الأهرام: 15/9/2008 هذه الدعوة موجهة إلي مجلس الشعب, وإلي النيابة العامة, والمجلس الأعلي للقضاء.. ساعدونا, وساعدوا السلطة التنفيذية علي فتح ثقب صغير في جدار الإهمال القاتل في شتي نواحي الحياة في مصر, لعل هذه البداية المتواضعة تطرد فيصبح الثقب ثغرة, وتتسع الثغرة بعد ذلك حتي تقوض أساسات ذلك الجدار السميك الذي يكاد يقضي علينا جميعا. لنقلب أولا صفحات ذلك الملف الأسود للإهمال الحكومي في كارثة الدويقة من قبل أن تقع, وبعد أن وقعت, وسنجد تشابها بين تلك الصفحات وأوراق ملف الإهمال في كل الكوارث التي يمسك بعضها في رقاب بعض, فتأتي تتري كأنها أعاصير الخريف. في كارثة الدويقة يجأر رئيس مجلس الشعب نفسه بالشكوي من أن المجلس بح صوته, إذا كان له صوت, في تحذير الحكومة منها منذ عام1994, أي بعيد الكارثة السابقة لانهيار صخور المقطم علي سكان منشأة ناصر عام1993, حينها كان المجلس قد شكل لجنة مشتركة من لجنتي الإسكان والإدارة المحلية لتقصي الحقائق, واحتوي تقرير تلك اللجنة المشتركة علي تشخيص متكامل للمشكلة, وقدم التوصيات والتحذيرات اللازمة. لم تستجب حكومة عاطف صدقي, ولا حكومة كمال الجنزوري, ولا حكومة عاطف عبيد, ولا حكومة نظيف الحالية. حسب الروايات المنشورة في الصحف فإن مدير التنظيم في حي منشأة ناصر من جانبه قدم إلي الجهات المعنية14 تحذيرا خلال العامين الماضيين, وحتي لا يدعي أحد أنها كانت تحذيرات افتراضية, فإنه منذ يناير الماضي تتابعت أربعة انهيارات محدودة لصخور الجبل فوق الدويقة, وحسب رواية الأهالي المنشورة في الصحف, فقد قتل في هذه الانهيارات الأربعة علي مدي الأشهر التسعة بين يناير ويوم الكارثة35 شخصا. تضيف الروايات المنشورة في الصحف أن المقاول المكلف بأعمال تهذيب حواف الهضبة حتي لا تتساقط فوق سكان السفوح, بدوره حذر الجهات المسئولة من كارثة علي وشك الانقضاض بسبب انفجار حدث لأنبوب مياه الشرب الرئيسي في هضبة المقطم, ومثلما لم يسمع أحد عن مصيبة انفجار هذا الأنبوب وسط صخور جيرية سريعة التصدع إذا اشتمت رائحة الماء, فلم يسمع أحد عن شكوي المقاول إلا بعد ضحي اليوم المشئوم, يوم انقضاض الصخور علي النيام في مضاجعهم. هل انتهت الصفحات الحزينة؟ برغم أن ما قلبناه منه يكفي وزيادة, فإنها لم تنته, فهيئة الاستشعار من بعد أوقفت أبحاثها في المقطم منذ سبع سنوات, لأن الحكومة لا تسمع منها ولا تري من غيرها, ولا تتكلم مع أحد علي الإطلاق, وكانت الهيئة بدورها تري نذر الكارثة تتجمع, وتصرخ وما من مجيب. أما إذا انتقلنا إلي الجزء الثاني من ملف الإهمال الحكومي في كارثة الدويقة, أي ما بعد وقوع الكارثة, فإن المساحات لا تكفي, ولكن ألا تشبه التحذيرات الأربعة عشر التي أرسلها مدير التنظيم في حي منشأة ناصر في عامين, المذكرات الخمسين التي قال مدير وحدة الإطفاء في مبني البرلمان في شهادته أمام اللجنة البرلمانية إنه وجهها إلي أمانة مجلس الشوري, وإلي الإدارة الهندسية, يحذر فيها من نقص خطير في نظم ومعدات الإنذار بالحرائق ومكافحتها. وألا تشبه هذه التحذيرات غيرها في كوارث كثيرة داهمتنا, وكوارث أكثر سوف تداهمنا, لا قدر الله, إذا استمر الحال علي ما هو عليه. ماذا أطلب إذن من مجلس الشعب, ومن النيابة العامة, ومن المجلس الأعلي للقضاء؟ بالنسبة لمجلس الشعب ها هي جميع أركان المسئولية السياسية الحكومية عن الكارثة متوافرة, بل إن رئيس المجلس نفسه هو أول الصارخين بأن النواب نبهوا وأنذروا منذ عام1994, فماذا ينتظر حتي يجرب المجلس مرة واحدة قد يكون فيها الشفاء أن يستدعي كل مسئول من الناحيتين السياسية والإجرائية عن إهمال تقاريره وتحذيراته, ويعقد لهم جلسات محاسبة برلمانية جادة, تنتهي بإدانة والتوصية بعزل من يستحق, وإحالة من يثبت في حقه تهمة الإهمال الجسيم إلي النيابة العامة, علي ألا يستثني من ذلك المسئولون في الحكومة السابقة منذ كارثة عام1993, من وزراء, ومحافظين, ورؤساء ذلك الحي المنكوب المتعاقبين, بجد ماذا تنتظر يادكتور سرور؟! أما ما نريده من النيابة العامة, محامي الشعب, فهو أن تجيبنا علي السؤال التالي: ألا تتوافر من شهادة رئيس مجلس الشعب, ومن القرائن السابق ذكرها أركان جريمة الإهمال الجسيم في كارثة الدويقة؟ وإذا كانت الإجابة بالإثبات, فهل من صلاحيات وسلطات النائب العام تحريك الدعوي الجنائية ضد المهملين دون انتظار إحالة من جهة أخري أم لا؟ كذلك أتوجه بالسؤال إلي مجلس القضاء الأعلي, فهل ثمة ما يمنع قانونا من المبادرة إلي تشكيل دائرة خاصة لمحاكمة هؤلاء المسئولين المهملين الذين يتسببون بإهمالهم في إهلاك الحرث والنسل, وفي إلحاق العار بالوطن والمواطنين ونظام الحكم؟ إن محاسبة المسئولين عن وقوع كارثة كان يمكن تفاديها مرة واحدة, سياسيا, أو قضائيا سيفتح الثقب المطلوب في جدار الإهمال, وسيتسع الثقب كما قلنا إلي ثغرة, تقوض ذلك البناء الفاسد كله من البيروقراطية البليدة غير المسئولة, لأن رأس الذئب الطائر علمت الثعلب الحكمة, كما كنا نتعلم في المدارس الابتدائية في أزمنة ولت.