لم تحمل نتائج الانتخابات التشريعية الباكستانية أية مفاجأة, فهزيمة تحالف الأحزاب الإسلامية الموالي للرئيس برويز مشرف وحرمانها من تشكيل حكومة باكستان المقبلة كان أمرا متوقعا لأسباب كثيرة, لكن هذه النتائج تؤكد أن الساحة السياسية الباكستانية ستشهد في الفترة المقبلة مواجهات ساخنة بين مشرف من جهة والحكومة والبرلمان الجديدين من جهة أخري, وسيتوقف المستقبل السياسي لمشرف علي نتائج تلك المواجهات المتوقعة. وكانت المواجهات قد بدأت بالفعل بمجرد إعلان النتائج الأولية للانتخابات الباكستانية, حيث دعا نواز شريف زعيم حزب الرابطة الإسلامية مشرف إلي الاستقالة, وأكد شريف- الذي أطاح مشرف بحكومته بانقلاب عام1999- أنه يريد العمل مع أحزاب المعارضة الأخري والقوي الديمقراطية' لتخليص باكستان من الدكتاتورية إلي الأبد', ورد المتحدث باسم الرئيس الباكستاني بأن مشرف لا ينوي الاستقالة معتبرا أن المعارضين' ذهبوا بعيدا في مطالبهم لأن هذه الانتخابات ليست رئاسية وسبق أن انتخب الرئيس لولاية من خمس سنوات', لكن هذه الضمانة التي يراها المتحدث باسم مشرف كافية لبقاء الرئيس في السلطة ربما تتحول هي الأخري إلي أحد أسباب المواجهة, حيث أنتجت الانتخابات برلمانا معاديا لمشرف قد يطعن في دستورية إعادة انتخابه رئيسا للبلاد لفترة أخري من قبل البرلمان السابق, وقد سبق وتعهد نواز شريف بمراجعة كل السياسات غير الدستورية التي اتخذها الرئيس الباكستاني أخيرا كما أشار شقيق الفاروق المتحدث باسم حزب شريف إلي أنه إذا قضت المحكمة العليا عقب عودة قضاتها الأصليين والذين أقالهم مشرف أخيرا بسلامة اقتراع أكتوبر الماضي الذي أسفر عن فوز مشرف بفترة ولاية جديدة فإن حزبه سوف يقبل بحكم القضاة, وهو ما يعني أن ملف قضاة المحكمة العليا سيتم فتحه هو الآخر. ولا يختلف موقف حزب الشعب الفائز بالمركز الأول في الانتخابات من الرئيس مشرف عن موقف حزب الرابطة الإسلامية, حيث صرح آصف زرداري- زعيم الحزب بالوكالة وزوج الزعيمة الراحلة بينيظير بوتو- أن الحزب سيحاول تشكيل ائتلاف حاكم من دون تحالف الأحزاب الإسلامية الموالي للرئيس, ويبدو أن التحالف بين حزبي بوتو وشريف بات مؤكدا لتشكيل حكومة مناهضة لمشرف حيث ضمن فوز الحزبين بأكثر من ثلثي مقاعد البرلمان لهما تشكيل حكومة ائتلافية لن تجد صعوبة في تمرير ما تريده من قوانين في ظل أغلبية برلمانية مريحة. ويري عدد من المحللين أن المستقبل السياسي للرئيس الباكستاني برويز مشرف يبدو قاتما في ضوء نتائج الانتخابات, ويؤكدون أن حتي لو تمكن مشرف من الصمود سياسيا فإنه سيخرج من الساحة تدريجيا إن لم يحصل ذلك علي الفور, ففي الوقت الذي أعلنت فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية علي لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية شون ماكورماك أن بلاده تتمني أن يبقي الرئيس برويز مشرف- حليفها الأساسي في حربها ضدالإرهاب- علي رأس البلاد رغم هزيمته الانتخابية تشير التقارير أن أمريكا لم تعد تراهن علي مشرف بعد سلسلة الأحداث التي شهدتها باكستان في الفترة الأخيرة, ولأن مواجهة الإرهاب تأتي علي رأس أولويات إدارة الرئيس جورج بوش ذكرت صحيفة' نيويورك تايمز' الأمريكية أن المسئولين الأمريكيين بدأوا يستعدون لمرحلة خروج مشرف, وأشارت الصحيفة إلي أن واشنطن ضمن سلسلة زيارات من مسئوليها علي مستوي عال ركزت علي رئيس الجيش الجديد إشفاق برويز كياني في اعتراف ضمني منها بانتقال السلطة إليه وينبع هذا الاتجاه في الإدارة الأمريكية من أن مشرف بعد ثماني سنوات من الإحباط خسر دعم وتأييد الشعب الباكستاني وبات عاجزا عن الوقوف في وجه الإرهاب بشكل فاعل. ورغم كل شئ يري البعض أن مشرف مازال يملك بعض خيوط اللعبة في يده, فمن ناحية هو رئيس البلاد الذي يتمتع بصلاحيات واسعة من بينها إمكانية حل البرلمان, لكن ذلك الطرح مردود عليه بأنه في حال أقدم علي مثل هذه الخطوة سيكون أثار بركانا سيولد انفجارا شديدا ومصادمات غير مسبوقة وهو ما لن يوافقه أو يدعمه أحد فيه, كما يري آخرون أن نجاح حزب مشرف بالفوز في انتخابات إقليم البنجاب أكبر الأقاليم الباكستانية يعطيه دفعة قوية, حيث من المنتظر أن يقوم حزبه بتشكيل الحكومة هناك خصوصا أن الفائز في الإقليم يحدد إلي حد ما تشكيلة الحكومة الفيدرالية, لكن تبقي الحقيقة أن مشرف تحول في حال بقائه في السلطة- إلي بطة عرجاء ولم يعد أمامه سوي محاولة نشر بذور الانقسام بين صفوف المعارضة والعمل علي استمالة أحد الحزبين الكبيرين خصوصا حزب الشعب حيث أنه من المستبعد حدوث تقارب بينه وبين نواز شريف لما بينهما من ماض عدائي, وتبقي جميع الاحتمالات مفتوحة في باكستان وحول مستقبل مشرف السياسي بانتظار ما ستسفر عنه تشكيلة الحكومة الجديدة وما سيتخذه البرلمان من قرارات بشأن إعادة قضاة المحكمة العليا والطعن في الانتخابات الرئاسية.