إذا كان التعليم عندنا ينطوي علي مشاكل فإن الثانوية العامة تمثل المأزق بالنسبة له ولنا.. منظومة التعليم لا شك أنها في حاجة إلي إعادة صياغة فها هو رئيس لجنة التعليم بمجلس الشوري د. فاروق إسماعيل في حوار مع إحدي الصحف يقول التعليم الفني في مصر كارثة.. كما يعلن أنه غير راض عن نظام الثانوية العامة الحالي.. والأمر لا يحتاج إلي شهادات من أحد رغم أهميتها ذلك أن المشكلات ظاهرة للعيان سواء من حيث جودة العملية التعليمية البعد الكيفي أو من حيث الأعداد التي يتم استيعابها في مراحل التعليم المختلفة البعد الكمي الأمران معاً كيفاً وكماً في حاجة إلي إصلاح وإصحاح.. فلو تتبعنا العملية التعليمية من بدايتها وفي مختلف محاورها من مدرس ومدرسة ومنهج ومعايير تقييم ومستوي مخرجات لتبين لنا أن كل ذلك يعاني من مشكلات ويتطلب إصلاحات.. انها الميمات الخمسة كما نطلق عليها خمسة محاور تبدأ بحرف الميم وتشكل منظومة التعليم وهي: 1 مُدَّرِس: يمثل عماد المنظومة وأهم محاورها ومستوي المدرس أو المعلم هنا غير خافٍ علي أحد، سواء من حيث مستوي إعداده أو مستوي دخله واعتماده علي الدروس الخصوصية لإحداث التوازن في دخله علي حساب قيم ومعايير كثيرة وعلي حساب العملية التعليمية في النهاية. 2 مَدرسة: غير عصرية مزدحمة بالتلاميذ وكثافة الفصول فيها لا تسمح بجودة أو حتي بمجرد عملية المتابعة وخلت المدارس من الملاعب ومن أماكن ممارسة الهوايات وأصبحت حتي المكتبات فيها فقيرة ولا تكاد تسمن أو تغني من جوع. 3 منهج: مزدحم بعدد المواد ومكدس ويصعب استيعابه بشكل جيد ويصعب تغطيته بأساليب تدريس عصرية ويقوم علي الحفظ والاسترجاع أكثر من اعتماده علي الاستقراء والاستنتاج ويحتاج إلي إعادة نظر جديدة وفق رؤية شاملة ومستقبلية كما يحتاج إلي سلاسة العرض وعمق المقصد وسلامة الإعداد وعلمية التناول. 4 معايير التقييم: أسلوب الامتحانات بالشكل التي هي عليه الآن جعلت تقييم مستويات الطلاب غير سليمة فقد أصبحت ظاهرة المجاميع العالية التي لا تعكس عبقرية أو حتي مستوي ذكاء مرتفع مشكلة المشكلات.. الأمر الذي وضع منظومة التعليم في مأزق فالحاصلون علي مجاميع عالية بالمقاييس المطلقة ليس لهم مكان في كليات المرحلة الأولي. ونحن في حاجة إلي معايير أخري أكثر شمولاً وأكثر تعبيراً عن مستويات الطلاب.. وفي نفس الوقت يلزم ان تكون تلك المعايير موضوعية وشفافة حتي لا يخضع التقييم لاعتبارات أخري غير المستوي العلمي للطالب.. ونعتقد أن الكلام هنا مفهوم ولا يحتاج إلي مزيد من الإيضاح. 5 مُستوي المخرجات: يعاني سوق العمل عندنا من عدم توافر المهارات المطلوبة أو النوعيات المطلوبة لتلك السوق في مخرجات التعليم عندنا.. ولعل ربط مخرجات التعليم باحتياجات السوق يُعد من التحديات بالغة الأهمية التي تواجه منظومة التعليم عندنا في مستويات التعليم قبل الجامعي وفي مستويات التعليم الجامعي.. يحتاج الأمر هنا إلي وضع برنامج يستند إلي رؤية مستقبلية لمتطلبات سوق العمل وسوق البحث العلمي في مختلف المجالات ولا شك ان علوماً مثل الهندسة الوراثية والهندسة الطبية والهندسة المالية وغيرها من مجالات العلوم الحديثة ينبغي ان يكون لها تواجد واضح في منظومة التعليم عندنا.. كما أن النهضة بالبحث العلمي وتوفير مقوماته ومتطلباته يعتبر أحد مرتكزات النهضة التعليمية المطلوبة. وتواضع مستوي مخرجات التعليم عندنا لها أسباب عديدة تم حصرها وأصبحت معروفة من خلال العديد من البحوث والدراسات التي تمت في هذا الصدد ولكن المشكلة في معالجة تلك الأسباب بجدية وإرادة وفي إطار أفق زمني مناسب وباستخدام آليات فعالة وملائمة. ودعنا بعد ذلك كله نتأمل قضية الثانوية العامة وما نعانيه منها.. لقد كانت سنة واحدة ثم جعلناها سنتين والله أعلم كيف ستصبح غداً ربما تتحول إلي سنوات ثلاث.. لا يهم عدد السنوات إذاً.. فدعنا نراجع المقررات أو المنهج نجد شيئا لا يصدقه عقل، عدد كبير من المواد.. وأسلوب عرض يثير الملاحظات أكثر مما يثير الإعجاب.. والتدريبات والأسئلة التي يجب ان يأتي منها الامتحان أو علي نمطها أصبحت في شكل نماذج وزارة التربية والتعليم مسئولة عنها.. والشكوي من صعوبة الامتحانات والطلبة يغمي عليهم وربما ينتحر بعضهم من صعوبة بعض المواد.. ما هذا أيها السادة ارحمونا يرحمكم الله.. هل نحن أمام واقعة حربية أو معركة عسكرية.. والرد علي ذلك من قبل الوزارة يكون نسبة النجاح ارتفعت والمجاميع ارتفعت 35% من الناجحين حصلوا علي "درجات سوبر" والنتيجة أن أصبحنا أمام مشكلة استيعاب هذه الأعداد الكبيرة من أصحاب المجاميع السوبر في كليات يطلق عليها كليات القمة.. ماذا نصنع أمام هذا المسلسل الدرامي للثانوية العامة.. ونرجو أن يتتبع أحد أين ذهب أصحاب المجاميع العالية في الثانوية العامة والأوائل بعد تخرجهم في الجامعة ويقول لنا كم منهم أصبح مخترعاً أو مبدعاً في مجال من المجالات.. لقد أصبحت هناك حرفة للحصول علي أعلي الدرجات في امتحان الثانوية العامة ولا يرتبط ذلك بالضرورة بالمستوي الذهني أو العقلي أو بأي مقياس للذكاء والإبداع. إن كابوس الثانوية العامة في حاجة إلي علاج حاسم ضمن علاج منظومة التعليم ككل في محاورها الخمسة المدرس والمدرسة والمنهج ومعايير التقييم ومستوي المخرجات.. وهذا يجب أن يكون أحد أهم أولويات الوطن بكل القوي الفاعلة فيه.