يظل البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية هو الأشهر والأكثر جدلا وإثارة في تاريخ الكنيسة المصرية، ليس لكونه فقط صاحب مواقف وطنية، أو لأنه الأكثر تأثيراً في الحياة السياسية ،ولكن لأن انتخابه جاء في نفس العام الذي شهدت فيه مصر تحولا سياسيا كبيرا. فقد أجريت إجراءات الانتخابات الأربعاء 13 أكتوبر عام1971 ،وجلس على كرسي البابوية 14 نوفمبر من نفس العام ،أي بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر بعام،وهو نفس العام الذي استطاع فيه الرئيس السادات القيام بما سمى "ثورة التصحيح "وانتصاره على ما سماه مراكز القوى . و دخل البابا شنودة طرفا في صراع سياسي انتهى بتحديد إقامته في دير" وادي النطرون" ولم يسمح له بالتحرك إلا بعد اغتيال السادات. النشأة والتعليم والعمل ولد البابا شنودة الثالث نظير جيد روفائيل ،اسمه قبل الرهبنة الجمعة 3 أغسطس في محافظة أسيوط مركز أبنوب بقرية السلام لأسرة تنتمي للطبقة الوسطى،توفيت والدته في نفس يوم مولده. رباه أخوه الأكبر روفائيل،وبسبب ظروفه الاجتماعية القاسية التي وصفها هو بأنها جافة لم يعرف فيها معنى اللهو والحب وكان طالبا مجتهدا استطاع الحصول على المرحلة التمهيدية في عام واحد،وأمضى عاماً في المرحلة الابتدائية في الإسكندرية،ولكنه أنهاها في أسيوط بتفوق. وعندما دخل المرحلة الثانوية تخصص في البداية في المواد العلمية لحلمه أن يصبح طبيبا ولكنه تحول إلى القسم الأدبي بعد أن تألم من مشاهدته الطبيب وهو يقوم بالكشف على المرضى. ودرس التاريخ الفرعوني والإسلامي والحديث،والتحق بالكلية الأكلريكية وهو لايزال يدرس في كلية الآداب جامعة الملك فؤاد الأول،وكان ذلك استثناء لأنه كان يجب أن ينهى كليته أولا،ولكنه تعهد بتقديم شهادته الجامعية قبل تخرجه. تخرج في الكلية الأكلريكية وظل يحصل على دروس مسائية في اللاهوت القبطي رغم انه أصبح مدرساً بها،كما أنه دخل الكلية الحربية وتخرج فيها عام 1948م. أحب العمل في الكتابة فكتب في مجلة مدارس الأحد حتى رأس تحريرها،وأسس مجلة الكرازة والتحق بنقابة الصحفيين،كما أنه عمل مدرساً للغة العربية في مدرسة إكلريكي الثانوية وعمل مدرساً للغة الإنجليزية في مدرسة ابتدائية. كان للأدب والشعر مكانة كبرى عنده ، وله عشرات القصائد،وعندما تأتيه فكرة في الليل يكتبها في الصباح ، أو يكتبها على الحائط بالقلم الرصاص،ثم تحول بعد فترة إلى كتابة الشعر الديني وله فيه عشرات القصائد،واستطاع أن يؤلف أول قصيدة وهو في سن السادسة عشرة. التعليم الدينى والرهبنة عندما كان يذهب البابا شنودة الثالث إلى الكنيسة يوم الأحد وهو صغير مع أخيه الأكبر،ينشغل بدروس الإنجيل،فلذلك انضم إلى مدارس الأحد. خدم في منتصف الأربعينيات بكنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا وكنيسة القديسة مريم بشبرا وجمعية النهضة الروحية،واهتم بالتراث القبطي وتاريخ الكنيسة،وكان مهتما جدا بنشاط التعليم الديني. وبعد انتهائه من الدراسة الأكلريكية انشغل بتدريس الكتاب المقدس واللاهوت،وفى 18يوليو عام 1954م رحل إلى دير السريان، ورسم راهبا باسم "أنطونيوس السرياني" وكان عمره 31 عاما،وكانت قوافل الرهبنة في ذلك الوقت ظاهرة ملفتة للنظر،حيث بدأ عدد من الشباب القبطي المثقف والمتعلم الذين يطلق عليهم التكنوقراط يرى أن القوة في الأديرة. وعمل البابا شنودة الثالث في خدمة الدير كثيرا،فكان أمينا للمكتبة ومسئولا عن المطبعة ونشر المخطوطات و استقبال الضيوف الأجانب والزراعة وصيانة المباني وفى 31 أغسطس عام 1958 تم ترسيمه قسا بإلحاح من أبنائه الروحيين،وكان عندما يشتاق لحياة التأمل يذهب للاعتكاف من مكان إلى آخر لحد وصل إلى مغارة لأحد القدسيين وكان يجلس بها أسابيع لا يرى فيها إنساناً، فيجدها فرصة للدراسة والتأمل والكتابة و دراسة تاريخ الرسل،ومازال حتى الآن لا يمر أسبوع حتى يذهب فيه إلى الدير. شنودة أسقفا للتعليم كان البابا كيرلس السادس يعلم جيدا أن الراهب "أنطونيوس" لن يوافق أن يتم ترسيمه أسقفا،فأرسل باستدعائه وعندما انحنى أمامه ليحصل على بركته،وضع البابا كيرلس يده على رأسه وقال شنودة أسقفا للأكلريكية ومدارس التربية الكنسية وسائر المعاهد الدينية،فلم يستطع أن يرفض. وتم ترسيمه أول أسقف للتعليم في 30 سبتمبر 1962 ،فاهتم بمدارس الأحد ومستوى التعليم فيها وبالكلية الأكلريكية،وكان نشيطاً جدا فالتف من حوله الكثيرون،رغم أنه كان يمضى نصف الأسبوع يعظ ويدرس والنصف الآخر يذهب إلى الدير. كرسي البابوية بعد أن أجريت القرعة الهيكلية في 31 أكتوبر عام 1971 وتم اختيار البابا شنودة ليصبح البابا 117 في تاريخ الكنيسة المصرية من بين ثلاثة وصلوا تم اختيارهم لانتخابات البابوية،وهم الأنبا صمويل أسقف الخدمات و القمص تيموتاؤس المقارى والأنبا شنودة أسقف التعليم. وتم في عهده ترسيم الكثير من الآباء و الأساقفة و الكهنة الجدد وانتعشت الخدمة كما اهتم بالكلية الأكلريكية وفتح لها فروعاً كثيرة وأسس معهد الكتاب المقدس والرعاية والتربية. وقد شهدت الأديرة حركة تعمير للجديد منها والقديم واهتم أيضا بأديرة المهجر وقام ببناء الكثير من الأديرة وأكمل بناء الكاتدرائية.