الاهرام 22/8/2008 من وقت لآخر تمتد ألسنة النيران لتلتهم جزءا عزيزا من ضميرنا الوطني وتاريخنا الأعز.اختطفت تلك الألسنة الشيطانية من قبل مبني دار الأوبرا والمسافر خانة وقائمة أخري من معالم نهضتنا وفخرنا. في كل مرة تخمد ألسنة النيران لتترك في نفوسنا غصة وألما وحسرة علي ماضاع في لهب النيران وتحول في سويعات إلي تراب وخراب. مساء الثلاثاء الماضي تكرر المشهد نفسه تاركا في نفوسنا آلاما نريدها ان تتحول إلي إجراءات وأفعال تمنع تكرار تلك الأحزان الوطنية العامة حين تخطف النيران وإلي الأبد مكانا عزيزا ومباني عريقة صنعت تاريخ مصر العظيم. لا أحد في هذا العالم يستطيع أن يمنع الحرائق من أن تندلع في أي مكان تشاء لكن من غير المقبول أن نترك النيران لترعي كيفما تشاء حتي تقضي علي كل شئ كما حدث في مبني مجلس الشوري. 9 ساعات كاملة التهمت فيها النيران كل شئ تاركة في ذاكرة المصريين مشاهد لاتنسي عبر السنين, لقد أحالت مبني تاريخيا عريقا إلي كومة من التراب والحطام. سوف يتذكر القاهريون تلك الليلة الصيفية في حر أغسطس.التي التهمت فيها النيران مبني غاليا, يحتوي علي جزء من تاريخهم السياسي والبرلماني. فمن يمر بمنطقة الدواوين الحكومية وشارع قصر العيني وميدان التحرير لن تخفي عيونه نظرة الحسرة علي المبني حتي لو أعيد تجديده.. وسوف يتذكر الحريق وآثاره النفسية قبل خسائره المادية الباهظة. وثمة حقيقة لابد من الوقوف عندها في حريق مجلس الشوري هي تلك المشاعر الوطنية التي تأججت عقب الإعلان عن الحدث. كانت مشاعر الحزن العامة تعبر عن شعب حزن علي أمته وعلي تاريخه. كما كان تحرك الدولة معبرا عن عمق الوعي لحقيقة ماحدث.. اصطف رجال الداخلية والقوات المسلحة والمواطنون معا في مواجهة النيران. كان الرئيس مبارك متابعا للحدث لحظة بلحظة ولم يكتف بالمتابعة, لكنه تفقد الموقع للوقوف علي حجم الكارثة التي ألمت بنا, ويري علي الطبيعة كيف تكون خطواتنا القادمة فجاء قراره بتحمل الدولة تكاليف الترميم تعبيرا عن المسئولية الوطنية العامة تجاه مؤسسة لها مكانتها الدستورية, وجاء قرار الرئيس أيضا بإعادة تخطيط منطقة وسط المدينة التي لم تعد تتحمل ما يحدث بها حاليا. التهمت النيران مبني مجلس الشوري في وقت كانت تلك المؤسسة الدستورية قد نفضت عن نفسها غبار الضعف وتراجع الدور والتأثير, فقد شهدت السنوات القليلة الماضية حيوية ونشاطا لم تعهدها في هذا المجلس منذ تشكيله في إبريل عام1979. فقد أعاد صفوت الشريف إلي هذا المجلس سابق عهده في سنوات مجده الديمقراطي وتصاعدت الآمال في أن يتحول مجلس الشوري إلي قوة برلمانية فاعلة تشتبك مع الواقع السياسي المتغير وتدفع بالمسار الديمقراطي خطوات الي الأمام. وأحسب أن مجلس الشوري في الفترة المقبلة سيقف بحسم تجاه تلك القضية المهملة في تأمين منشآتنا السكانية والإدارية والتاريخية والمعاصرة والجديدة جنبا إلي جنب مع دورها المتعاظم والمرتقب في حياتنا السياسية وتطور مسيرتنا الديمقراطية. لم يكن هذا الحادث هو الوحيد أو الفريد في تاريخ عاصمتنا مع الحرائق ذات المعني والأثر النفسي الكبير, والذي له دلالة تحفر في الوجدان. فهذا الحدث يشابه, بل يماثل حادثا آخر جري في يوم28 أكتوبر من عام1971 حين احترقت الأوبرا بكل محتوياتها وتاريخها الفكري والثقافي. ولكن الأوبرا لم تعد وحل محلها جراج كبير ولم يبق من الأثر الثقافي والتاريخي في المكان إلا اسمها. وهذا ما لا نريده لمقر البرلمان.. فكلنا نتطلع إلي عودته شامخا, ورمزا لتاريخنا السياسي.. مشيرا إلي تراكم الخبرات والتطور السياسي والديمقراطي في مصر, حافظا وجامعا لتاريخنا.. فالأمم لا تتطور ولا تنمو إلا بتراكم الخبرات وحفظ التاريخ, تلك الميزة والسمة التي نعرفها للإنسان الذي يتطور ويبني الحضارة. والمصري الذي نعرفه تاريخا وحاضرا ومستقبلا هو من البنائين العظام.. صناع الحضارة. إن حادث حريق مبني مجلس الشوري أو مجلس الشيوخ المصري يحتاج إلي أكثر من تحقيق, سوف يكون أقلهم تأثيرا وفعالية هو التحقيق المباشر لمعرفة أسباب الحريق.. وتحديد الجناة ومحاكمتهم. فهو يحتاج إلي ما هو أكثر من التحقيق, يحتاج إلي صحوة وتغيير في كل حياة القاهرة, بل في كل حياة المدن المصرية. فالجريمة لم يرتكبها فرد أو جماعة أهملت, أو ماس كهربائي, أو عمال تركوا وراءهم ما تسبب في إشعال النيران في أخشاب المبني الذي يصل عمره إلي مائتي عام, لتأكله النيران, أو حتي غياب الأمن الصناعي والإطفاء الذاتي في أحد أهم مبانينا.. بل إنه أحد رموزنا التاريخية التي كان علينا أن نضعها في حبات عيوننا ونراعيها ونصونها صباحا ومساء حتي تظل لؤلؤة تنير لنا الطريق وتشير إلي تاريخنا وتطورنا السياسي.. وإلي إننا أمة سبقت غيرها وأن بلادنا وشعبنا هم السباقون في منطقتنا بل في عالمنا. ولأن تاريخنا وأيامنا السابقة والتي تشير إلي قوتنا وتدل علي مسار حياتنا ومكانة أمتنا يجب أن تحتل مكانة أكبر واهتماما ومتابعة ورعاية أكثر, فلابد أن يكون التحقيق في جريمة الحريق أشمل وأن يكون سياسيا واجتماعيا يكشف جوانب القصور وغياب الرؤية والتخطيط السليم في كل حياتنا. علينا أن نواجه أنفسنا بكل قسوة ولا نبرر لها الأسباب أو نهيئ لها فرص التهرب من المسئولية وألا نحصر المسئولية في فريق دون الآخر.. لأن المسئولية جماعية. إن حريق الأوبرا وحريق مجلس الشوري حدثان كبيران بينهما37 عاما ولم يجر التحقيق السياسي والاجتماعي الذي ننتظره بل نريده لإنقاذ الحياة في القاهرة من الزحام وانعدام التخطيط, بل والمسئولية الإدارية والتخطيط المحلي لعواصمنا ومدننا. سنوات مرت وتدهورت أحوال المدن, بل وأصبحت عشوائية وغاب عنها النظام والمتابعة وتفشي الإهمال, بل وضاع مصطلح الصيانة ولم يعد موجودا في قواميسنا. مجمع التحرير رمز الدولة المركزية المقيتة إن المسئولية في حادث مجلس الشوري ستكون لكل مسئول يمر بسيارته يوميا في هذه المنطقة ويري الزحام والتكدس والبناء العشوائي بلا تخطيط ولا يتحرك. المسئولية ستكون أمام الوزراء والبرلمانيين الذين لم يشرعوا القوانين لتنظيم عملية وأساليب وطرق البناء وتركوا للناس الحرية في أن تبني وتتكدس في منطقة واحدة حتي أصبحت الحياة غير آمنة, بل المباني معرضة للخطر والانهيار. المسئولية ستكون علي الجميع وعلينا أيضا إذا لم نكتب ونشير إلي جريمة الزحام والتكدس في المباني والوزارات, بل أن نصم آذاننا علي مبني عتيق مازلنا نتكلم منذ سنوات عن انتقاله من هذه المنطقة ويشير إلي دولة الموظفين العريقة في مصر منذ الستينيات وحتي الآن ولم نتحرك لتحويلها لدولة منتجين وعمال حقيقيين في كل المرافق والمناحي إلي جوار مجلس الوزراء ومجلس الشعب أكبر سلطتين في مصر التنفيذية والتشريعية حيث يوجد نصب تذكاري لدولة الموظفين هو مجمع التحرير, لا يعرف من يدخله كيف يخرج منه ولا يدري كل من يمر من شوارعنا ماذا يقدم هذا المبني الرهيب لعملية الإنتاج والتحول الاقتصادي في مصر؟ إن كل من يراه تعود به الذاكرة إلي دولة الموظفين في مصر, والتي كانت تكدس العمالة بدواوينها لمواجهة البطالة وتحويلها إلي بطالة مقنعة تخفي بها الوجه القبيح لغياب التنمية الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية في بلدنا. لم يعد مجمع التحرير مجرد رمز لدولة الموظفين التي انتهت في مصر وبدأنا في عمليات الإصلاح الاقتصادي الهادفة إلي نقل العاملين من دواوين الحكومة إلي المؤسسات الاقتصادية والشركات المنتجة ليتطور الإنتاج الصناعي المصري لينافس عالميا ويلبي احتياجاتنا داخليا بدلا من الاعتماد علي إنتاج الآخرين. بل إنه رمز آخر كبير للدولة المركزية المقيتة وغياب الحكم المحلي الحقيقي يجعل أرزاق الناس ومصائرهم وكل خدماتهم في حياتهم اليومية في قري مصر ومحافظاتها وصعيدها دلتاها وسواحلها مرهونة بالعاصمة وبطابور طويل ومعاناة شديدة لموظف قابع خلف مكتبه بمجمع التحرير. إذا تخلصنا من دولة الموظفين وحولناها لدولة المنتجين وتخلصنا من دولة المركزية المقيتة التي تحكم80 مليون مصري بعقلية20 مليون مصري كما كنا لتحول هذا المبني العتيق والمعيب هندسيا إلي متحف يزوره الناس ليحكي تاريخ مرحلة مصرية انتهت في الاقتصاد والإنتاج والسياسة.. بل عقلية عصر أوصلنا الي طريق مسدود وعصر جديد يتحمل فيه كل مصري مسئولياته ليصبح شاهدا أو رمزا تذكاريا لدولة الماضي التي عفا عليها الزمن, وظل شاهدا علي التغيير والتحديث في نظامنا الاقتصادي ونظامنا الإداري فنحن نبحث عن العاملين المنتجين وليس الموظفين ونحن نبحث عن حرية المواطنين في قراهم ومحافظاتهم وليس تقيدهم خلف موظف محدود الأفق في القاهرة. إننا نتطلع لأن نخرج من هذا الحادث المفجع برؤية أشمل لمنطقة وسط المدينة وطرقها وشوارعها ومبانيها وأساليب عمل وطرق صيانتها وشكل شوارعها وحماية أرصفتها من أي اعتداء بما يتيح لكل وسائل المواصلات الحركة بأمان وحرية وبدون زحام أو ضجيج يشير إلي قدرة المجتمع بأن هناك عملية تغيير حقيقية تحدث داخله. نتطلع من هذا الحادث المفجع لإعادة القاهرة الخديوية وصيانة مبانيها وعماراتها الأنيقة والتاريخية وشكل البناء التراثي وشوارعها الفسيحة والمحترمة من الجميع وليست جراجات للسيارات, وأرصفتها التي تحمي حق المشاة وليست بوتيكات أو أسواقا للباعة الجائلين. نتطلع من هذا الحادث لإعادة كورنيش النيل إلي هدوئه وحماية تلك المنطقة الغالية من الضياع, والتخطيط المثالي لهذه البقعة المدهشة التي تجذب المواطنين وتزيد السائحين للقاهرة وتخلصنا من المناطق العشوائية التي أصبحت موطنا للجريمة والمخدرات بالقاهرة تحت سمع وبصر وزارات معينة وضيوفها الكبار. ويكفي رؤية المنطقة المحيطة بوزارة الخارجية التي تكشف هذه الصورة المفزعة. نتطلع بعد هذا الحادث المفجع لإعادة تخطيط منطقة جاردن سيتي والزمالك التي كانت قلب القاهرة النابض ورمزا لرفاهية المواطن وذوقه الرفيع فأصبحت باركنج سيتي غزتها البنوك والسفارات والشركات بدون تخطيط أو ذوق أو نظام, فأصبحت نموذجا لغياب المحليات وضعفها أمام نمو عشوائي غير مخطط يهدر الموارد ويهدد حياة الناس ويكشف أمام السفارات الأجنبية وضيوف مصر عن ضعف مخز لنظام الإدارة المحلية وانهيار وفوضي الشارع المصري. ولهذا الشكل تأثيراته الضارة علي وضع مصر الراهن والمستقبلي وقدرتها علي جذب مزيد من المستثمرين ورجال الأعمال وتطوير بيئتها الاقتصادية ودفعها للأمام. فصورة الزحام والضجيج والفوضي في هذه المنطقة الحساسة من قلب العاصمة تشير إلي ضعف البنية الاقتصادية علي النمو والتطور, وبالتالي عدم قدرتها علي التكيف مع المتغيرات الجديدة, بل علي امتصاص أي استثمارات أو تطور مستقبلي حقيقي. وليست هناك خطة حقيقية لاستغلالها بشكل وظيفي يخدم أغراض النمو ويزيد قدرتها الاستيعابية أو يعيد تنظيم تلك المنطقة التي تعتبر أغلي أراضي مصر إذا أضفنا إليها منطقة الكورنيش وسط المدينة التجارية السابقة, ومنطقتي الزمالك وبولاق الدكرور, والمنطقة المثلثة الواقعة بين ميادين التحرير ورمسيس والعتبة بكل أسواقها, هذه المنطقة تحتاج إلي عملية تجديد وإحياء, بل وتقسيم حديث للعمل وأسلوب إداري, أو حكم محلي مبتكر لتنظيمها وتطبيق القوانين فيها بكل صرامة. القاهرة عاصمة جميلة..! إن القاهرة العاصمة بدون وسط مدينة حقيقي, يعني عاصمة بدون قلب ينبض. فبناء المدن وتصحيح أوضاعها لا يبدأ من الأطراف برغم أهميتها ولكن من القلب أو الوسط تنبض المدن. ومنطقة القصر العيني تقع فيها17 وزارة في مساحة لا تتعدي700 متر, وكانت هناك خطة لعمل منطقة إدارية جديدة ونقل الوزارات من وسط المدينة, لإحداث تشغيل جديد لهذه المنطقة الحساسة, وليكن تشغيلا وظيفيا مبتكرا يركز في أن يكون وسط المدينة منطقة سياحية أو استثمارية لشركات الأوراق المالية فقط ولجذب المستثمرين. فمنطقة وسط المدينة هي قلب الحركة الاستثمارية والسياحية لأي عاصمة, كما أن نظرة دقيقة علي هذه المنطقة خاصة الواقعة بين مبني التليفزيون في ماسبيرو ووزارة الخارجية الجديدة علي الكورنيش والشوارع الضيقة المليئة بالمخازن والمحلات المزعجة للراحة والقهاوي العشوائية تكشف عن متفجرات في قلب العاصمة تحتاج إلي التصحيح وسرعة الحركة لإنقاذ تلك المنطقة وإعادة الروح لها وأن يتم التركيز علي إزالة العشوائيات والمحلات المغلقة وتلك المخازن المتفجرة, وأن يتم إنشاء مناطق تخصصية( وليكن هناك مول تجاري) يجمع كل هذه الخدمات ويعيد فتح الشوارع للمرور, مع إزالة جميع الأكشاك التي احتلت أرصفة العاصمة. وحتي أكون واضحا, فإنني أريد أن أشير إلي شارع الشيخ ريحان المؤدي إلي وزارة الداخلية والملاصق للجامعة الأمريكية كيف تمت إعادة تخطيطه وإزالة الأكشاك منه, خاصة الكشك الذي استخدم في عملية الاعتداء علي وزير الداخلية السابق اللواء حسن الألفي في19 أغسطس1993. وكان هذا الحادث بمثابة جرس الإنذار الذي استخدم لتغيير تلك المنطقة, وأصبح هناك شارع ورصيف يحميه القانون ويطبقه رجال المرور. وعندما أمر فيها أتساءل: لماذا لا تكون كل شوارعنا وأرصفتنا بهذا الأسلوب؟ ولا نحسد وزارة الداخلية علي هذا الشارع ولكننا نريد كل شوارعنا مثله. لماذا لا تكون شوارعنا وأرصفتنا خاصة في منطقة وسط المدينة كلها مثل هذا الشارع؟ هل ننتظر ليحدث حادث اعتداء علي وزير الخارجية أو وزير الإعلام حتي نغير الشوارع المؤدية إلي ماسبيرو وامتدادات شارع فؤاد والجلاء, فليكن حادث حريق مجلس الشوري جرس إنذار لإعادة تخطيط منطقة وسط المدينة كلها وإعادتها إلي الحياة المنظمة. وعندما تقابل أي مسئول أجنبي أو صحفي يسألك مباشرة متي سيكون هناك اهتمام بإعادة الانضباط للشارع المصري, خاصة في تلك المناطق الحساسة في العاصمة؟ انضباط البناء إنها فرصة لنقولها اليوم: ليس بقانون المرور وحده والعقوبات نعيد الانضباط للعاصمة. ولكن بالنظام الحقيقي, بحكم محلي حقيقي, بإعادة فتح الشوارع وحماية الأرصفة وانضباط حركة السيارات والمشاة معا, وتخفيف الزحام واحترام قوانين البناء. إن السماح ببناء الأبراج يجب أن يتناسب مع طبيعة الشارع ووسائل الأمان والخدمات المقدمة. كما أن السماح بإقامة المحلات والمقاهي والمطاعم أسفل العمارات بدون خدمات أو جراجات, حول القاهرة الي عاصمة الضوضاء والفوضي. ولعل تلك التجربة الجديدة والملهمة المهمة تكون فرصة حقيقية يأخذها المصريون بأنفسهم لإعادة التخطيط العمراني الشامل وعمل تخطيطات حضارية مستندة إلي أقاليم اقتصادية بهدف زيادة الرقعة العمرانية, وخلق مواقع جذب جديدة لحركة المصريين, واعتماد مخططات لإقامة محافظات جديدة علي أسس ومعايير مختلفة وقياسات اقتصادية تراعي الحقائق الجغرافية وامكانات المناطق وتؤدي لإقامة مدن كبري ومتوسطة وصغري, وكذلك قري حديثة بكل المقاييس الزراعية والصناعية والخدمية. فمصر في حاجة إلي هذا الأسلوب للتنمية وليس لإقامة تجمعات تأخذ شكل كومباوند مغلق علي أصحابه, فهذا الشكل مستورد لايتناسب مع البيئة المصرية ومناخنا وعاداتنا وتقاليدنا. فالمصريون تعودوا أن يعيشوا معا وليس في كومباوند مغلق أو اقامة مجتمعات حديثة تحيط بها الأسوار, مثلما فعلنا حديثا في التجمع الخامس, فأصبحت منطقة عشوائية يسيطر عليها أصحاب النفوذ, أو يعزلون أنفسهم في كومباوند بدلا من الحياة مع الناس في مدن وقري مفتوحة للجميع بلا أسوار أو حواجز, ولكنها منظمة ويحميها القانون من الفوضي والعشوائية إلي أن يتعود أصحابها علي حمايتها وتنظيمها. فالقانون أولي بعقوباته, لكن الناس هم الضمان علي تغيير شكل الحياة, وهي عملية طويلة ومستمرة محورها ما نسميه التنمية البشرية الحقيقية لخلق الانسان الواعي والمتحضر والقادر علي بناء مصر وضمان تحقيق الأمان لكل المنشآت وحياة الناس. ولندرك أن تغيير وتنظيم وسط المدينة عملية اقتصادية بحتة ستضخ للدولة موارد بلا حدود تفتح أمام القاهرة العاصمة آفاقا واسعة للتنمية والتطور, ولأن إمكانات وقدرات القاهرة لم تظهر بعد ويطمسها الفوضي والعشوائية في عمليات البناء وفي المواصلات العشوائية التي أخص منها فقط الميكروباص القاتل في كل شوارعها. وإذا اختفت تلك المظاهر, وظهرت تلك العملية الإصلاحية والمتوقعة أن تكون عملية متكاملة وشاملة, وحتي تنجح يلزمها السرعة مع الدقة.. والتحلي بالكفاءة والرغبة الصادقة في تحقيق هذا الحلم المشروع لكل مصري. كان هذا حديث وسط المدينة.. أما الأطراف والضواحي فلها حديث آخر. وهي حادثة أو كارثة ليست عادية, فهي من الكوارث التي تعيش في وجدان أصحابها ولاتنساها الذاكرة الإنسانية. المزيد من أقلام وأراء