الجمهورية 8/8/2008 واضح أننا شعب أدمن الفوضي ولم يعد قادراً علي أن يعيش منضبطاً وملتزماً بالقواعد والقوانين التي تنظم علاقات الناس بعضهم ببعض وعلاقتهم بالمرافق والشوارع والممتلكات العامة. فعلي الرغم من عشرات الآلاف من المخالفات المرورية التي حررت لسائقي السيارات خلال الأيام الماضية منذ بدء تطبيق قانون المرور الجديد.. فإن شوارع القاهرة والعديد من المدن الكبري لا تزال تعيش حالة من الفوضي المرورية نتيجة عدم الالتزام بالقانون مع أنه يستهدف أولاً وأخيراً مصلحة الجميع. في رحلة قصيرة من منزلي بالهرم إلي مكتبي بالجريدة وبعد مرور خمسة أيام علي بدء تطبيق قانون المرور الجديد رصدت ما يقرب من خمسين مخالفة مرورية ما بين الوقوف في الممنوع والتحدث في المحمول أثناء القيادة. وعدم ربط حزام الأمان. وكسر إشارات المرور فضلاً عن الاستخدام العشوائي لآلات التنبيه.. بل وصل التحدي والاستهانة بالقانون أن ترك بعض المواطنين ومنهم أناس محترمون ينتمون إلي فئات مثقفة وتدعي التقدم والتحضر سياراتهم في عرض الطريق في شوارع رئيسة ظناً منهم أن ما كان يحدث في الماضي من تسامح أو تساهل وعدم حزم سيتواصل. وأن "بابا" أو "ماما" أو "أونكل" سيعيد لهم الرخص المسحوبة. أو يطلقون لهم سراح سياراتهم الفارهة التي تحتجزها الشرطة لمخالفاتهم المتكررة. * * * * في شارع رئيس بمنطقة الهرم وبالقرب من منشآت حيوية تكتظ بالسكان والسياح قضيت بعض الوقت بحثاً عن مكان مسموح به لترك سيارتي. وعدت بعد ساعة لأجد سيارة فارهة تقف "صف ثان" وتغلق الطريق.. وحاولت أن أبحث في كل المحال التجارية المجاورة عن صاحب السيارة دون جدوي. ولم يكن أمامي إلا الانتظار إلي جوار سيارتي حتي عاد الإنسان "المتحضر" الذي ترك سيارته في عرض الطريق متحدياً القانون ومصادراً حقوق الآخرين في التحرك والسير في الطريق العام وفق القواعد والقوانين التي ارتضاها الجميع.. وعندما عاد وهو شاب "مودرن" دون الثلاثين من العمر سألته: هل هذا مكان مناسب ومسموح به لترك سيارتك؟. رد عليّ بقلة ذوق وسوء أدب: "هوه ده المكان اللي عجبني"!! دفعني رده الأحمق لكي أسأله: ألم تسمع عن قانون المرور الجديد؟! رد بوقاحة أكثر: "عارفه كويس وحافظه.. روح خلي قانون المرور ينفعك ويأخذ لك حقك"!! هذا مجرد نموذج من الشباب المستهتر الذي تعود علي المخالفات والتجاوزات ومازال يعتقد أن أباه أو أمه أو خاله أو عمه أو أحد أصدقائه سوف يحميه من عقوبات قاسية ورادعة يتضمنها قانون كثيراً ما انتظرناه لكي يعيد الانضباط إلي الشارع المصري ويحمي أرواح الأبرياء من حماقات وسفاهاتالمستهترين. ويعطي لكل إنسان حقه دون تمييز بين ابن وزير وابن خفير. * * * * لابد أن نوجه التحية لقيادات وزارة الداخلية الذين نزلوا إلي الشوارع خلال الأيام الماضية وحرروا بأنفسهم المخالفات للمستهترين الذين تعودوا علي عدم احترام القانون واعتقدوا أن الطريق العام أصبح ملكاً لهم يفعلون فيه ما يشاءون.. وكل ما أرجوه أن تستمر الحملة ويتواصل الاهتمام. ويتضاعف الحزم. ويطبق القانون بكل نصوصه وحزمه علي الجميع. لقد نقلت لنا الصحف والفضائيات أن رجال الشرطة حرروا مخالفات لمستشارين ولأعضاء مجلس شعب ولزملائهم من رجال الشرطة وضبطوا بعض ضعاف النفوس من أفراد الأمن وهم يقبلون رشاوي أو عطايا من بعض أصحاب السيارات مقابل السماح لهم بالوقوف أو عدم تحرير مخالفات.. كما ضبطوا مواطنين راشين وهم يقدمون مبالغ مالية لبعض أمناء الشرطة الشرفاء الذين رفضوها وأبلغوا عن أصحابها.. وكل ذلك متوقع وبداية جيدة لتحقيق الانضباط ومواجهة الفساد الذي استشري في الشارع المصري وإعادة العدالة التي غابت عن حياتنا ومحاسبة الفاسدين الذين يقدمون رشوة أو يقبلونها من مخالف أو متجاوز للقانون.. كل ما هو مطلوب الآن أن تستمر الحملة وأن يطبق القانون علي الجميع. سيادة المستشار الذي خالف القانون وتحدث في هاتفه المحمول وهو يقود سيارته ينبغي أن ينال العقاب الذي نص عليه القانون . لأن السادة المستشارين تعودوا علي مخالفة قوانين المرور وعدم دفع مخالفات المرور!! وأعضاء مجلس الشعب الذين حررت لهم مخالفات لابد أن يطبق عليهم القانون الذي ناقشوه وأقروه بعد أن فرغوه من كثير من عقوبات رادعة كنا في أمس الحاجة إليها لإعادة الانضباط إلي شوارعنا كما هو الحال في دول صغيرة لا ترقي إلي حضارة مصر. منذ عدة أشهر رافقت أحد أعضاء مجلس الشعب لأداء واجب إنساني خارج القاهرة ولاحظت أن السائق يسير بسرعة تتجاوز السرعة المقررة فطلبت منه التهدئة حرصاً علي سلامتنا وتجنباً لمخالفة يضبطها "رادار" مرور علي الطريق.. فرد عليّ السائق بكل هدوء وهو يحترف قيادة سيارات الأجرة : "رادار إيه يا بيه.. البركة في سيادة النائب وحضرتك"!! هكذا تعودنا في مصر أن نخالف كل القوانين ونرتكب كل المخالفات ثم نلجأ إلي صاحب نفوذ أو واسطة لكي يأتي لنا بالعفو!! سيادة الوزير الحازم حبيب العادلي: إذا لم يطبق هذا القانون علي الجميع فلا فائدة منه.. لو تمكن أصحاب النفوذ من العفو عن مخالفات ارتكبوها فسوف نحتفل بذكري الأربعين لقانون المرور في ميدان التحرير بالقرب من مسجد عمر مكرم. وستعم الفوضي كل حياتنا.. فنجاح تطبيق هذا القانون سيعطينا أملاً أكبر في تطبيق كل القوانين المعطلة والغائبة عن حياتنا. المزيد من الأقلام والآراء