أعلنت عقارب الساعة بدء السباق بين أجواء الدين والدنيا بمجرد دخول العشرة الأواخر من شهر رمضان المبارك، والذي عادة ما تشهد فيها شوارع المدينة كمّا هائلا من البشر والسيارات، مكوّنين بذلك زحاما يشكّل ضعف ما كانت عليه في الأيام الأخرى، ما يجبر الكثيرين على تعمّد الخروج من المنزل في أوقات مبكرة قبل بدء صلاة التراويح، محاولين تفادي الوقوع في شباكات الاختناقات المرورية. وترى أم خالد أن هذه الأيام من رمضان قد تكون سببا في نشوب الخلافات بينها وبين زوجها، حيث انه لا يستطيع التوفيق بين أداء عباداته وقضاء مستلزماته الأسرية على أكمل وجه، وتقول: «يخرج زوجي أثناء إقامة صلاة العشاء، ليؤدي الفريضة وصلاة التراويح في المسجد، ثم نبدأ في جولتنا على الأسواق للانتهاء من لوازم العيد غير أن وقتنا يهدر في طوابير السيارات المتوقفة في الطرقات»، مشيرة بأن منظر الازدحام يشتت زوجها ويربكه، الأمر الذي يمهّد الطريق أمامه لينفّس عن ضيقه بالشجار ومن ثم الرجوع إلى المنزل دون استيفاء نصف ما تحتاجه عائلتها، ويعود هو بدوره إلى المسجد للبدء في تأدية صلاة التهجد. بينما اعتاد عبد الكريم الزهراني على التنقل بين الشوارع برحابة صدر، بعد أن صار ينظر إلى الضجيج الذي يملأ الشوارع بشكل عادي، ويقول: «في بداية انتقالي لمدينة جدة كنت أكره الخروج من المنزل في شهر رمضان بسبب الزحام، إلا أنني الآن أصبحت أشغل نفسي بأمور كثيرة كي لا أشعر بمرارة الانتظار، إذ صرت أهوى تصنيف السيارات أثناء وقوفي في صفوفها وفرزها في مخيلتي حسب نوعها وموديلها»، لافتا إلى أنه اكتشف بعد ذلك بأن ال «كامري» من أكثر السيارات وجودا في طوابير الزحام «على حد قوله». فيما تضطر آلاء عوّاد للخروج من المنزل قبل موعد عملها بساعة ونصف، رغم أنها تبعد عن مقرّه قرابة نصف ساعة فقط، وتقول: «من الطبيعي أن تكثر الحوادث المرورية نتيجة ازدياد أعداد السيارات، لا سيما وأن العشرة الأواخر تعتبر مرحلة حاسمة للانتهاء من متطلبات الأسر قبل دخول عيد الفطر، الأمر الذي يعيق السير ويتسبب في إيقافه لفترات طويلة». وتضيف: «أستغل وقت الغرق في الاختناقات المرورية بقراءة القرآن الكريم أو أي كتاب مفيد يشغلني عمّن حولي، إذ لا أريد أن أفقد أعصابي قبل وصولي للعمل». وما زال أيمن الحربي يتذكر الحادث المروري الذي تعرض له العام الماضي في آخر ثلاثة أيام من رمضان، ويقول: «كنت أسلك طريقي بسيارتي للوصول إلى منزل أحد أصدقائي، ففوجئت بإحدى سيارات الأجرة تسير بسرعة جنونية، إذ ان سائقها كان قد قطع الإشارة لحظة انطلاق السيارات في الاتجاه الذي كنت أقف فيه، غير أنه لم يفلح في تفادي سيارتي، الأمر الذي جعلني أعكس اتجاهها لتلقّي الصدمة من الخلف كي تكون أخف وطأة"، مؤكدا على أنه يحرص على المكوث في المنزل خلال العشرة الأواخر من الشهر المبارك، وتفضيله للاجتماع بأصدقائه بين جدران غرفته عوضا عن التنقل في الخارج. ولم يعد الزحام يميّز شوارع مدينة جدة في ليالي رمضان فقط، بل امتد ليزيّنها في النهار أيضا، خاصة حول المراكز التجارية الكبيرة، في ظل تفضيل الكثير من الناس التسوق نهارا والتفرغ للعبادات في المساء، حيث اعتادت عبير اليامي على النزول إلى الأسواق مع أفراد أسرتها عقب صلاة الظهر وحتى الخامسة عصرا. وتضيف: «قد يحتمل والدي كثافة السيارات في النهار، إلا أنه من غير الممكن أن يقود سيارته في المساء، خاصة وأننا نسكن في منطقة حيوية يصعب فيها إيجاد موقف مناسب للسيارة بالقرب من منزلنا»، مفيدة بأنها قد تستقل سيارة أجرة مع والدتها لاستكمال المشاوير بعد صلاة العشاء.