تري ماهو المدي الزمني الذي تستغرقه العملية البرية للجيش التركي في شمال العراق ؟ بات هذا هو السؤال المطروح بقوة علي الساحة التركية اليوم خاصة بعد أن صعدت الحكومة العراقية اعتبارا من اليوم الرابع لبدء العملية من لهجتها داعية تركيا إلي الانسحاب من الأراضي العراقية باعتبارها تشكل خطرا علي استقرار المنطقة وانتهاكا لسيادة أراضيه الي جانب تنديد أكراد تركيا بالعمليات العسكرية التركية في شمال العراق. إضافة الي ارتفاع صدي المطالبات الدولية لتركيا بسرعة إنهاء جيشها لمهامه بأقصي سرعة وفي مقدمتها مطالبة وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس بأن تكون العملية محدودة ومطالبة الادارة التركية بإنتهاج سياسات أنجح لحسم المسألة الكردية عبر إدخال اصلاحات حقيقية لمواطنيها الأكراد. ناهيك عن مخاوف تركيا من إصطدام جيشها بقوات إقليم كردستان العراق بزعامة مسعود البرزاني البشمرجة والتي تري أن للاجتياح التركي مآرب مسكوتا عنها وخفية علي غير ماتظهره تركيا في العلن متمثلا في تهديد استقرار الجزء الوحيد الآمن بالعراق منذ الاحتلال الأمريكي لأراضيه في عام2003, إضافة الي تفويض تجربة الإقليم الديمقراطية خاصة وأنهم علي يقين بأن تركيا تنتابها مخاوف شديدة من أن يؤدي استقرار الإقليم واستقراره مستقبلا إلي تأجيج النزعة الانفصالية لدي أكراد تركيا البالغ تعدادهم ما يزيد علي15 مليونا فيعاودون كره الزعيم الانفصالي عبد الله أوجلان مرة أخري, الأمر الذي ترفضه تركيا جملة وتفصيلا وفقا لآليات الدستور القاضية باستحالة استغلال الحقوق والحريات الممنوحة بموجبه للدولة أو للأشخاص علي شكل ممارسات تحاول النيل من وحدة الدولة وطنا وشعبا كوحدة لا تتجزأ وهي واحدة من مواد الدستور التي لا يجوز تغييرها ويتعذر الاقتراح بتعديلها. وإذا عدنا للسؤال المطروح الخاص بالمدي الزمني للعملية, أشار الخبراء الي ضرورة الوقوف أولا علي أهداف العملية البرية وهي تستهدف فقط كما أعلن الساسة الأتراك عناصر المنظمة البالغ عددهم أربعة آلاف مقاتل ويتخذون من شمال العراق مكانا آمنا ومنطلقا لتنفيذ هجماتهم ضد الأهداف المدنية والعسكرية داخل تركيا ولفتوا النظر الي أن الأيام الخمسة الأولي من العملية قد قضت علي153 متمردا ومن ثم إذا سارت معدلات القضاء علي العناصر المتمردة بهذا المعدل متوسط30 الي40 قتيلا في اليوم فان العملية تحتاج الي مدي زمني يتراوح بين100 و120 يوما. غير أن هذا المعدل الحسابي قد يكون خادعا إذا أخذنا في الاعتبار أن عددا ضخما من عناصر المنظمة قد نجح في الهروب الي العمق العراقي وإختلط بالمدنيين وبالتالي فأمر القضاء نهائيا علي المنظمة يصبح ضربا من الخيال سيما أن المنظمة الانفصالية إعتادت علي إعادة ترميم وتنظيم وإعادة هيكلة بنيتها التنظيمية بسرعة خاصة أنها تتعرض لهذا الهجوم مرارا وتكرارا تجاوز عدده ال15 عملية اعتبارا من عام1984. ولأن هذا الأمر بات الشغل الشاغل لقادة الرأي في تركيا فقد استطلعت صحيفة صباح الصادرة يوم الاثنين الماضي رأي خبير شئون مكافحة الارهاب المعروف أرجان شينلي أوغلو الذي قال بوضوح أن القوات التركية ستبقي في شمال العراق حتي نهاية شهر ابريل المقبل مؤكدا أن الجيش التركي سيترك وحدات عسكرية في شمال العراق بعد الانسحاب, ويتفق مع هذا الرأي فريق ضخم من الخبراء غير أنهم اضافوا أن العملية البرية لايمكن أن تؤتي ثمارها كاملة بالقضاء علي المنظمة الانفصالية نهائيا إلا أنهم طالبوا الجيش التركي بضرورة تشكيل شريط أمني منطقة محايدة في شمال العراق معتبرين أن هذا الاقتراح يمثل من وجهة نظرهم الحل الأمثل لتخليص تركيا من هذا الكابوس المزعج الذي جثم علي صدرها منذ عام1984 حينما بدأ المتمردون الأكراد في تأسيس منظمة حزب العمال الكردستاني وانتهي بها الكفاح المسلح لاقامة وطن للأكراد في تركيا. ورأي فريق آخر أن المدي الزمني للعملية يتوقف أولا وأخيرا علي رؤية واشنطن ففي حالة عدم معارضتها للتوغل التركي في لحظة ما فإن الإدارة التركية ستسمح للجيش باستكمال العملية مهما استغرقت من الوقت خاصة أن الظروف المناخية اعتبارا من نهاية مارس ستتحسن وتبقي من العوامل المساعدة للجيش في تنفيذ مهامه, أما في حالة تغيير موقف واشنطن فان الجيش التركي سيجبر حينها علي الانسحاب وربما يعمد الي ترك وحدات قليلة بشمال العراق أو يأخذ بالاقتراح الذي يطالب بضرورة تشكيل منطقة آمنة في الشمال العراقي قبل خروجه نهائيا ولايفوتنا في هذا المقام أن نشير إلي أن التوغل التركي سبب حرجا بالغا لأكراد العراق بسبب تغاضي الولاياتالمتحدة التي تعيش اكبر ترحيب منهم عندما احتلت العراق. وكان الخبير في شئون مكافحة الارهاب الدكتور علي أوزوجان قد اشار في حديثه لصحيفة وطن يوم الاثنين الماضي الي أن واشنطن اضطرت الي تغيير استراتيجيتها في شمال العراق وبدأت تعمل علي تقوية أيادي تركيا وتقف بشكل مطلق بجانبها في أزمتها مع حزب العمال الكردستاني لكسر النفوذ الايراني في العراق. غير أن هذا لايعني أن تفرط واشنطن بشكل كامل في الورقة الكردية التي تعمل علي استخدامها في الترتيبات الاقليمية الراهنة لتمدد الأكراد في أربع دول محورية بالشرق الأوسط مما يجعل منهم ورقة مهمة في التعاطي مع كل هذه الدول وهي سوريا وايران وتركيا والعراق التي تمثل جميعها نقاطا حرجة للسياسة الأمريكية في الشرق الاوسط, الأمر الذي يجعل الادارة الأمريكية تتعامل بمرونة واضحة مع تركيا وتلبية قسط كبير من مطالبها تجاه حزب العمال الكردستاني الذي وصفته بالعدود المشترك لكل من العراق وتركيا والولاياتالمتحدة ومع هذا فلن تضحي واشنطن بالأكراد ومن ثم فمن المتوقع أن تطالب تركيا بشكل حاسم بضرورة انهاء العملية العسكرية في أقرب وقت حتي لاتخسر أحد الحلفاء الذين ساندوها عند غزوها العراق.