ايام تحمل رعبًا.. وليال مليئة بالخوف.. مرت علي الرهائن ال «19» في حادث الاختطاف.. أمس الأول عادوا إلي القاهرة.. عادوا يحملون مشاهد لن ينسوها طوال حياتهم.. نقلتهم طائرة إلي المستشفي العسكري بالمعادي.. وهناك كشفوا التفاصيل.. شريط رعب مدته 10 أيام يمر أمامهم بين لحظة وأخري.. يتذكرون وقت أن كانت الأسلحة مصوبة إلي رؤوسهم.. وصوت قائد المجموعة يهددهم «أي محاولة للهرب ستنتهي بالقتل».. ومشهد أفراد العصابة وهم يقتادون صاحب شركة السفاري عندما اكتشفوا أنه يخفي تليفون محمولاً.. وقتها شعر الرهائن بأنه سيكون الضحية رقم «1». والسياح الأجانب نقلتهم طائرات خاصة فجر أمس إلي بلادهم متمنين ألا يتكرر هذا السيناريو مع أحد المصريون عادوا إلي منازلهم ليهدأوا من الألم وقلق أسرهم بعدما ذاقوا العذاب طوال فترة الاختطاف. العائدون: المسلحون كانوا يتنقلون بنا 3 مرات يومياً.. ويخفون السيارات ليلاً بأغطية بلون الصخور 10 أيام قضاها الرهائن العائدون من حادث الاختطاف بين ظلام ليل الصحراء وشمس ظهيرتها الحارقة وأسلحة الخاطفين المسلحين.. «المصري اليوم» التقت المصريين العائدين الذين تحدثوا عن تفاصيل رحلة لن ينسوها أبداً.. تذكروا لحظات صعبة عندما فوجئوا بالعصابة تحيط بهم بعد أن «غرست» إحدي سياراتهم. أمرتهم المجموعة المسلحة بالركوع علي الأرض ورفع أيديهم ووضعها خلف رؤوسهم.. بعض السياح فقد الأمل في النجاة.. وآخرون انهاروا وبكوا لساعات طويلة. بدأت تفاصيل الرحلة الطويلة صباح الأربعاء قبل الماضي، عندما خرج صاحب الشركة الذي أصر علي الخروج في تلك الرحلة، ومرشدين سياحيان أحدهما يعمل لأول مرة في السياحة، و4 سيارات يقودها 4 سائقين ومعهم 11 سائحاً في رحلة سفاري في منطقة الجلف الكبير، تحركت الرحلة من مقر الشركة بالعباسية في طريقها إلي محافظة الوادي الجديد لبدء الرحلة التي كان مقرراً استمرارها 7 أيام في الصحراء. وصلت الرحلة إلي الوادي الجديد، وبعد المرور علي الكمين الأخير، ركب معهم الضابط لتأمينهم، قبل أن يدخل أفراد الرحلة في الصحراء تأكد السائقون من معدات صيانة السيارات والإسعافات الأولية والحمام البيولوجي المتنقل، وتأكد المرشدان من الأطعمة والمياه، لكل فرد 50 لتر مياه بالإضافة إلي مياه غسل الأيدي والأطعمة، ووقود يصل إلي 1000 لتر بنزين لكل سيارة تكفي للسير 3500 كيلو متر داخل الصحراء. وحمل السياح أمتعتهم ومتعلقاتهم الشخصية وبدأت الرحلة إلي منطقة الجلف الكبير ، توقفوا في استراحة «أبوبلاصي»، وهي آخر طريق أسفلتي بعدها يدخلون في قلب الصحراء. بعدها والكلام علي لسان المرشد محمد عبدالمنعم تحركوا إلي الجلف الكبير للوصول إلي المنطقة السياحية، وبها النصب التذكاري للأمير كمال الدين حسين، ثم منطقة كاركور المعروفة بكثرة الأكواخ التاريخية، ومنطقة العقاب. كانت الأمور تسير علي ما يرام حتي لحظة الوصول إلي حدود منطقة الجلف الكبير، غرست إحدي السيارات في الرمال، فاضطر باقي السيارات إلي التوقف والعودة إليها، بعدها بدقائق فوجئوا بأربع سيارات تخرج عليهم، وينزل منها ما يقرب من 30 شخصاً وطلبوا منهم أن ينزلوا من سياراتهم، ويلقوا بكل ما معهم، ويركعوا علي الأرض ويضعوا أيديهم خلف رؤوسهم. ألقي السياح بكل ما معهم ونفذوا أوامر أفراد المجموعة المسلحة ذوي البشرة السمراء، والذين يحملون أسلحة آلية، كان أحد أفراد المجموعة المسلحة هو المتحدث الأول، طلب من المرشد السياحي «محمد عبدالعليم» أن يترجم كلامه إلي السياح، كان المسلح يتحدث بلغة عربية غير جيدة وأحياناً غير مفهومة كما قال المصريون أبلغهم المسلح بأنهم سيطلعون علي أوراقهم وبعدها سيتركونهم يرحلون دون أذي. ترجم المرشد السياحي الكلام للسائحين الذين أصيبوا بالفزع عندما شاهدوا الأسلحة موجهة إلي رؤوسهم، اعتقد المرشد في بداية الأمر أن الموضوع مجرد سطو مسلح أو عمل إجرامي كما حدث له من قبل، وأن هؤلاء سيأخذون ما معهم ويتركونهم يرحلون، إلا أنه هذا الاعتقاد تلاشي بعد دقائق، عندما طلب أفراد المجموعة من الرهائن أن يركبوا في سيارتين يقودهما اثنان من أفراد العصابة، وتحرك الجميع إلي الحدود السودانية. وسأل المرشد السائق الذي ينتمي للعصابة عن المكان الذي سيتوجهون إليه، فرد عليه: «ليس لدي معلومات.. ومن الأحسن لك أن تلتزم الصمت». بدا الرعب والخوف علي وجوه الرهائن، بعدما أخذت المجموعة منهم متعلقاهتم وأموالهم والأشياء الثمينة التي كانت معهم. توقفت المجموعة عند منطقة لا يعرف الرهائن عنها شيئاً، ورجح المرشد أن تكون علي الحدود السودانية المصرية، وجاءت الليلة الأولي عندما حل الظلام علي المنطقة، وكانت التعليمات من أفراد المجموعة المسلحة للرهائن كالتالي: البقاء داخل السيارات التي يركبونها وعدم النزول منها إلا بإذن من أفراد المجموعة التي ستتولي حراستهم، وعدم محاولة الهروب لأن المنطقة غير آمنة ومليئة بالذئاب، كما أن أي محاولة للهروب ستنتهي بالموت، لأن أفراداً آخرين من المجموعة يتولون مراقبة المنطقة. كانت سيارتان تتوليان حراسة الرهائن بشكل مباشر، وسيارتان آخريان تدوران حول الرهائن من بعيد، بعد ساعات من اختطاف الرهائن اكتشفت المجموعة المسلحة أن صاحب الشركة «إبراهيم صابر» يخفي معه جهاز موبايل وأنه حاول الاتصال بزوجته. أمسك أفراد المجموعة بصاحب الشركة وأنزلوه من السيارة التي كان يجلس بها، وأخذوا منه الهاتف واصطحبوه إلي قائدهم الذي كان ينتظر في سيارة علي بعد 6 كيلو مترات تقريباً، وقتها شعر باقي الرهائن بأن صاحب الشركة سيكون أول الضحايا في تلك الرحلة. انتظروا داخل سياراتهم يترقبون مصير صاحب الشركة، حتي جاءهم في حراسة المجموعة بعد نصف ساعة تقريباً وقتها عادت الحياة من جديد للرهائن. سألوه عما دار بينه وبين قائد المجموعة، فأجابهم، بأنه طلب منه التحدث إلي زوجته الألمانية التي تعيش في القاهرة، ويطلب منها أن تتصل بالسفارتين الألمانية والإيطالية وتبلغهما بخبر الاختطاف وتنقل لهما أن المجموعة المسلحة تطلب فدية قدرها 6 ملايين يورو. اتصل صاحب الشركة بزوجته وحاول أن يعطيها معلومات لتبلغ بها رجال الأمن المصري إلا أنه لم يعرف لأن قائد المجموعة كان يقف في وجهه وكان أفراد المجموعة يصوبون الأسلحة تجاه رأسه. مر اليوم الأول علي الرهائن في رعب، بعض السياح انهار من البكاء، وآخرون انزووا جانباً وأخذوا يصلون ويدعون لإنهاء أزمتهم. وعندما شاهدهم قائد المجموعة يبكون توجه إليهم وأبلغهم بأنه لن يفعل فيهم شيئاً، وأن كل مطالبهم هي المال فقط، وأنهم سيعودون إلي بلادهم سالمين إلا إذا اضطرته حكوماتهم إلي أن يغير خطته. نصب السياح والمصريون ومعهم الحرس الخيام في منطقة جبلية بالقرب من جبل العوينات، ليقضوا فيها ليلتهم الأولي - لم ينم أحدهم لساعات طويلة خوفاً من تعرضهم لأذي، فيما غطي أفراد الحرس السيارات بأغطية بلون الصخور حتي لا يتم كشفهم. «أحمد عبدالمنعم» المرشد المساعد، قال «لم يشغل بالي وقتها غير حبيبة.. ابنتي الصغيرة والوحيدة.. كنت أخشي عليها من أن تتربي يتيمة وتفقد أباها وهي في سن 7 سنوات»، وعم «محمد» السائق - قال «كنت أفكر في زوجتي العجوز.. ماذا ستفعل وحدها من بعدي.. أخشي عليها من خبر وفاتي». ومحمد عبدالعليم.. قال: «وقتها كنت أفكر فيما سيحدث لنا.. وسألت نفسي.. من هم هؤلاء.. وماذا يريدون.. وهل ستعرف الحكومة المصرية بالكارثة.. وهل سيتحركون لإنقاذنا ولكن كنت أعود مرة ثانية وأؤكد لنفسي أنه طالما معنا سياح ستنقلب الدنيا.. وإن شاء الله سنعود إلي منازلنا سالمين». في اليوم الثاني وقعت مشاجرة بين سائح وأحد أفراد المجموعة المسلحة بسبب رفض الحارس ذهاب السائح إلي منطقة بعيدة لقضاء حاجته. إلا أن قائد المجموعة حضر بسرعة إليهما، وأنهي المشاجرة وعنف الحرس علي تشاجره مع السائح، وطلب منه عدم التحدث إلي الرهائن ومعاملتهم بالحسني وعدم الإساءة إليهم. خلال أيام الاختطاف كانت مجموعة من الأفراد المسلحين تقوم بنقل الرهائن من منطقة إلي أخري، ينتقلون 3 مرات في اليوم ولم يسأل الرهائن عن سبب النقل، لأنه كان إجراءً طبيعياً حتي لا يتم رصدهم من قبل أجهزة الأمن. وأكد المرشد السياحي محمد عبدالعليم أن المجموعة 5 توجهت بهم في بداية الأمر إلي السودان، في منطقة جبلية، وفي نهاية اليوم توجهوا إلي منطقة أخري لا يعرفون عنها شيئاً. وبعدها ثم نقلهم إلي الأراضي الليبية وعرف المرشد أنهم في ليبيا من خلال صخور كان قد شاهدها من قبل في رحلاته السابقة. بعيداً عن السيارة التي كانت تقود الرهائن كانت هناك سيارة أخري تدور حولهم عن بعد، كانت تقترب منهم أحياناً وتعود مرة ثانية إلي مكانها من جديد، يزداد عدد الخاطفين مرة من 10 إلي 20،وأخري من 20 إلي 30 شخصاً، جميعهم ذوو بشرة سوداء يتحدثون اللغة العربية غير الجيدة وأحياناً غير مفهومة. بعد مرور 5 أيام علي الاختطاف أصيب الرهائن بحالة من الخوف والقلق بعدما كانوا قد تعودوا علي الوضع القائم، سألوا أفراد المجموعة عن موعد إطلاق سراحهم، فرد قائدهم «نحن نريد أن نترككم الآن.. ولكن حكومتكم هي التي تؤخر إطلاق سراحكم.. لا يريدون دفع المبلغ المطلوب وتأمين عملية هروبنا». مرت الساعات والأيام بين لحظات من الرعب والخوف وانتظاراً لتحديد المصير، حتي جاء يوم الأحد الماضي كان الليل قد حل بظلامه علي المكان، عندما سمعوا صوت إطلاق نار علي بعد أمتار قليلة منهم، وقتها كانوا علي الأرض يتناولون الطعام، فأسرعوا بالاحتماء بالسيارات حتي لا يصاب أحد منهم بمكروه، وبعدها فوجئوا بأفراد من المجموعة يصرخون فيهم ويجبرونهم علي ركوب السيارات ويهربون من المكان واحتموا بأحد الكهوف، وقتها علم السياح والمصريون أن قوات الأمن عرفت بأماكنهم ولكنهم شعروا بالخوف والرعب عندما علموا بأن 6 من أفراد المجموعة لقوا مصرعهم علي أيدي قوات الأمن. شعر الرهائن بأن المجموعة ستنتقم منهم وسترد بقتل أحد الرهائن أو جميعهم، أمسكوا في بعضهم البعض وظلوا داخل السيارة لمدة 4 ساعات تقريباً، وبعدها فوجئوا باختفاء المجموعة المسلحة وهروبهم من المكان. نظر السائقون حولهم فلم يجدوا أحداً فقادوا السيارة وتحركوا بالسياح من المكان، توجهوا شمالاً لمسافة 380 كيلومتراً في سيارة واحدة وكان الوقود قد أوشك علي النفاد من السيارة حتي فوجئوا بالطائرة تحلق فوقهم وبعدها جاء أفراد الأمن المصري والسوداني إليهم ونقلوهم في سيارة إلي المطار، ومنه إلي طائرة أقلتهم إلي القاهرة ثم المستشفي العسكري بالمعادي لينتهي كابوس طويل استمر 10 أيام بالعودة إلي الحياة من جديد.