المصري اليوم: 31/7/2008 لقد أصبح من تحصيل الحاصل الحديث عن تدهور مستوي خريجي مؤسساتنا التعليمية، علي مختلف مستوياتها من المدرسة الابتدائية إلي الجامعة والتعليم العالي، ولم يعد يخيل علي أحد المجاميع المرتفعة في الثانوية العامة، مثلا- التي تزيد علي مائة بالمائة- وهي أمر لم تعرفه مصر إلا في العقدين الأخيرين، كما أننا لا نظن أن نظم التعليم المعاصرة في العالم المتقدم أو المتخلف أيضًا تعرفه.. ويطلق الدكتور «إبراهيم السايح» علي تلك الظاهرة «ظاهرة المجاميع المرتفعة في مدارس لا يتعلم فيها الطلاب شيئا» ظاهرة التعويض، التي تري أن الدولة طالما لا تستطيع - وبالأحري لا تريد - تعليم الطلاب، وهي في نفس الوقت لاتهتم بأمر تشغيلهم بعد تخرجهم، فهي تعوضهم عن ذلك بمنحهم شهادات نجاح بمجاميع هائلة لا تعني شيئا علي الإطلاق. كما شهد هذا العام بالذات «توحش» العديد من الظواهر السلبية، التي حاولت الدولة في السابق إخفاءها، أو علي الأقل التخفيف من حدتها، كظواهر تسريب الامتحانات، والغش الجماعي، والدروس الخصوصية، وغياب تلاميذ الشهادات عن مدارسهم منذ منتصف العام الدراسي. المهم أن الدولة يبدو أنها استشعرت خطرًا علي مستقبل البلاد في ظل هذا التدهور المستمر في التعليم، ويبدو أنها أيضًا لم يعد يخيل عليها أيضًا شعارات جوفاء مثل «التميز للجميع ومدرستي متطورة ومنتجة و... و...»، فأنشأت الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد الأكاديمي للمؤسسات التعليمية بالقانون رقم 82 لسنة 2006، وصدرت لائحته التنفيذية بالقرار الجمهوري رقم 25 لسنة 2007. وأنا أظن أن القانون نفسه في حاجة إلي مراجعة، ربما نعود إليها في مقال تالٍ، ولكن ما يهمني الآن هو التخوف من أن تتحول فكرة الجودة ومؤسستها ومعاييرها إلي مجرد إجراءات شكلية وروتينية وبيروقراطية لاتعني شهاداتها شيئًا، تمامًا مثل شهادات الثانوية العامة - ذات المائة بالمائة - التي أشرنا إليها من قبل، ومصدر قلقي أنه من الواضح أن هيئة الجودة نفسها ووزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي تتجاهل المدخل المنظومي لفكرة الجودة. وستقوم بتطبيق معاييرها - في الحال وفورًا - علي المؤسسات التعليمية التي ستقدمها لها وزارة التربية والتعليم أو المعاهد الأزهرية أو الكليات الجامعية، بما يعني أن الجودة ستكون قياسًا للمنتج النهائي للمؤسسة التعليمية، وهو الأمر الذي أري أنه لن يخرج مؤسساتنا مما تعانيه من تدهور وشكلية. أما المدخل المنظومي فإنه ينظر إلي جودة المؤسسات التعليمية، باعتبارها عملية متكاملة ذات ثلاث حلقات مترابطة هي: المدخلات والعمليات والمخرجات. أولاً: المدخلات، وينبغي فيها أن تحدد الأرضية التي ستنطلق منها عملية الجودة، مثلاً: ما طبيعة مبني المؤسسة التعليمية، ومدي ما يتوافر فيه من مرافق ومكتبات وإمكانيات وخدمات، والبيئة المحيطة والطرق والمواصلات المؤدية إليه، ثم إعداد الطلاب في الفصل الدراسي والمساحة المتاحة لأنشطتهم في الفناءات والملاعب والحدائق. ثانيا: العمليات، ويتم فيها تحديد طرق التدريس والأنشطة المصاحبة للتدريس والأبحاث التي يقوم بها الطلاب، وعمليات التقييم الدوري للطلاب، وتقييم الطلاب لمعلميهم، والتدريب المستمر للمعلمين، وأنماط الإدارة المدرسية والمتابعة للمعلمين والطلاب، والدور الذي يقوم به شركاء العملية التعليمية من اتحادات طلابية ومجالس آباء وأمناء، وأنماط التوجيه أو الإشراف الفني علي المعلمين والعملية التعليمية. ثالثا: المخرجات، ويتم فيها تقييم الطلاب تقييما نهائيا بحيث يقيس ذلك التقييم كمية ماحصّلوه من معارف ومهارات وقدرات، ومقارنة قدراتهم بنظائرها من قدرات تتيحها مؤسسات تعليمية مختلفة داخلية وخارجية، كما يتم فيها قياس الكفاءة الداخلية والخارجية للمؤسسة التعليمية. ويبقي بعد ذلك أن نشير إلي أنه حتي الآن لم تقم هيئة الجودة بدراسة قبلية تحدد فيها وجهة نظرها لأهداف التعليم من الناحية العلمية والثقافية والفكرية كمنتج نهائي لنشاط مختلف المؤسسات التعليمية. كما أنه لم تقم الوزارتان المذكورتان بدراسة التعديلات التشريعية المناسبة والضرورية لأعمال معايير الجودة وإجراءاتها.