كشف المرشح الديمقراطي السناتور باراك أوباما سلاحه السري الذي يمنحه أرجحية الفوز بالرئاسة وهو «منبر الفتوة». التعبير الذي استخدمه الرئيس الأميركي الأسبق تيودور روزفلت قبل أكثر من قرن حين وصف توّسله الخطابات الرنانة إبان ترؤسه الولاياتالمتحدة لنحو 8 سنوات. وقام الفيلسوف اليوناني الكبير أرسطو قبل أكثر من 2300 سنة بدراسة أهمية استخدام الخطابات الرنانة في القيادة والحفاظ على الزعامة الوطنية، كما استفاد الآباء المؤسسون للولايات المتحدة من تعاليم أرسطو واستخدام البلاغة والخطابات الرنانة أيضاً. لكن بين نهاية الحرب الأهلية التي اندلعت في العام 1861 وتبوؤ تيودور روزفلت سدة الرئاسة في العام 1901، كان الرؤساء المتتالون وخصوصاً الجمهوريون منهم ،غير حذرين وأصبحت القيادة المستندة إلى خطاب قوي قديمة الطراز. لكن روزفلت غيّر الصورة، والمثير للسخرية أن خلفاءه الأكثر نجاحاً في توّسل البلاغة للوصول إلى سدّة الرئاسة كانوا من الديمقراطيين ،أي الرؤساء وودرو ويلسون وفرانكلين روزفلت وجون كيندي. ولم يتمكن الجمهوريون من استعادة القدرة على إثبات أهمية البلاغة إلا مع رونالد ريجان الذي أظهر أن رئيساً جمهورياً محافظاً يمكنه استخدام لغة قوية وليبرالية تماماً كالديمقراطيين. ليست اللغة القوية أساسية كي يثبت الرؤساء أنهم أذكياء وناجحون سياسياً لكنها ضرورية إذا كانوا يريدون إعطاء صدقية لسياساتهم. والرؤساء الجمهوريون ويليام هوارد تافت ووارن هاردينج وجيرالد فورد وجورج بوش الأب أمثلة على الرئيس الذي يعمل بجد ومسئولية وحكمة، وقد أطلقوا سياسات اقتصادية وأمنية ناجحة بشكل استثنائي،لكنهم افتقروا جميعاً للغة التي ترفع من مكانتهم وتسوّق إنجازاتهم أمام الأميركيين. ولم ينجح ثلاثة منهم وهم تافت وفورد وبوش الأب في إعادة انتخابهم لولاية رئاسية ثانية فيما توفي الرابع وهو هاردينج خلال ولايته بسبب الإجهاد في العمل. يشار إلى أن هاردينج كان أول رئيس أميركي اعتلّت صحته جراء العمل الكثير ما تسبب بوفاته، وذلك منذ وفاة جيمس بولك بعد فترة قصيرة من انتهاء ولايته في العام 1849. وكانت اللغة البليغة مفصلية لرؤساء مثل أبراهام لينكولن وتيودور روزفلت وفرانكلين روزفلت أو رونالد ريجان الذين إما أرادوا سلوك هذا السبيل، أو فرضت الظروف عليهم ذلك لأن الوضع كان يتطلب قيادة الشعب الأميركي نحو اتجاهات سياسية راديكالية جديدة. لذا فإن المهارات اللغوية التي يتمتع بها الديمقراطي من ولاية إيلينوي باراك أوباما والتي تبدّت بوضوح خلال حملته الرئاسية هذه السنة تأتي في زمن مفصلي في تاريخ الولاياتالمتحدة، فأسعار النفط تشير إلى احتمال تسجيل أرقام قياسية في العقود المقبلة ما يعني أن أي رئيس مقبل سيواجه تحدي إفهام الأميركيين أن نمط الحياة الذي اعتادوا عليه منذ الأربعينيات والخمسينيات بسبب وفرة البترول لن يستمر. والحقيقة هي أن الضغوط الاقتصادية، وخصو صاً على الغذاء، تشكل نقطة إضافية في الأزمة الوطنية التي تفترض أن يكون الرئيس المقبل قوياً وبليغاّ ومفوّها. ويستفيد أوباما من الطابع الإيجابي المصاحب لخطبه الرنانة، فيما أشار عدد من النقاد إلى أنه تمكن خلال حملته الانتخابية من تفادي التطرق للأمور الخاصة وكانت خطاباته، على الرغم من أنها ملهمة، غامضة وتفتقر إلى التفاصيل. والواقع أن هذه الانتقادات وجهت إلى 3 مفوّهين بين 1896 و1920 وهم الرئيسان تيودور روزفلت، وودرو ويلسون ووزير الخارجية والمرشح الديمقراطي للرئاسة وليام جيننجز براين. وبالتالي، ففي حال فوز أوباما ، يتوجب عليه أن يكون صلباً ومحدداً، وأن يخوض في التفاصيل تماماً كما فعل الرئيس فرانكلين روزفلت في «حواراته الملتهبة» في ثلاثينيات القرن العشرين. وإذا كان أوباما يسعى لرئاسة ناجحة فلا بد من إتقان مواجهة هذا التحدي، وقد أظهر سناتور إيلينوي أن لديه بالفعل القدرة على تحقيق ذلك.