الجمهور التي لا معني لها ولا هدف ولكنها سفاهة يشترك فيها الكل. كلنا تابعنا مشكلة البث المباشر للمباريات بين تلك القنوات وبين التليفزيون المصري خاصة خلال كأس الأمم الأفريقية وقبلها أيضا كأس العالم للكرة ودخلت الدولة والجماهير في ألعوبة التشفير وضروراته والبث العلني والحرب بين شركات الإعلان وبين الجميع وكانت حقوق المشاهدين علي المحك بين الجميع والموضوع هو صراع علي مليارات الجنيهات والدولارات والتي تتناقلها أقدام أصحاب القنوات وشركات الإعلان والمواطن البسيط الذي لا يملك سوي أجر يومه لا يفهم خلفيات هذا الصراع ولكنه يريد فقط مشاهدة فريقه القومي حين يلعب، القنوات الرياضية وصلت في البث لدرجة عجيبة فليست كرة القدم وحدها أو ألعاب القوي بل هناك قنوات لمصارعة الثيران من البشر سواء علي الطريقة الصينية أو الأمريكية، هذا عدا قنوات عرض مسابقات الخيل ومسابقات الهجن أو الإبل التي تصاحبها سيارات المشجعين. أما القنوات الدينية فتتراوح مابين تلاوة مستمرة للقرآن الكريم ومابين قنوات تعمل علي تفسير الأحلام وبين هذا وذاك قنوات يطل منها الزاعقون في وجوه الناس والخطباء والوعاظ والذين يترجمون المصحف الشريف من اللغة العربية إلي اللغة العامية مع الشرح والتصريف الواجبين كي يدخل الجميع إلي الجنة دون حساب ولا عقاب أيضا!! ثم تأتي قنوات المسابقات التي تستدرج سذاجة المشاهدين وطمعهم في الحصول علي آلاف الجنيهات بعدما يجيبون عن سؤال تافه عبر استخدام المحمول أو الأرضي حتي أصبح هذا نوعاً من أنواع الإدمان لتلك المسابقات التافهة. ثم القنوات الإخبارية وهي التي تتراوح بين ملخص النشرة أو النشرة المفصلة وما بين تحليل الأخبار والتعليق علي الأنباء والحوار مع الخبراء والمحللين والعارفين ببواطن الأمور ومن بينهم من يتنقل بين القنوات أو تجري وراءه الكاميرات كما لو كان حديثه هو فصل الخطاب، وكثيرا ما يأسف المذيع لانقطاع الاتصال حتي يرتاح الجميع. البرامج الحوارية التي تستضيف نفس الوجوه ونفس الآراء وعلي فترات متقاربة ولا يدري أصحاب البرامج مدي الملل الذي أصاب المشاهدين ودفعهم للحنق علي ضيوف البرنامج وعلي القناة ذاتها، ويشاركهم أهل العبط من بين الجمهور في مداخلات لا أنزل الله بها من سلطان وعلي سبيل المثال فإن قناة مثل قناة الجزيرة ليس لها هم سوي التقول علي مصر فهي فقط مصدر الأخبار وهي فقط منبع المشاكل والحوارات بل وتشويه الماضي والحاضر وخلط الأوراق والتشكيك في كل شيء. قناة الجزيرة تقوم بتسخير جهودها في الإعداد والتقديم والتصوير علي الحياة في مصر خاصة الجوانب غير المضيئة كي تزيد من معاناة الناس ومن استيائهم نحو ما يحدث علي أرض الواقع واتخاذها جانب المعارضة والمعارضين بل وتسمح بتطاول البعض علي رموز الدولة وسياستها والملاسنة بين أطراف الحوار الذي يشبه مصارعة الديكة في البلاد التي تتسم بالتخلف؟!. بالطبع لم اذكر شيئا عن تلك القنوات الزرقاء والحمراء التي تتأرجح بين القمر التركي والقبرصي والأوروبي وما فيها من موضوعات إباحية لا تتفق حتي مع الذوق وقواعد الحياة، كذلك القنوات العراقية التي بلغت حدا من الكثرة ما يفوق كل قنوات الشرق الأوسط كما أنها وقعت في نفس البئر من التخبط بين الشيعة والسنة والأكراد بل ولكل منطقة قنوات خاصة بها هذا عدا الرياضية والدينية والفنية. أما البلوي الجديدة فهي القنوات الكوميدية التي لجت للإسفاف حتي تملأ فراغ الوقت والتي لم تجد سوي عرض القديم أو التافه من الجديد مع حزمة من الإعلانات القميئة هنا وهناك وتعددت الأقمار وقنواتها والبث واحد!