بعد موجة العنف والاضطرابات التي سادت في زيمبابوي منذ الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 29 مارس الماضي، واعلان كل من الرئيس روبرت موجابي وزعيم المعارضة مورجان تسفنجيراي فوزهما في الوقت عينه، يبدو ان البلاد ستظل في ظل الاقامة الجبرية وسط بؤرة من النزاعات المحلية حتى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في 27 يونيو الحالي. ما يجري اليوم في زيمبابوي بين اطياف الموالاة والمعارضة في ظل سكوت دولي قاتل، ولاسيما «الجارة الحاضنة« جنوب افريقيا، هو بمثابة الحرب الاهلية المستعرة، وعلى الارجح ان موجابي لم يكن يطمح لها وهو الذي لقب ب «ابي الاستقلال«، وعمل جاهدا للتصدي للتدخلات الاجنبية في البلاد ولمكافحة التمييز العنصري، وارساء الاصلاحات والاكتفاء الذاتي. يعد موجابي من اكثر رؤساء العالم تقدماً في السن حيث ناهز عمره 84 عاماً، وقد سبق له أن حظي بتأييد حار رافق وصوله الى سدة الرئاسة التي تبوأها على مدى ثلاثة عقود. الامور اختلفت اليوم، والخلاف حول نتائج الانتخابات كما الاتهامات المتبادلة بتزوير النتائج افضت الى حالة امنية ميؤوس منها، سيكون على العهد الجديد، ايا كان قائده، ان يتعامل معها بكثير جهد وصبر لقطع كل ذيولها. أبو الاستقلال اعتبر موجابي في وقت من الاوقات خليفة نيلسون مانديلا والرجل الذي سيكمل مسيرته، فهو سياسي عتيق تمكن من ان يحقق الاستقلال لروديسيا الجنوبية التي أصبحت زيمبابوي. والمفارقة ان حزب موجابي (زانو) لم يشارك في أول انتخابات عرفتها روديسيا عام 1979 لاقتسام السلطة بين البيض والسود، مما يظهر انه لم يكن يسعى وراء المناصب، ففاز المجلس القومي لافريقيا المتحدة بزعامة آبل موزوريوا. ولكن الشعب انصفه عندما رشح نفسه فانتخب رئيسا للجمهورية عام 1987، وأعاد انتخابه عام 1990، ثم أعاد انتخابه المرة الثالثة عام 1996 والمرة الرابعة عام 2004، ولكن الانتخابات الاخيرة كانت غامضة ومشوشة، بحيث ادعى موجابي وخصمه المعارض الفوز معاً، وبعد فشل المحاولات لحل الامور ودياً، دخلت البلاد في مرحلة لم تكن تتمناها،بحيث بدا ان الرجل اعتاد منصب رئيس الجمهورية ويريد ان يبقى في الكرسي الاول حتى اشعار آخر، بينما برر هو تمسكه بالكرسي، لمنع التدخل الاجنبي وتحديدا الامريكي في البلاد وللحفاظ على الانجازات التي حققها وهي كثيرة. كما مانديلا جرب موجابي العيش وراء القضبان من اجل قضية يؤمن بها، رغم ان هناك من يتهمه بأنه تناساها اليوم من اجل منفعته الشخصية، وكان قد اعتقل في عام 1964 مع بعض المناضلين،ومنهم المحامي هربرت شيتيبو، وظل في السجن عقدا من الزمن درس خلاله القانون. ولدى اطلاق سراحه عام 1974، انضم الى مسلحي زيمبابوي وقاد حرب عصابات ضد نظام الرئيس الروديسي ايان سميث. حيث كانت الصين تمول النشاطات العسكرية للمسلحين. وتمكن من الاسهام بجدارة في تحقيق الاستقلال. وقد برهن منذ ذلك الحين انه يمتلك جرأة لا توصف. عداؤه للغرب اشتهر موجابي بعدائه للغرب وتحديدا للولايات المتحدة ولطالما انتقد سياسة الادارة الامريكية في العراق وافغانستان وممارستها القتل في حق الابرياء، وهو اتخذ من عدائه للغرب مبررا لسياساته وللخطوات التي يتخذها، ومنها اقدامه على تعليق كل المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة والاتحاد الدولي لانقاذ الاطفال وكل المنظمات الرسمية وغير الرسمية الاخرى، حيث أصدر مرسوما اعلن فيه ان زيمبابوي ليست بحاجة إلى المساعدات الغذائية. وفي هذا الصدد، يشدد معارضوه وعلى رأسهم السفيرالامريكي في زيمبابوي جيمس ماكغي على «انه يستخدم المساعدات الغذائية سلاحا للفوز في الانتخابات وذلك بعد تعليقه انشطة المنظمات الانسانية غير الحكومية، وان المساعدات الغذائية التي تقدمها الحكومة اقتصرت على مناصري الحزب الذي يرأسه موجابي فقط. اما في حال إذا ما اراد مناصرو المعارضة ان يحصلوا على المواد الغذائية، فعليهم اولاً ان يسلموا بطاقات هوياتهم وبطاقات انتخابهم الى ممثلي الحكومة، والجميع يعلم جيداً ان هذه البطاقات لا تعاد اليهم، الامر الذي سيمنعهم من الادلاء بأصواتهم في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية«. في المقابل يبرر موجابي ذلك بقوله: انه يرفض اي تدخلات خارجية خلال جولة إعادة الانتخابات المقررة الشهر الجاري، من اي نوع كانت، وانه رفض المساعدات الغذائية لان بعضها يوزع من اجل استقطاب الاصوات للمعارضة، وهو ما يعد بحسب مصادره،بمثابة الرشوة التي تنتفي معها نزاهة الانتخابات. واوضحت المصادر ان السلطات الزيمبابوية حظرت اولاً منظمة «كير إنترناشونال« التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها، من العمل داخل زيمبابوي، بعد اتهامها بالترويج للحملة الانتخابية للحركة من أجل التغيير الديمقراطي المعارضة. ومما قاله موجابي بالحرف: «إننا لسنا ضد أي شخص أو أي طرف، إننا منفتحون للعالم كله بشرط أن بقية العالم تعترف بنا كمتكافئين أو شركاء لأننا إذا لم يُعترف بنا على أساس المساواة فإن المساعدة من جانبهم إلينا على هذا الأساس يعني أننا نُخضع أفكارنا وسياساتنا لإرادتهم وهذا أمر لن نقبله ولكن المساعدة التي تقدم بشكل علني لأننا بحاجة إلى المساعدة على أسس خيرية فإننا نقبلها واننا نحصل على المعونات والمساعدة من أجل محاربة مرض الإيدز مثلاً من بقية دول العالم من أوروبا ومن دول أخرى نقبل هذه المساعدات ولكن لا نقبل أموالا تشتري إرادتنا أو تشتري حقنا في التفكير بشكل مستقل، كلا«. وفي اكثر من مرة انتقد موجابي البعثة الدبلوماسية الأمريكية لمحاولاتها التدخل في شؤون الحكم حتى انه وصف مساعدة وزيرة الخارجية للشؤون الافريقية جينداي فريزر ب «تلك الفتاة الأمريكية الصغيرة التي تهرول في أنحاء العالم كالعاهرة«، وذلك بسبب الانتقادات التي وجهتها اليه في ابريل الماضي ومنها انه يريد «سرقة الانتخابات وإرعاب الشعب في زيمبابوي ومسؤولي الانتخابات«. كما هدد بطرد السفير الأمريكي لدى بلاده «في حال إذا ما استمر في التدخل بشؤون لا تعنيه«. تواطؤ معيب بحسب تقرير اخير للأمم المتحدة فإن «اكثر من 10 الاف طفل تم تهجيرهم من منازلهم وقراهم بفعل العنف، وبعض مدارسهم استولت عليها القوات الموالية للحكومة وحولتها الى مراكز للتعذيب«. وبينما تصاعد العنف في البلاد، لوحظ عدم صدور اي موقف عن حكومة جنوب افريقيا وقادتها الكبار من امثال نيلسون مانديلا عما يحدث، كما سمحت السلطات في روما لموجابي بحضور مؤتمر منظمة الاممالمتحدة (الفاو) عن ازمة الغذاء العالمي بغض النظر عن الحظر المفروض عليه منذ نحو ست سنوات الذي يمنعه من السفر الى اي دولة من دول الاتحاد الاوروبي، باعتبار ان الحظر لا يشمل حضور المؤتمرات الدولية. يذكر انه كان قد حضر جنازة البابا بولس الثاني مدعيا انه على اراضي الفاتيكان وليس الاراضي الايطالية. وهو ما يظهر ايضاً ان الكنيسة الكاثوليكية في روما ترفض التدخل في شؤون زيمبابوي او اتخاذ موقف مع طرف من دون الآخر. الاوضاع الامنية المتردية في زيمبابوي اليوم، واعتماد موجابي سياسة حديدية متشددة في التعامل مع معارضيه، لا شك اثرت في شعبيته، وان كان يقول: انه يفعل ذلك لانه يشعر بأنه ضحية مؤامرة غربية للإطاحة بحكمه وايجاد حكم جديد متواطئ مع الخارج على حساب الداخل، ولكن ذلك لا يبرر عمليات المداهمة والاعتقال وملاحقة المعارضين بقساوة خصوصا ان زيمبابوي كانت تعتبر من الديمقراطيات البارزة في قارة افريقيا. الى ذلك، أعرب عمال الإغاثة العاملون في زيمبابوي عن قلقهم بأن وضع البلد «البائس« قد يسوء أكثر فأكثر في ظل قرار الحكومة الزيمبابوية حظر توزيع المواد الغذائية، اذ يعتمد نحو 4 ملايين شخص أي ثلث سكان زيمبابوي على المساعدات الغذائية في ظل هزال مواسم الحصاد وتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلد.