دار الخليج فى 10/7/2008 الدعوة التي أطلقها العقيد القذافي قبيل انعقاد القمة الإفريقية الحادية عشرة بشرم الشيخ الأسبوع الماضي، بإنشاء ولايات متحدة إفريقية، لم تحظ بالاهتمام الكافي الذي لقيته القمة التاسعة للاتحاد في أكرا، حيث سيطرت مشكلات المياه والصرف الصحي وأزمة الغذاء العالمية وأزمة زيمبابوي على أعمال القمة، وهو ما يطرح التساؤلات:- هل فعلا يمكن تحقيق الوحدة الإفريقية السياسية والاقتصادية، وما هي التحديات والعقبات التي تواجهها، ثم ما هي متطلبات تحقيقها؟ تعود فكرة الولاياتالمتحدة الإفريقية إلى أكثر من 54 عاماً عندما أطلقها الرئيس الغاني نكروما عام 1963 وذلك لاستعادة إفريقيا لاستقلالها وتعاونها في مواجهة النهب الاستعماري، وقد أفضت دعوته إلى إقامة منظمة الوحدة الإفريقية، ثم برزت الدعوة مجددا عام 1999 من قبل الزعيم الليبي معمر القذافي في قمة سرت وأفضت أيضا إلى ميلاد الاتحاد الإفريقي الذي تم الإعلان عنه رسميا في ديربان بجنوب إفريقيا 2002 ومنذ ذلك الحين، وبرغم أن الاتحاد استطاع إنشاء العديد من المؤسسات الاتحادية مثل البرلمان الإفريقي عام 2004 وكذلك مجلس الأمن والسلم الإفريقي في نفس العام أيضاً، وأسهم بشكل كبير في حل العديد من الصراعات والأزمات في القارة، إلا أنه لم يستكمل بقية مؤسساته مثل البنك الإفريقي المركزي وإنشاء عملة موحدة أو سوق إفريقية مشتركة، بل إن التعاون الاقتصادي الإفريقي الإفريقي لا يزال ضئيلا برغم وجود ثماني كتل اقتصادية تضم في عضويتها معظم الدول الإفريقية مثل "كوميسا" و"سادك" و"إيكواس" و"نيباد" و"تجع الساحل والصحراء" وغيرها، وبالتالي فإن حلم الوحدة ظل يراود العديد من الأفارقة طيلة القرن الماضي وأخذ خطوات إيجابية تجسدت في إقامة الاتحاد الإفريقي الذي يمثل استمراره، وثبات دورية انعقاد القمة الإفريقية إنجاز في حد ذاته، لكن هناك الكثير من العقبات والتحديات أمام تحقيق حلم إقامة الولاياتالمتحدة الإفريقية يمكن تلخيصها في أربعة أنواع من التحديات. أولاً تحديات اقتصادية: وتتمثل في انتشار مشكلات الفقر والتخلف في معظم دول القارة خصوصاً جنوب الصحراء التي مازالت تعيش حياة البداوة وانخفاض مستوى المعيشة، إضافة إلى التشابه الشديد في معظم اقتصاديات دول القارة من حيث كونها تعتمد على إنتاج المواد الخام وتصديره للدول المتقدمة واستيراد السلع الاستهلاكية منها، وبالتالي لا توجد إمكانية لتحقيق التكامل بين تلك الاقتصادات الذي يعتمد على الميزة النسبية، وهناك أيضا عدم وجود بنية أساسية وشبكة مواصلات برية وبحرية وجوية لربط أسواق دول القارة في ظل المسافات البعيدة بينها، كما أن التجمعات الاقتصادية مثل إيكواس وسادك وكوميسا وتجمع الساحل والصحراء وغيرها لم تنجح في إقامة تشابك اقتصادي بين أعضائها يمكن أن يكون نواة لتجمع اقتصادي يمثل السوق الإفريقية المشتركة على غرار السوق الأوروبية المشتركة، ويضاف إلى ذلك انتشار الأمراض الخطيرة مثل الإيدز الذي يكاد يفتك بسكان القارة ويهدد بفناء دول بأكملها مثل نامبيا، ثم هناك تحديات تتعلق بمشكلة تمويل مؤسسات الاتحاد الإفريقي. ثانياً تحديات سياسية: وتشمل التباين الشديد في الأنظمة السياسية الإفريقية ما بين أنظمة ديمقراطية تشهد تداولا للسلطة ودوراً للرأي العام وبين أنظمة ديكتاتورية وسلطوية، إضافة لانتشار الفساد الإداري والاقتصادي وغياب الحكم الرشيد، بل وانهيار الدولة أساسا مثلا الصومال، يضاف إليها انتشار الصراعات والحروب الأهلية التي تسنتد إلى أسس عرقية ولغوية ودينية وقبلية، في كثير من دول القارة، مما جعلها تحتل المرتبة الأولى عالميا من حيث عدد الصراعات والحروب الأهلية، كما هو الحال في دارفور والصومال والكونغو وغيرها، وقد أعاقت تلك الحروب عملية التنمية في دول القارة واستنزفت مواردها الطبيعية والبشرية، كما أنها أدت لزيادة التدخل الخارجي عبر دعم هذا الطرف أو ذاك مما أطال أمدها وزاد من تعقيدها وقلل من فرص حلها، بالإضافة إلى ذلك أيضا هناك غياب الإرادة السياسية لدى زعماء القارة لتحويل حلم الوحدة إلى خطوات ملموسة واستراتيجيات فعلية على أرض الواقع، حيث ظلت الوحدة لا تزال فكرة نخبوية يتبناها بعض الزعماء الأفارقة لكنها لم تحظ بالتأييد الشعبي الذي يدعمها ويرى فيها تحقيقا لمصالحه، وبالتالي فإن هذا الحلم يتصاعد مع تحمس بعض الزعماء له لكنه يخبو في حالة فتور القادة الذين يتبنونه بعيدا عن رغبة أو مصالح شعوب القارة، خصوصاً في ظل التعارض بين مفهوم السيادة الوطنية وسيادة الاتحاد الإفريقي. ثالثاً: تحديات ثقافية: وتشمل التباين الشديد والتنوع الكبير الذي تشهده القارة دينيا ولغويا واثنيا وعرقيا، حيث يوجد بها مئات اللهجات واللغات والأديان، وبرغم أن هذا التنوع اللغوي والعرقي لا يمثل بحد ذاته عائقا أمام الوحدة مثلما توضح تجربة الاتحاد الأوروبي الذي يضم شعوبا ولغات وأديانا وأعراقا مختلفة، إلا أنه في الحالة الإفريقية في ظل غياب المصلحة التي تغري بالاندماج والإرادة السياسية لتنفيذ خطوات الوحدة، فإنها تمثل عائقاً كبيراً في تحقيق التعايش والاندماج بين شعوب القارة بينما يغيب هذا التعايش داخل الدولة نفسها، مثلما يحدث في الكثير من دولها مثل الصومال والسودان وبورندي وأدى إلى اندلاع الحروب الأهلية فيها. رابعا تحديات خارجية: وتتمثل في محاولة الدول الكبرى إعادة السياسة الاستعمارية مرة أخرى لدول القارة واستغلال مواردها الاقتصادية، خاصة النفط الذي بدأ يظهر في الكثير من دولها، وشهدت السنوات الأخيرة تكالبا دوليا من جانب الولاياتالمتحدة والصين وفرنسا والهند وغيرها على القارة الإفريقية، وساهم هذا التدخل في إزكاء نار الصراعات داخل دول القارة وبين دولها مثلما بين تشاد والسودان مما أعاق التعاون فيما بينها، كما أن الدول الكبرى تعمل على استمرار صيغة التبعية الإفريقية، حيث تستورد منها المواد الخام وتصدر لها السلع والصناعات الاستهلاكية وعدم تحولها إلى اقتصادات صناعية منتجة، كذلك تزايد نفوذ الولاياتالمتحدة وتدخلها في القارة في إطار حربها على الإرهاب ومحاولتها إقامة قاعدة عسكرية لها "إفريكوم" في القارة تكون منطلقا لأعمالها وسياستها. ورغم هذه التحديات فإن حلم الوحدة الإفريقية، وإن كان صعبا لكنه ليس مستحيلا في ظل المقومات الكبيرة التي تتمتع بها القارة والتي تضم سوقاً استهلاكية واسعة تشمل أكثر من سبعمائة مليون نسمة، وامتلاكها للموارد الطبيعية والبشرية الهائلة، حيث تنتج إفريقيا حوالي 11% من الإنتاج العالمي للنفط وتمتلك 8% من احتياطيه، كما تشكل صادرات اليورانيوم الإفريقية 71% من الإنتاج العالمي و54% من البوكسيت و20% من إنتاج النحاس وثلثي احتياط العالم من الفوسفور وكميات ضخمة من الفوسفات إضافة للموارد البشرية الهائلة، إضافة لتوافر النزعة الوحدوية لدى سكان القارة، وبالتالي فإن مقومات الوحدة متوافرة لكنها تحتاج إلى عاملين أساسيين هما المصلحة المشتركة التي تمثل ضمانة أي عمل وحدوي، وقد كان غيابها سببا في فشل وتعثر التجارب الوحدوية مثل الوحدة العربية والاتحاد المغاربي برغم توافر كل المقومات وأوجه التشابه، وبالعكس كانت العامل الأساسي في نجاح التجربة الأوروبية، ثانيا الإرادة السياسية المشتركة خاصة أننا إزاء 35 دولة تشمل أنظمة سياسية متباينة يصعب تلاقي إرادتها على عمل واحد، كما تحتاج الوحدة إلى ترسيخ الديمقراطية في الدول الإفريقية وتحقيق التعايش بين أبنائها والقضاء على الفساد والرشوة، وإعادة بناء الدولة ونشر الحكم الرشيد وتحقيق التنمية الاقتصادية وتوظيف مواردها الطبيعية ومن دون ذلك فإن الفجوة بين حلم الولاياتالمتحدة الإفريقية والواقع ستظل كبيرة بل ستتسع يوما بعد آخر.